لا مغلفات سرية ولا كلمة سعودية – ايرانية – أميركية: الملف الرئاسي دخل في سبات عميق!
أنهى الموفد الفرنسي جان ايف لودريان جولته في لبنان a la francaise، نفس عميق، استماع، تحليل، أسئلة، افتراضات، تحذيرات ناعمة وتجميع…
قبل ثلاثة أيام فقط من وصوله الى بيروت كانت الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ليلاً الى باريس في طريق عودته الى الرياض آتياً من طهران واجتماعه مع خلية الاليزيه برنارد ايمييه وباتريك دوريل. فهل صعد الملف اللبناني درجة في سلم الأولويات؟ سؤال جال في أذهان المسؤولين اللبنانيين الذين تكهنوا بمستجد ما في هذا الحراك، حتى أن بعضهم غالى في التفاؤل الى حد التوقع أن الديبلوماسي الحاد سيخرج ورقة من جيبه ليتلوها على المسامع قائلاً: لقد اتفقنا مع المملكة على مبادرة وهذه هي خريطتها.
اما الواقعيون أو العارفون فكانوا على دراية بما كان في جيب لودريان وبالفعل لم يخطئوا، لأن البيان الذي صدر عنه بعد مغادرته لبنان كان شديد الوضوح ومعظم الطروح والنصائح التي تلاها على مسامع من التقاهم كانت تصب في الدعوة الى الحوار والتفاهم لا سيما بين الكتل المسيحية الكبيرة والثنائي الشيعي.
حتى الآن بحسب المعلومات لا الايراني ولا السعودي يعمل على تسوية ما رئاسية وحكومية للبنان، لكنهما بالتأكيد دعما التحرك الفرنسي وأعطياه دفعاً كبيراً وهذا بالفعل ما حمله بن فرحان من طهران الى باريس. وعنوان هذا الدفع الدعوة الى حوار باعتبار أن الحوار وحده يؤدي الى التفاهم على رئيس “عالبارد”، فالثنائي وبحسب ما تؤكد مصادره لـ “لبنان الكبير”، أول من يريد الحوار ليقول للطرف الآخر: تعالوا لنتفاهم ونحدد ماذا نريد من الرئيس، وهل المطلوب منه يستطيع مرشحنا سليمان فرنجية تنفيذه؟ واذا كان الجواب لا، فقولوا لنا وأقنعونا بمرشح غيره يستطيع أن ينفذ البرنامج المطلوب، اما فرض تحييده جانباً علينا كشرط للحوار فهذا غير منطقي لأن مبدأ الحوار يتناقض مع سياسة الاستبعاد.
وتذكر المصادر أن البطريرك نصر الله صفير سبق وجمع الأقطاب المسيحيين وقال لهم: من يستطيع الوصول منكم سيصبح ممثلاً للمسيحيين اما مباشرة أو عبر الحلفاء… في كل الأحوال سنسمع في الفترة المقبلة كلاماً كثيراً عن الحوار، وسيؤكد الجميع أنهم سيلبون الدعوة ولا أحد ضد الحوار لكن هل ستكون له نتائج؟ التجربة بالنسبة اليهم مع لبنان مريرة، فايمانويل ماكرون بذاته ومن موقعه وبمستوى علاقاته، خاض حواراً في الـ ٢٠٢٠ في قصر الصنوبر لتشكيل حكومة استحضر فيه كل الجهود والاتصالات والتحذيرات والخطابات والحنين واستعان بفيروز و”بحبك يا لبنان”… وفشل. وموفده الخاص الذي أدار أدق السياسات الديبلوماسية الخارجية لبلاده يعلم جيداً أنه سيصعب عليه إحداث خرق في المستنقع اللبناني.
