هل ورد اسمي «برّي وميقاتي» في تقرير عن حسابات «مصرف لبنان»؟
حسمت وزارة المال، مؤقتاً، الجدل السياسي والمالي المستجد بشأن التقرير الأولي للتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان المركزي، بالتأكيد أنها تسلّمت «مسودة» بصيغة غير نهائية. وهي قيد جمع إيضاحات حول بعض الاستفسارات التي أبلغتها إلى ممثلي الشركة الدولية المعنية «الفاريز أند مارشال».
ولوحظ تقديم عبارة «أمام الأخبار المغلوطة» في بيان الوزارة، لتؤكد في سياقه أن «ما يتم تداوله من أن مسودة التقرير الذي أرسل إلى وزارة المالية أتت على ذكر شخصيات اقتصادية ومالية وسياسية، لا سيما رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي، وشخصيات لبنانية وغير لبنانية هي أخبارٌ غير صحيحة على الإطلاق ولا تمت إلى الحقيقة بصلة».
وأكدت أن التقرير ملك للحكومة اللبنانية وليس لوزارة المالية، ما يستدعي معه أن تسلّم النسخة النهائية عنه عند جهوزها، إلى مجلس الوزراء، وبالتالي فإن التصرف بمضمونه يبقى من صلاحيات هذا المجلس. وذلك سنداً إلى أن العقد مع الشركة الاستشارية قد تم توقيعه مع الحكومة ممثلة بوزير المالية، ودور الوزارة فيه بحسب أحكام العقد، يقتصر على التنسيق بين مصرف لبنان وشركة التدقيق وليس أكثر.
بالتوازي، جزمت مصادر مصرفية معنية بأنه ليس بمقدور وزير المال اللبناني يوسف الخليل، وليس في مصلحة أحد، التستر أو الامتناع عن الإفصاح بشأن تسلم التقرير الأولي عن خلاصات التدقيق الجنائي في حسابات البنك المركزي، نظراً للأهمية القصوى التي يحفل بها هذا الملف، الذي شهد تقلبات ومطبات قانونية وغير قانونية خلال السنوات الثلاث الماضية، أفضت إلى تجديد إبرام العقد بعد الانسحاب الأول للشركة والاستجابة لإزالة معوق رئيسي عبر تعليق العمل بقانون السرية المصرفية بما يخص المهمة المطلوبة، فضلاً عن معالجة صعوبات إجرائية شملت حق كشف حسابات الموظفين في «المركزي».
وفيما تقاطعت أجوبة مصرفيين ومسؤولين ماليين رداً على أسئلة وجهتها لهم «الشرق الأوسط»، على عدم إمكانية «حجز» التقرير أو الحؤول دون تسريبه في حال تسليمه فعلياً بصيغته الناجزة، لوحظ عدم صدور ردود فورية من قبل الطرف المبادر لطرح الملف وتصنيفه قضية محورية، والممثل برئيس الجمهورية السابق ميشال عون وفريقه النيابي والسياسي حول دفق المعلومات بشأن تعمّد وزير المال «إخفاء» حقيقة تسلمه للتقرير، بسبب ما يتضمنه من وقائع واتهامات بحق حاكم البنك المركزي رياض سلامة.
غير أن النائب إبراهيم كنعان رئيس لجنة المال والموازنة (الذي ينتمي إلى «التيار الوطني الحر») وجه كتاباً إلى الوزير يوسف الخليل يطلب فيه الحصول على نسخة من تقرير تدقيق شركة «الفاريز ومارسيال» في حسابات مصرف لبنان. وجاء في الكتاب أن لجنة المال والموازنة النيابية تنوي عقد جلسة مخصصة للاطلاع على التقرير المذكور ومناقشة مضمونه.
