الدول التي تتكاثر فيها القيادات العسكريّة تخسر وتنهار: في لبنان ثمّة “بريغوجين” أيضًا!
بالتزامن مع حركة التمرّد “العابرة” التي قادها في روسيا رئيس شركة “فاغنر” يفغيني بريغوجين، تحت عنوان “مسيرة من أجل العدالة”، خرج ناطقون باسم “حزب الله” للتحذير من محاولة البعض في لبنان إيصال “بريغوجين ما” إلى رئاسة الجمهوريّة، في إشارة الى القوى التي تعارض وصول مرشّح “الثنائي الشيعي” سليمان فرنجية الى قصر بعبدا.
لم تكن هذه “الإستعارة” في مكانها، لأنّها، في حال صحّت، فهي تنطبق على الوضعية اللا قانونية ل”حزب الله” نفسه الذي سبق له أن فرض سلاحه ومقاتليه وأهدافه ومحوره على اللبنانيّين، مستغلًّا من أجل ذلك كلّ الوسائل الممكنة بما فيها الإغتيال( الحكم الصادر بحق مجموعة منه في قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري) والغزوات العسكريّة( غزوة السابع من أيّار/ مايو 2008 العسكريّة في بيروت والجبل).
وإذا ذهبنا الى روسيا حيث بدأ النقاش يأخذ مداه حول وضعية شركة “فاغنر” غير القانونية، فإنّ المطابقة بين المجموعة العسكريّة الروسيّة و”حزب الله” تصبح صارخة، ويظهر، بوضوح، أنّ الدولة الروسيّة أثارت غضب يفغيني بريغوجين ودفعته الى التمرّد، عندما رفضت أن يصبح، بعد المهمات التي قام بها في بخموت الأوكرانية، مثل “حزب الله” في لبنان، وخططت من أجل إيجاد إطار قانوني يضع شركته تحت سلطة الدولة، في خطوة كانت تهدف إلى حل شركة “فاغنر” في الأوّل من تموز (يوليو) المقبل.
ومن يدقق في الأدبيات التي استعملها بريغوجين، عشية وأثناء “المسيرة من أجل العدالة”، يمكنه أن يقاطعها، بسهولة، مع تلك الأدبيات التي سبق أن استعملها الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله، عشية وأثناء غزوة السابع من أيار( مايو) 2008.
وكما قال المحلّلون الروس، في دعمهم لقرار “ضبضبة” مجموعة “فاغنر”، إنّ الدول التي تتكاثر فيها القيادات العسكريّة تخسر وتنهار، فإنّ قوى سياسيّة أساسيّة في لبنان، اعتبرت أنّ الإنتخابات الرئاسيّة محطة محوريّة، من أجل تحرير الدولة من قبضة “مجموعة عسكريّة خاصة” ووضعها كليًّا، بعهدة المؤسسات الدستوريّة.
ولكنّ “حزب الله” يرفض ذلك، وهو مستعد من أجل أن يُبقي سطوته على لبنان، لأن يديم الفراغ الرئاسي، وتاليًا الخواء الدستوري، إلى الأبد.
وسيطرة “حزب الله” على لبنان ليست مسألة تفصيلية، بالنسبة له، فهو قاعدته المركزية التي يؤدّي منها خدمات للجمهورية الإسلامية في إيران، سواء في صراع النفوذ مع إسرائيل، أو مع دول الخليج، قبل اتفاق بكين الأخير، أو لمصلحة الأنظمة “الحليفة” مثل النظام السوري حيث تعاون، مليًّا، مع “فاغنر”.
ولن تنجح الوساطة الفرنسة، بنسختها المحدّثة، التي يتولّاها الوزير السابق جان إيف لودريان كما نجحت وساطة الرئيس البيلاروسي مع بريغوجين، لأنّ “حزب الله” وخلافًا لفاغنر، لن يكون في مواجهة عسكريّة مع أحد لتكريس هيمنته على لبنان، فالجيش اللبناني “استراتيجيًّا” موافق، أو مضطر للموافقة على ذلك، والحكومة راضخة، والمشرّع أضعف من أن يعلي شأن الأحكام الدستوريّة.
لهذا السبب، ومنذ أن غادر لودريان لبنان، سارع “حزب الله” إلى إطلاق حملة ترويج كبيرة تظهر تمسّكه الذي لا يلين بمرشح “الثنائي الشيعي” سليمان فرنجية، بصفته “ضامنًا للحيلولة دون طعن المقاومة في الظهر”، داعيًا القوى الأخرى الى التوافق معه عليه!
إنّ “حزب الله” الذي يريد أن يقول للوسيط الفرنسي إنّ زمن تغيير خارطة الطريق التي كان يتّبعها سابقًا قد ولّى، يهدف أيضًا الى تبليغ اللبنانيّين بأنّ رغبتهم في احتواء “فاغنر- لبنان” قد فات أوانها!
فارس خشان- النهار العربي