بعد”طوي صفحة فرنجية”: أيّ أفق للتقاطع المسيحي؟
يتساءل الكثيرون حول كيفية اتجاه الإصطفافات السياسية ما بعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي عُقدت في 14 حزيران الجاري، والتي لم تُنتج رئيساً كما الجلسات السابقة، غير أنّها حدّدت الأرقام والأحجام، وإن كانت هذه الأخيرة تبقى “متحرّكة”.. وتأتي زيارة المبعوث الفرنسي الخاص الى لبنان جان إيف لودريان للإستماع الى جميع الأطراف السياسية، والإستطلاع ولدراسة نتائج الجلسة الـ 12 الأخيرة للإنتخاب، وإيجاد مقترحات للمخرج الممكن من الأزمة، وما يُمكن أن تقدّمه فرنسا من ضمن دول اللقاء الخماسي للبنان خلال المرحلة المقبلة. فزيارات لودريان ستتواصل الى لبنان الى حين التوصّل الى حلّ يُرضي جميع الأطراف ويُفضي الى انتخاب رئيس الجمهورية المنتظر.
تقول مصادر سياسية مطّلعة بأنّ زيارة لودريان التي لا تحمل جديداً، كشفت حتى الآن بأنّ “التقاطع” بين “التيّار الوطني الحرّ” و”القوات اللبنانية”، وقوى المعارضة الأخرى لا سيما “الكتائب اللبنانية” و”تجدّد”، سيستمرّ خلال المرحلة المقبلة، وإن لم يكن على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور. فرئيسا “الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل، و”القوّات” سمير جعجع، استنتجا بعد زيارة لودريان لكلّ منهما، إستنتاجاً واحداً مفاده أنّ “فرنسا طوت صفحة مرشّح “الثنائي الشيعي” الوزير السابق سليمان فرنجية”، رغم أنّ فرنجية نفسه لم يلحظ هذا الأمر بعد زيارة الموفد الفرنسي له، ورغم تكرار الموفد الفرنسي في العلن بأنّ بلاده لا تؤيّد لا فرنجية ولا سواه للرئاسة.
غير أنّ المبادرة الفرنسية أي معادلة “فرنجية- نوّاف سلام”، يعلم الجميع أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سبق وأن اقترحها وعَرَضها على عدد من المسؤولين في الخارج، وجرى نقلها عبر قنواته الديبلوماسية الى الداخل، وقد روّجت لانتخاب فرنجية من خلال المقايضة على وصول سلام الى رئاسة الحكومة. وهذه المبادرة لا تزال قائمة، وفق المصادر نفسها، وإن كان لودريان يأتي اليوم ليجمع الأفكار والمواقف ويرفع تقريره الى ماكرون ليُبنى على الشيء مقتضاه، في الإستمرار في المبادرة الفرنسية، أو التوجّه نحو معادلة أخرى في حال كانت جميع الأطراف السياسية موافِقة عليها.
أما الهدف أي “طوي صفحة فرنجية” الذي جعل “الوطني الحرّ” و”القوّات” المتخاصمين سياسياً، “يتقاطعا” على إسم مرشّح آخر لا يُمثّل أي من الحزبين، فكان فعلاً من أجل قطع الطريق على فرنجية، على ما شدّدت المصادر، كونهما أكبر كتلتين مسيحيتين، وعدد أصوات نوّابهما وازن ويُمكنه تغيير نتيجة أي مرشّح. غير أنّ “طوي صفحة فرنجية” لا بدّ وأن تُقابلها “طوي صفحة أزعور”، ما يجعل “التقاطع” يتطلّب الذهاب الى “الخطة ب” التي لم توضع قبلاً، بهدف التوافق على إسم مرشّح جديد، توافق عليه بقية القوى المعارضة، لا سيما النوّاب التغييريين الذين لم يقتنعوا بغالبيتهم التصويت لأزعور، وكان بعضهم “مرغماً” على انتخابه.
لهذا فإنّ “التقاطع” الذي سيُستكمل بين “الوطني الحرّ” و”القوّات” عن طريق “الكتائب”، فليس بالضرورة أن يتمسّك بإسم ازعور، على ما أوضحت، سيما وأنّه تمّت تجربة إسمه في جلسة الإنتخاب الـ 12، ولم يتمكّن من تحصيل سوى 59 صوتاً، رغم الحملة التي شُنّت لرفع عدد أصواته. وقد لا يعيد الحزبان الكرّة، بسبب بعض أصوات التغييريين الذين انتخبوا أزعور حفاظاً على ماء الوجه، ولن يُكرّروا هذا الأمر في الجلسات المقبلة، جانب أصوات “اللقاء الديموقراطي” الـ 8 الذي أعلن أنّه لن يقترع لأزعور سوى لمرة واحدة. وهذا يعني بأنّه بات على الكتل المسيحية التفتيش من جديد على إسم آخر “تتقاطع” عليه، يُمكنه تحصيل 65 صوتاً من أصل 128 في أي جلسة إنتخابية مقبلة.
من هنا، فإنّ قوى المعارضة ستُعيد حساباتها وستُواصل محادثاتها، على ما تابعت المصادر، لا سيما بعد زيارة لودريان لتقديم إسم آخر يُمكنه أن يجمع عدد أكبر من أصوات النوّاب حوله. وحتى إن كانت “الثقة مفقودة” نوعاً ما، من قبل باسيل وجعجع تجاه بعضهما البعض، إلّا أنّهما سيمضيان بالبحث عن هذا الإسم لتقديمه الى فرنسا، والى دول اللقاء الخماسي، التي بإمكانها تسريع انتخاب الرئيس في حال قرّرت مدّ يدّ المساعدة.
دوللي بشعلاني- الديار