الواقعية السياسية في لبنان…غير واقعيّة: كلّ ما يرفضه “حزب الله” مستحيل وكلّ ما يوافق عليه ممكن!

تفرض الواقعية السياسيّة على صنّاع القرار الاسترشاد بالحقائق والمعطيات الموجودة بدلًا من الأفكار النظريّة والأحلام العابرة والإيديولوجيات الجامدة.

وتطالب فرنسا وقوى سياسيّة لبنانية شرائح واسعة من اللبنانيّين بتطبيق مبدأ “الواقعية السياسيّة” في انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، انطلاقًا من اعتقاد بأنّ كلّ ما يرفضه “حزب الله” مستحيل وكلّ ما يوافق عليه ممكن!

وهذه الواقعية السياسية هي التي دفعت الرئاسة الفرنسيّة، في المرحلة السابقة، بدعم وصول مرشّح “الثنائي الشيعي” سليمان فرنجية الى القصر الجمهوري، بعد توفير ضمانات “تقنية” من شأنها تسهيل أعمال السلطة التنفيذية الممثلة بالحكومة.

وثمّة من يرفع الصوت، حاليًّا، من أجل أن تثابر باريس على نهجها هذا، ولا تسمح للوزير السابق جان إيف لودريان الذي كلّفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن يهتم بالملف اللبناني.

ويخشى “دعاة الواقعية السياسية” من أن يطيح لودريان بتأييد فرنسا لفرنجية، خصوصًا أنّ بعض من عملوا إلى جانبه، حين كان في مناصبه الوزارية والنيابية، اتّخذوا مواقف حادة ضد السياسة اللبنانية التي اتبعتها الخليّة الدبوماسية في قصر الإليزيه، ووصل الأمر ببعضهم الى وصف هذه السياسة ب”العار”!

وإذا كان لا يمكن لأيّ ناشط في السياسة، في هذا العصر، أن يتجاوز مبدأ “الواقعية السياسية”، فإنّ السؤال الذي يفرض نفسه هو الآتي: هل المعادلات التي يتم اعتمادها للحديث عن الواقعية السياسية في لبنان واقعية؟ وهل الخضوع لمبدأ الواقعية السياسة لم يسبق أن حصل؟ وهل أثمر، عند اعتماده، نتائج إيجابيّة؟

إنّ الطرح الذي يروّج له “الواقعيّون السياسيّون” يقوم على معادلة باتت معروقة: رئيس للجمهوريّة يرشّحه “حزب الله” ورئيس للحكومة يتقاطع عنده “اصدقاء لبنان” والقوى المناوئة ل”حزب الله” وتوفير ضمانات بتسهيل عمل السلطة التنفيذيّة، بهدف تطبيق برنامج إنقاذي يحظى بموافقة “صندوق النقد الدولي”.

ويحاول مقدّمو هذا الطرح تقديمه كما لو كان “إبداعًا” أحدث ثورة في في الفكر السياسي اللبناني، إذ إنّه يزاوج “الواقعية السياسيّة” التي تعني توفير ضمانات تلقائيّة ل”حزب الله” من خلال المرشّح “الموثوق به” منه مع “التطلعات الوطنية” التي تعني إخراج لبنان من الجحيم الذي وقع فيه بعد انهياراته المالية والإقتصادية في خريف العام 2019.

ولكنّ واقع الحال، يظهر أنّ هذه الخطة التي يسوّقها “الثنائي الشيعي” بدعم سابق من باريس، هي إعادة إنتاج أسباب الإنهيار اللبناني، إذ إنّه جرى تطبيقها حرفيًّا في العام 2016، عندما توصّلت القوى الرئيسية الى اتفاق على انتخاب مرشّح “حزب الله” في حينه، العماد ميشال عون، وتعيين رئيس “تيّار المستقبل” سعد الحريري رئيسًا للحكومة، وتأليف حكومة رفعت الى مرتبة الأولوية تأمين رفاهية اللبنانيّين وإنقاذ ما كان قد ظهر انهياره في المالية والإقتصاد.

ولكنّ هذه الصيغة التي انطلقت، بزخم، سرعان ما ارتدّت وبالًا على البلاد، إذ استفحل الفساد من جهة أولى وتلاشت سيادة الدولة من جهة ثانية وانخرطت البلاد، من دون إرادة أكثرية مكوّناتها، في صراع المحاور وحروبها، من جهة ثالثة.

وهذا يفيد بأنّ ما يسمّى “الواقعية السياسيّة” يُنتج مفاعيل سلبيّة، ويلحق أضرارًا ضخمة بلبنان.

وعليه، فإنّ “الواقعية السياسيّة”، بما أنّها سلوك إيجابي هدفه توفير “المصلحة العليا”، تفرض على صنّاع القرار “الخروج من العلبة” والتفكير بطريقة مختلفة، بحيث يصار الى تطويق الأسباب الحقيقية لانهيار لبنان ، أي إسقاط الحلف القائم بين الفساد والسلاح.

في محيط لودريان هناك قناعة بواجب تجاوز هذا الحلف، خصوصًا وأنّه هو من وقف وراء إفشال المبادرة الفرنسية التي أطلقها الرئيس ايمانويل ماكرون في خريف العام 2020، ولكن في دوائر القرار هناك من يعاند ويعتبر أنّه معادلته التي ليس فيها ايّ إبداع هي …الحل!

فارس خشان- النهار العربي

مقالات ذات صلة