إلى متى يمكن مواصلة الإنكار: من “ماكنزي” إلى “ألفاريز”؟
التدقيق المفترض إجراؤه في حسابات مصرف لبنان هو تدقيق مالي جنائي تترتّب عليه محاسبة قضائية لاحقة. ولذلك تعثّر منذ انطلاق فكرته وها هو الآن يتعثّر مجدداً بعد ما قيل عن إنجاز شركة “الفاريز ومارشال” تقريرها بشأنه و”احتجازه” في وزارة المالية.
ومع الأخذ في عين الاعتبار البيان التوضيحي الصادر عن الوزير وقوله إنّ التقرير مجرّد “مسودّة” تحتاج تنقيحاً، ثمّ نفيه القاطع لورود اسماء مسؤولين فيه (سمّى في بيانه إثنين من كبار القوم)، فإن دواعي التشكيك بالتوضيحات تستمر قائمة، لسببين على الأقل، الأوّل تاريخ التعاطي الرسمي مع فكرة التدقيق، والثاني أن أي تدقيق مالي جنائي تقوم به شركة معروفة من وزن “الفاريز ومارشال” لا بدّ وأن يقود إلى تحديد المسؤوليات بالأسماء والكيانات والمؤسسات.
أُثير موضوع التدقيق بقوّة بعد اندلاع احتجاجات تشرين وبدء مسلسل سرقة الودائع، وصار لا مفرّ منه بعد تفجير بيروت في آب ٢٠٢٠، لكن الإقرار بحتميّته تأخّر حتى تشرين الأول ٢٠٢١ عندما حضر المدير العام للشركة المدقّقة لإبلاغ الرئيس ميشال عون أنّ العمل سيبدأ والتقرير عن نتائجه سيادة بعد ثلاثة أشهر اي في مطلع ٢٠٢٢.
تعثرت الأمور مرة أخرى. حدّد موعد للتقرير في أيلول ٢٠٢٢، شاملاً نشاط البنك المركزي من ٢٠١٥ إلى ٢٠٢١، وغابت اخباره عن السمع.
عارفون بالأمور يقولون إن “الفاريز” قدّمت تقريرها ضمن المهلة المحددة في العقد مع وزارة المالية، وإنها تقاضت ٩٠ في المئة من اتعابها البالغة ٢،٧ مليون دولار.
يضيفون أن وزير المالية يؤخر دفع ال ١٠ في المئة المتبقية لتجنب الإقرار بتسلمه التقرير النهائي.
لكن إلى متى يمكن مواصلة الإنكار؟ تحدّث الوزير عن مسودّة، وطالبه نوّاب بالاطلاع على ما لديه، لكن سير المطالبة وردود الفعل لا يبشّران سوى بفصلٍ جديد من التهرّب لتغطية الحقيقة.
هدف التدقيق المالي الجنائي لا يمكن أن يهضمه الممسكون بتلابيب البلد. انه الكشف عن عمليات غير شرعية، عن الغش والتزوير واختلاس الأموال العامة وعن التحويلات غير القانونية إلى الخارج. ونتيجة ذلك تتكوّن ملفات قضائية جزائية…
كلّ ذلك لن يناسب الفاسدين والمختلسين. سارعوا اصلاً إلى شلّ القضاء، وهم الآن بصدد تمييع التدقيق وإنهاء أثره، علّ الجماهير الغفورة تنسى كما نسيت من قبل تقرير ماكنزي الذي دفعوا ثمنه من ودائعهم.
طوني فرنسيس- نداء الوطن