لبنان يستنفر دبلوماسييه لتقليم أظافر “يونيفيل”

مستبقاً الاجتماع الدوري لمجلس الأمن المخصص للتجديد للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان، أغسطس (آب) المقبل، يكثف وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب لقاءاته بهدف إلغاء الفقرة المعدلة منذ العام الماضي التي منحت “يونيفيل” حرية الحركة غير المشروطة، وسمحت لها بالقيام بعمليات تفتيش ودوريات ضمن منطقة عملها، من دون حاجة إلى إذن مسبق من الجيش اللبناني.

يسعى بو حبيب – وفق مصادر لبنانية مقربة من الوزير – إلى العودة إلى النص المعمول به منذ عام 2006، أو إلى طريقة العمل السابقة التي كانت تحصل بالتنسيق الدائم بين “يونيفيل” والجيش اللبناني، بهدف أساسي هو الحفاظ على القوات الدولية من جهة وتأمين الهدوء والاستقرار في الجنوب من جهة أخرى.

والفقرة المعدلة في قرار مجلس الأمن لعام 2022 قوبلت باعتراض شديد وقتها من ميليشيات “حزب الله” اللبناني، إذ اعتبر أمينها العام حسن نصرالله القرار بأنه “اعتداء وتجاوز للسيادة اللبنانية”.

وذهب نصرالله إلى أبعد من ذلك بقوله إن قرار مجلس الأمن الخاص بالقوات الدولية في الجنوب اللبناني “فخ ينصبه الإسرائيليون للبنان منذ سنوات طوال”، واصفاً القرار بأنه “مشبوه” و”يفتح الباب أمام مخاطر كبيرة في منطقة جنوب الليطاني”.

وربط كثيرون “المخاطر” التي حذرت منها ميليشيات حزب الله بحادثة قتل الجندي الإيرلندي في العاقبية التي وقعت بعد أربعة أشهر على تعديل قرار مجلس الأمن، والتي أدانها “حزب الله” ووصفها بغير المدبرة، نافياً علاقته بها. لكن القرار الاتهامي الصادر عن قاضي التحقيق العسكري الأول بالإنابة فادي صوان، شمل خمسة لبنانيين من المنتمين للميليشيات، أحدهم موقوف لدى السلطات وأربعة متوارين، بالقتل عمداً.

التحقيقات نفسها أفادت بأن تسجيلات أظهرت بالصوت والصورة لكاميرات مراقبة ضبطت في محيط موقع الاعتداء، بشكل واضح محاصرة الدورية المعتدى عليها من كل الجهات، ومهاجمتها من مسلحين، وسماع بعضهم يقول “نحن من حزب الله”، وينادون بعضهم عبر الأجهزة اللاسلكية.

تفويض “يونيفيل”

استغرب كثيرون الضجة التي يحاول وزير الخارجية اللبناني إثارتها، مستقبلاً تارة سفيرة فرنسا لدى بيروت وتارة أخرى السفير الروسي، بهدف العودة عن قرار لم يعدل بالأصل كما يقولون. وقالت مصادر دبلوماسية في نيويورك لـ”اندبندنت عربية” إنه في اجتماع مجلس الأمن عام 2022، لم يحصل تعديل أو تغيير بمهمة “يونيفيل” إنما جرى تذكير بصلاحياتها وقدرتها على التحرك بحرية لتنفيذ عملها، وفقاً للتفويض المعطى لها في القرار الدولي رقم 1701 وفي الاتفاقية الموقعة مع لبنان.

وكان قرار مجلس الأمن تضمن أيضاً إدانة لما وصفه بـ”تقييد حرية تنقل أفراد يونيفيل، ولجميع أعمال المضايقة والترهيب”، مجدداً تمسكه بأن “لا تمنع أعمال الترهيب قوات الأمم المتحدة من تنفيذ ولايتها وفقاً لقرار مجلس الأمن 1701”.

ليس هذا فحسب بل أعاد المجلس التذكير “باحترام التفويض المنفصل والداعم الذي تعمل بموجبه مجموعة المراقبين في لبنان”. وأتى القرار بعد سلسلة اعتداءات طاولت القوات الدولية في أكثر من قرية جنوبية تحت مسمى “الأهالي”، في محاولة لتقويض عملها.

ويرفض الناطق الرسمي باسم القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان، أندريا تينينتي، التعليق على المحادثات الدائرة في شأن قرار التجديد لعمل “يونيفيل”. وقال في تصريح خاص، إن تفويض القوات الدولية هو قرار خاص بمجلس الأمن ولا رأي للقوات الدولية في المناقشة الدائرة حول كيفية تنفيذ عملها.

