«الهجرة الأوروبية»: الإغراءات والضغوط ضدّ عشاق النهايات المثالية

بين المال والسُّمعة والنهاية المثالية للمسيرة الكروية، يقف بعض النجوم وهم في حيرةٍ من أمرهم حول الخيار الأفضل بالنسبة إليهم في مرحلةٍ من المراحل. منهم من يفضّل العنصر المادي، ومنهم من يريد أن يواصل كتابة قصته الخاصة، فأين القرار الصحيح؟ هل هو في قبول العروض المغرية أم التمسّك باللعب على أعلى مستوى حتى النهاية؟

ما الذي يدفع لاعب كرة قدم ينشط في أهم بطولات العالم الى ترك المجد والشهرة والأضواء مقابل الذهاب الى دوري غير مشهور عالمياً وأقلّ مستوى فنياً؟

سؤالٌ آخر يُطرح أيضاً: ما الذي يدفع أحد اللاعبين الى رفض الإغراءات المالية وهو في خريف العمر الكروي للبقاء في الملاعب الأوروبية حتى الاعتزال؟
الأجوبة كثيرة حول هذين السؤالين بحيث تتردّد الآراء وتختلف وجهات النظر، لكن القصص الأخيرة المرتبطة بانتقال النجوم الى بطولات خارج «القارة العجوز» تختصر كل الإجابات.
أوّل العابرين في الفترة القريبة الماضية من أوروبا كان كريستيانو رونالدو الذي وقّع للنصر السعودي. انتقالٌ ضجّ به العالم وسط صدمةٍ بالنسبة الى البعض حول سبب قبول النجم البرتغالي بهذه النقلة، وهو الذي كان أحد أبرز رموز اللعبة طوال عقدٍ من الزمن.

بالفعل، تشير المعطيات الى أن رونالدو لم يكن ليوافق على هذه الخطوة لو وجد نادياً في أوروبا. والدليل أن مسألة عبوره الى البطولة السعودية استغرقت فترةً طويلة، كونه انتظر عروضاً أوروبية، لا بل قيل إن فريق عمله عرضه على أكثر من نادٍ كبير من دون أن يجدوا التجاوب في أيٍّ من أندية البطولات الوطنية الخمس الكبرى. لذا تبدو نقلة الـ«سي آر 7» مبرّرة في سنّه، إذ بدلاً من ترك الساحة ذهب لتحقيق أكبر استفادة مادية، واللافت أنه حصل في القسم الأخير من مسيرته على أعلى راتبٍ تقاضاه في حياته.

الثراء أوّلاً
المال طبعاً كان وراء تفضيل النجم الفرنسي كريم بنزيما عدم التمديد مع ريال مدريد الإسباني الذي وصل الى أعلى درجات النجومية معه، فذهب الى نادي اتحاد جدة السعودي برقمٍ مالي كبير أيضاً.

«الحكومة» يعرف تماماً أن العدّ العكسي لفترة حكمه التهديفي وصل الى ما يقارب النهاية، وهو الذي فاز بكل شيء ممكن في أوروبا، خاتماً المشوار بحمله الكرة الذهبية، فكان من الأفضل بالنسبة إليه الذهاب للاستمتاع بآخر أيامه الكروية والحصول على مبلغٍ لم يكن ليحصل عليه في أيّ نادٍ أوروبي آخر.

هو سار على خطى كل أولئك الذين عبروا من أوروبا الى الصين في فترةٍ من الفترات من أجل كسب المال بعد الفورة التي شهدتها الأندية الصينية، وعلى رأسهم البرازيلي أوسكار الذي ترك تشلسي في عزّ عطائه، ليصبح اليوم بحسب ما يقال أحد أكثر اللاعبين الميسورين في العالم، وهو ما نسخه اليوم مثلاً البرتغالي روبن نيفيش (26 عاماً) بتركه «البريميير ليغ» للانضمام الى الهلال السعودي.

الى الصين أيضاً توجّه المهاجم النيجيري أوديون إيغالو بعد تركه واتفورد الإنكليزي، ومنها عاد الى مواطنه مانشستر يونايتد معاراً، لكن الأضواء لم تعد تعنيه، فحزم حقائبه سريعاً منتقلاً الى الشباب السعودي ومنه الى الهلال، وسط سؤالٍ طُرح عليه عن رفضه الأندية الأوروبية التي كان بإمكانه حصد الألقاب معها، فأجاب بصراحة: «حياة لاعب كرة القدم قصيرة، إذ عند اعتزالي لا يمكنني أن أذهب إلى السوبرماركت وأقدّم الميداليات كدفعة مقابل الطعام. إنه المال طبعاً».

بعيداً من الضغوط
لكن المال ليس كل شيء في ما خصّ هجرة النجوم من أوروبا الى بطولات لا تقارن ببطولاتها، والدليل ما أقدم عليه أفضل لاعبٍ في العالم الأرجنتيني ليونيل ميسي، الذي كان بإمكانه العودة الى برشلونة الإسباني أو الحصول على عقدٍ خرافي في السعودية، لكنه فضّل التوقيع لمصلحة إنتر ميامي الأميركي، حيث يمكنه طبعاً تحقيق الأرباح ولو بنسبةٍ أقل، وأيضاً الاستمتاع بالحياة.
بالفعل، ما أراده ميسي يختلف عمّا أراده جميع من انتقلوا الى خارج أوروبا هذا الصيف، إذ إن هدفه الرئيس من الذهاب الى فريقٍ أميركي متواضع المستوى هو اللعب من دون ضغوط.

تلك الضغوط التي أرهقته في أوروبا امتداداً الى بلاده الأمّ، فهو كان دائماً مطالباً بجلب الألقاب الى برشلونة، وهو طبعاً عاش لسنواتٍ تحت ضغط مطالبات الأرجنتينيين بقيادتهم الى المجد المونديالي، على غرار ما فعل «الأسطورة» الراحل دييغو أرماندو مارادونا، وهو عاش طبعاً أكبر الضغوط في آخر موسمين بعد انتقاله الى باريس سان جيرمان، حيث تمّ تصويره بأنه المنقذ القادر على قيادة الفريق الفرنسي الى إحراز لقب دوري أبطال أوروبا، لكنه خرج في النهاية على وقع صافرات الاستهجان التي طاردته في القسم الثاني من الموسم لتضاعف الضغوط عليه، فكان قراره الأخير بترك الكرة الأوروبية ومتاعبها.

ورغم ذلك، هناك من يرفض السير على النهج نفسه، أمثال النجم الكرواتي لوكا مودريتش، ونظيره البلجيكي روميلو لوكاكو اللذين رفضا كما العديد من اللاعبين المعروفين التسليم بالأمر الواقع وترك أوروبا، فالأول يشعر بأنه لا يزال بإمكانه التأدية على مستوى عالٍ، لذا لم يتقبّل فكرة عدم سماعه نشيد «التشامبيونز ليغ» بعد الآن. أما الثاني، فلا يزال في مطلع العقد الثالث من العمر، ويمكنه أن يجد فرصاً دائمة في ظل افتقار العالَم الكروي الى الهدّافين أصحاب الرقم 9.

بكل الأحوال، هناك المال في أماكن كثيرة، وهناك الولاء للأندية على غرار ما تركه لنا من أمثلة الإنكليزي ستيفن جيرارد، والإيطاليان باولو مالديني وفرانشيسكو توتي. وهناك أيضاً أمر أهمّ بالنسبة الى رافضي فكرة الاعتزال بعيداً من أوروبا، وهي السيرة الذاتية الذهبية التي يريدونها مثالية.

شربل كريّم- الاخبار

مقالات ذات صلة