الدوري الإنكليزي يحتكر النجوم: تفوّق «يهدّد» الاستقرار
يُشكّل سوق انتقالات اللاعبين محطّة مهمة لترميم صفوف أندية كرة القدم. الـ«ميركاتو» ينقسم إلى موسمين، صيفي وشتوي، وتصرف خلاله مليارات الدولارات، التي تذهب الحصة الأكبر منها إلى الدوري الإنكليزي الممتاز «بريمييرليغ». ومع اتساع فارق الإنفاق بشكلٍ لافت بين أندية إنكلترا وباقي المنافسين خاصة في الدوريات الأربع الكبرى بأوروبا، زادت التساؤلات حول كيفية استمرار بذخ الإنكليز بعد الانشقاق عن الاتحاد الأوروبي، بالتوازي مع معاناة القطاع الكروي العالمي بعد كورونا
يحتل الدوري الإنكليزي الممتاز صدارة قائمة الدوريات الأوروبيّة الخمس الكبرى من حيث نسب المشاهدين، بحيث تجذب أضواؤه وحوافزه أبرز اللاعبين والمدربين حول العالم. نجاح الـ«بريمييرليغ» اللافت استند إلى العديد من العناصر، أبرزها القوّة الاقتصاديّة لحقوق الدوري التلفزيونيّة منذ بداية التسعينيات، والتي سجّلت رقماً قياسياً في آخر الصفقات بلغ 6.3 مليارات دولار لمدة ثلاث سنوات بين عامَي 2022 و 2025، تبعاً لموقع «statista» المختص بالإحصاءات.
أرقام تفوق بأضعاف ما تحصّله مختلف الدوريات حول العالم، الأمر الذي يجعل الأندية هناك تعيش في بحبوحة مالية، وبالتالي تكون قادرة على شراء أفضل اللاعبين. ظهر ذلك جلياً خلال المواسم الماضية، وتبلور أكثر بعد أزمة كورونا. ففي وقتٍ أعادت فيه الأندية حول العالم جدولة ميزانياتها لتجنّب الإفلاس، استمر بذخ الإنكليز ضمن أسواق الانتقالات، دون اكتراث لتبعات التعاقد.
القوّة المالية عكسها «الميركاتو» الشتوي الماضي، حيث صرفت أندية الدوري الإنكليزي الممتاز 815 مليون جنيه إسترليني مقابل رسوم انتقالات اللاعبين بواقع 53% من الإنفاق العالمي، كأعلى نسبة على الإطلاق. كان تشيلسي أكبر الناشطين بعد صرفه قرابة الـ300 مليون جنيه استرليني على الصفقات. وبإحصائيةٍ «صادمة»، فاقت مصاريف «البلوز» وحدها ما أنفقته أندية الدوري الإسباني، الدوري الإيطالي، الدوري الألماني والدوري الفرنسي مجتمعةً، وهو عاد خلال السوق الصيفي الحالي وباع عدداً كبيراً من اللاعبين.
نفقات «مضخّمة»
«الإسراف» في نفقات الدوري الإنكليزي الممتاز ليس بالشيء الجديد. ومع ذلك، هناك مخاوف خارجية وداخلية حول فترتَي الانتقالات المنصرمتين إثر اتساع هوّة الإنفاق أكثر من أي وقتٍ مضى. هيمنة الأندية الإنكليزية على الميركاتو أخيراً أظهرت الاختلال المزمن في كرة القدم الأوروبية، وعزّزت العرف السائد في الأوساط الرياضية بأن الدوري الإنكليزي «كوكب» مختلف.
بعيداً عن ارتفاع صرخة المنافسين خارج حدود إنكلترا المندّدة بانعدام العدالة، تسود حالة من القلق حول الإنفاق الهائل بين أركان هيئة إدارة كرة القدم الإنكليزية نفسها، وما قد يُخلّفه من آثار سلبيّة على المدى البعيد. يُدرك القيّمون على الـ«بريمييرليغ» بأن الفجوة المالية جعلت الأندية غير الإنكليزية تضخّم أسعار لاعبيها بهدف تحصيل عوائد مضاعفة. أصبح هناك «هوس» في العثور على لاعب مميّز لتطويره وبيعه إلى الدوري الإنكليزي الممتاز بسعر كبير وتحقيق أرباح هائلة. هناك وعي في الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم أيضاً بأن إجراءات «بريكسيت» وما تبعها من فرض قوانين جديدة تطال حركة انتقال اللاعبين الأوروبيين والفئات العمرية إلى داخل المملكة، تساهم في زيادة نفقات الأندية. في هذا الإطار، حثَّ الرئيس التنفيذي للدوري الإنكليزي الممتاز، ريتشارد ماسترز، الحكومة البريطانيّة على تغيير قواعد الهجرة، مشيراً إلى أن شكلها الحالي يساهم في رفع رسوم الانتقالات من خلال تصعيب تعاقد الأندية الإنكليزية مع لاعبين أجانب، نتيجة عدم حصولهم بسهولة على إفادة العمل.
وضمن حديثه مع صحيفة «Financial Times»، قال ماسترز إن النظام الجديد الذي دخل حيز التنفيذ قبل عامين، قلل من قدرة فرق الدوري على توظيف المواهب الخارجية الأصغر سناً والأرخص، بحيث أصبحت القواعد مسؤولة جزئياً عن قيام الأندية بإطلاق فورة إنفاق غير مسبوقة، ما ساهم في تحقيق الرقم القياسي البالغ 815 مليون جنيه إسترليني خلال فترة الانتقالات الشتوية الأخيرة. ومن الشخصيات البارزة التي دعت أيضاً إلى تغيير القوانين، ظهر ريك باري، رئيس اتحاد كرة القدم الإنكليزي بأقسامه الاحترافية الثلاثة تحت المستوى الأعلى.
في المحصّلة، يُرجّح استمرار احتكار الدوري الإنكليزي لسوق الانتقالات، في ظل الزيادة المطردة لعائدات النقل التلفزيوني بمعدّل أعلى من المنافسين الأوروبيين في فرنسا وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا. ومع ذلك، يبقى القلق قائماً حول تبعات اتساع فجوة الصرف، ومدى تأثير «عوائق» بريكسيت على بنية الأندية الإنكليزية.
الاخبار