وأضاف “لكن بغض النظر عن مناقشة التجديد لليونيفيل فإن القرار الأساسي رقم 1701 واتفاق وضع القوات الدولية الموقع مع الدولة اللبنانية يضمنان حرية الحركة للقوات الدولية”.

تينينتي ذكر أن “يونيفيل” تجري منذ عام 2006 بدوريات مستقلة مع الجيش اللبناني أو من دونه، موضحاً أن الأمر لم يتغير العام الماضي، إذ تنفذ القوات الدولية يومياً أكثر من 450 دورية، وأن 20 في المئة منها فقط تحصل بمؤازرة الجيش، ما يدفع إلى التساؤل لماذا هذه الضجة إذاً؟

سياسة لبنان أم الميليشيات؟

مصدر مقرب من وزير الخارجية اللبناني تحدث عن أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي طلب من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، خلال الاجتماع الأخير بينهما، أن يعود مجلس الأمن إلى النص القديم المتعلق بعمل القوات الدولية في جنوب لبنان، لما في ذلك من مصلحة بلاده وبعد أن أثبتت هذه السياسة كما يقول المصدر نجاحها في الحفاظ على الهدوء والاستقرار في الجنوب.

ووفقاً للمصدر نفسه فإن وزير الخارجية اللبناني ينفذ سياسة الحكومة ولا يأخذ تعليماته من ميليشيات “حزب الله”، وذلك رداً على اتهام بو حبيب بتنفيذ مطالب الميليشيات باعتبارها المعترض الأول على الحركة غير المشروطة لـ”يونيفيل” في الجنوب.

وعندما زار وزير الخارجية اللبناني الولايات المتحدة، منذ شهر، أعطى تعليماته إلى البعثات الدبلوماسية اللبنانية في كل من واشنطن ونيويورك بمتابعة قرار التجديد للقوات الدولية في أغسطس المقبل، والعمل على إلغاء الفقرة الخاصة بحق تنفيذ مهام من دون إخطار الجيش اللبناني، والعودة إلى النص المعتمد عام 2021.

المصدر المقرب من بو حبيب أوضح أيضاً أن التواصل حصل مع فرنسا باعتبارها “حامل القلم” للنص حالياً، ومطلب لبنان هو في عدم تغيير قواعد اللعبة والاستمرار بالعمل على قاعدة التنسيق الدائم بين القوات الدولية والجيش اللبناني، تجنباً لأي سوء تفاهم قد يحصل، و”لأننا متمسكون بيونيفيل وبالقرار الدولي 1701 الضمان الوحيد لنا خصوصاً بعد إنجاز الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل”.

“أخضر بلا حدود”

يدرك وزير الخارجية اللبناني أن ما يكتب في مجلس الأمن يصبح من الصعوبة في مكان تغييره، لكن ذلك لا يعني عدم المحاولة. هنا يستبعد مصدر دبلوماسي في نيويورك أن يوافق مجلس الأمن على العودة إلى ما قبل النص الذي اعتمد عام 2022.

المصدر الدبلوماسي قال إنه لا عودة إلى النص السابق لا بل قد يتضمن القرار بحسب رأيه توسيعاً في مهام “يونيفيل”، موضحاً أن الولايات المتحدة وكذلك فرنسا لن تقبلان بأي تعديل جديد. وذكر أن واشنطن متشددة في هذا الاتجاه خصوصاً أنها باتت تعتبر أن جمعية “أخضر بلا حدود” التابعة لميليشيات “حزب الله”، أصبحت موضع قلق لدى المجتمع الدولي من خلال تمددها في المناطق الجنوبية بحجة الحفاظ على البيئة وبناء مستوعبات، ما يعوق عمل القوات الدولية.

ونوه إلى أن التوازن الوحيد مع الموقف الأميركي المتشدد والأوروبي يمكن أن يؤمن بواسطة الصين وروسيا، لكنه يرى صعوبة في ذلك، خصوصاً أن موسكو لم تنس بعد مضمون البيان الذي صدر عن وزارة الخارجية اللبنانية والذي اعتمد عبارة الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية.

وأبدت مصادر في الخارجية الأميركية تعجبها من الحراك اللبناني الذي يهدف كما تقول للحد من حرية حركة القوات الدولية في وقت توسع ميليشيات “حزب الله” انتشارها على الحدود من خلال جمعية “أخضر بلا حدود” فيما لم يصدر أي تعليق رسمي على الاستعراض العسكري المسلح الذي نفذه في الجنوب.

اندبندنت

مقالات ذات صلة