وفي المقابل، برز تعليق مباشر من قبل النائب جورج عدوان (كتلة القوات اللبنانية)، عبر تغريدة أشار فيها إلى أن «نتائج هذا التّقرير تؤثّر مباشرةً على الشّعب ومصلحة الدولة اللبنانية، والتّأخير إذا حصل يرتّب مسؤوليّةً جسيمةً: ننتظر الجواب». بعدما تساءل: «هل تسلّم وزير المال تقرير التدقيق الجنائي في مصرف لبنان؟ وبأيّ تاريخ في حال تسلمه؟ ولماذا لم يتمّ إرساله إلى الحكومة والمجلس النيابي، ليُبنى على الشّيء مقتضاه؟».
كما صدر بيان عن النائب «التغييري» ميشال دويهي طالب فيه لجنة المال والموازنة بشخص رئيسها (إبراهيم كنعان)، بوضع يده على الملف ومطالبة الحكومة به لعرضه بمسؤولية وحيادية على اللجنة وعلى البرلمان من خلال اللجان المشتركة، كي ينظر المشرع في هذا التقرير الذي يفتح الباب واسعاً أمام القيام بواجبه الرقابي، ويبني على الشيء مقتضاه تشريعياً.
وأكد أنه «لا يجوز لوزير المالية التستر على التقرير، ولا التواطؤ مع حاكم مصرف لبنان بأي شكل من الأشكال، وإلا فالاثنان في دوائر الشبهات ومن خلفهما المرجعيات السياسية الراعية لهما. فإذا تضمن التقرير حقائق محاسبية عن جرائم مالية ارتكبت، فإن من حق الشعب اللبناني معرفتها».
ثم نوّه بأن «الشعب يدفع أثماناً باهظة من عمره ومعيشته جراء تلك الجرائم، ولن يرضى بأقل من محاسبة المسؤولين عنها. وقد يكون إعلان التدقيق على الملأ بداية نهاية الإفلات من العقاب، على أمل أن تقوم السلطات الرقابية والتشريعية والقضائية بما عليها كي لا يبقى لبنان فريسة عصابات مالية مجرمة».
وتأتي هذه التطورات بعد انقضاء أكثر من 20 شهراً على توقيع العقد المجدد والمعدل مع «الفاريز آند مارشال»، والذي تطلب بعد 3 أشهر من نفاذه إقرار قانون خاص بتعليق قانون السرية المصرفية بما يتعلق بالحسابات المستهدفة بالتدقيق، ومسبوقة باستجابة البنك المركزي بتركيب التجهيزات اللوجيستية والبرامج اللازمة لمكتب الشركة الذي استضافته وزارة المالية. إضافة إلى الالتزام بمعالجة أي ثغرات طارئة ودراسة الملاحظات وتقديم الإيضاحات المطلوبة بغية تذليل أي عقبات قد تعترض قيام الشركة بمهمتها.
ويعد هذا التقرير ضمن حزمة الشروط المطلوبة لتوقيع الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي، والاستحصال منه على برنامج تمويلي بقيمة 3 مليارات دولار. فيما تعده أطراف سياسية وحقوقية في الداخل أولوية وضرورة في سياق الكشف عن عمليات محتملة تقع تحت شبهة الجرائم المالية واختلاس الأموال العامة، التي أوصلت إلى انفجار الأزمات المالية والنقدية، فضلاً عن فجوة الخسائر المقدرة بنحو 73 مليار دولار.
وكانت مجموعة من منظمات حقوقية وغير حكومية منضوية ضمن «الائتلاف من أجل المحاسبة وعدم إفلات الجرائم المالية من العقاب»، طالبت بالكشف عن الوقائع الخاصة بهذا الملف بعد انقضاء ما يقارب السنة ونصف السنة على توقيع العقد، وركزت على ما يمثله التدقيق الجنائي، من أهمية وأمل للشريحة الأكبر من اللبنانيين، لا سيما التواقين منهم للعدالة وإحقاق الحق والقانون والمحاسبة.
علي زين الدين- الشرق الاوسط