حتى الآن تقول مصادر الثنائي لا مرشح جدي سوى فرنجية، فجهاد أزعور خاض معركة لم يكن يريدها وهذا الكلام قاله بلسانه لهم وكان يريد الانسحاب الا أنهم فوجئوا ببيان الترشيح الذي أصدره قبل جلسة الأربعاء، ثم برر الأمر بأنه يريد هذه التجربة لمرة واحدة لحسابات خاصة ولمعرفة مدى امكان حصوله على ٦٥ صوتاً ونجاح الرهان عليه، والمنطق يقول كونه موظفاً كبيراً في صندوق النقد أن لا يستمر في هذا التردد وفي هذه اللعبة المستنزفة، فوضعه لا يشبه وضع النائب والمرشح السابق ميشال معوض، وارتباطه بمؤسسة دولية يفرض عليه سلوكاً معيناً، فهل تتحمل هذه المؤسسة أن يخوض موظف أساسي لديها وبرتبة رفيعة معركة سياسية وأن يغيب عن منصبه وقتاً طويلاً؟ خصوصاً أن الثنائي أبلغه عشية جلسة ١٤ حزيران أنه لن يكون رئيساً لأنه لم يعد خياراً وسطياً، وأن الفريق الذي رشحه، وضعه في خانة رئيس التحدي، وزنّره بحزام ناسف وفخخه ليفجّر نفسه وسيفشل على المقلبين، يقضي على اسمه كمرشح ولا يصيب الهدف الذي زنّر من أجله، على الرغم من ذلك استمر في الترشيح.
و”قبة الباط” الأميركية لا تفسر ضوءاً أخضر أو دعماً لأن مرشح الأميركيين دائماً ودوماً هو قائد الجيش، وهم كانوا يفضلونه على رأس الحاكمية التي اقتربت منه كثيراً في الفترة الأخيرة ولم يكن ليصطدم بموانع داخلية لأن كل الفرقاء السياسيين في لبنان أعطوا موافقات ضمنية عليه باعتبار أن الكلمة تاريخياً لواشنطن في تسمية حكام البنوك المركزية في العالم لأن الأنظمة النقدية والمالية عندها. لكن هل ما كان أقصى طموحه يصلح الآن بعد أن دغدغته أحلام الرئاسة؟ وتكشف مصادر الثنائي أن ما أبلغه الى الموفد الرئاسي الفرنسي هو الاصرار على مرشحه سليمان فرنجية لكن ليس كمرشح تحدٍ، وأنه جاهز للحوار لتوضيح كل النقاط التي تدفعه الى التمسك بهذا الخيار. في النهاية من اخترع فكرة الرئيس القوي اكتشف أنه على خطأ، وأسباب فشل عهد الرئيس ميشال عون هو أنهم حمّلوه ما ليس من صلاحياته وقدرته، والقوي هو من يستطيع أن يجمع ويدير التوافق الوطني وهذه قوة صلاحياته وليس مصادرة الصلاحيات التنفيذية.
وعلم موقع “لبنان الكبير” أن الحديث عن أن هذا المجلس النيابي لن يستطيع انتخاب رئيس في ظل الفشل المسبق لأي حوار والبلوك الكبير الذي وضع أمام الملف الرئاسي والتعنت القاتل، وصل الى مسامع الفرنسيين الذين تراءى لهم فراغ طويل وأن كل جلسات الانتخاب ستبوء بالفشل، من هنا سأل لودريان كل من التقاهم عن رأيهم في سبل الخروج من هذا الانسداد؟ فتقاطع معظمهم عند فكرة الانتقال الى مرحلة جديدة وهي تخلي كل فريق عن مرشحه والتفكير في مرشح جديد توافقي، يعني عدنا الى نقطة الصفر ولا رئيس للبنان حتى اشعار آخر… الأمور معقدة جداً ولودريان سيضمّن تقريره الذي سيرفعه الى ماكرون اقتراحات وضع تصورها الأولي من فحوى اجتماعاته وسينطلق في مروحة اتصالات تقوده أولاً الى السعودية قبل أن يعود الشهر المقبل الى لبنان. ومن الآخر طالما أن لا اجتماع عمليات للجنة الخماسية ولا مغلفات سرية ولا كلمة سعودية – ايرانية – أميركية في الحل، سنبقى هكذا الى أن يكتمل التحلل الذي حذر منه لودريان. وعندما نسأل أحد المواكبين للتواصل والاتصالات عن الملف الرئاسي، يجيب: تمنوا له أن يصبح على خير لأنه دخل في سبات عميق.
ليندا مشلب- لبنان الكبير