عاليه تجتهد لاستعادة موسم سياحي واعد وانطلاقة مبشّرة
لم تشهد مناطق الاصطياف اللبناني واقعاً صعباً كالذي عاشته في السنوات الأربع الماضية. ومع ذلك، وبعد موجة كورونا ورغم تفاقم الأزمة اللبنانية، نجحت بعض المناطق اللبنانية كالبترون وجبيل باستعادة نبضها السياحي في الصيف الماضي، وتستمر هذه السنة في نجاحها متخطية التحديات المتنوعة.
هذا النجاح غاب عن عدد آخر من مناطق الاصطياف، خصوصاً في عاليه والجوار، حتى وصف بعض أهلها سنواتهم الماضية بـ”الكارثية.”
اليوم يبدو الوضع مبشّراً. فالتجوّل في شوارع عاليه يختلف راهناً عمّا كان عليه في السنوات الماضية. عادت الحياة والأضواء إلى شوارع المدينة، وتنتشر الإعلانات في كل مكان عن منشآت سياحية جديدة أو لتلك التي قررت العودة عن قرار إقفالها. يراهن الأهالي على الموسم السياحي، وقرّر بعضهم التطوّع لتنظيم الحركة السياحية خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
مصيف الفرنسيين ثم الخليجيين
تاريخياً، اكتسبت عاليه أهميّتها السياحية منذ العام 1895، بسبب موقعها الاستراتيجي بالقرب من خط سكّة الحديد الذي ربط بيروت بدمشق. خلال فترة الانتداب الفرنسي، اعتمد المندوب السامي على لبنان وسوريا، الجنرال هنري غورو عاليه مصيفاً له ولدائرته. كما عمد الأثرياء إلى بناء القصور في البلدة للاصطياف فيها، إلى جانب رجال الاستقلال بشارة الخوري ورياض الصلح.
لاحقاً، وفي زمن الفورة النفطية في الخليج تحولت “عروس المصايف” إلى مقصدٍ للسيّاح العرب عموما، والخليجيين خصوصاً. فالبلدة التي ترتفع عن سطح البحر نحو 850 متراً، وطقسها استثنائي البرودة والجمال، تبعد عن بيروت حوالي 16 كلم فقط.
تملّك بعض اهل الخليج العقارات في عاليه والجوار وكانوا يقصدونها في خلال الصيف والاعياد ألا أن الأمور تغيّرت تدريجيا بسب الظروف السياسية والامنية، حتى هجر كثيرون منهم منازلهم وتركوا وكلاء لهم يتابعون شؤونها.
والتزم بعض السياح الخليجيين، ، قرار بلادهم بمقاطعة لبنان فضاعف ذلك من أزمات عدد من المطاعم والفنادق التي لم يتحمّل أصحابها النفقات التشغيلية المرتفعة، فاقفلوا محالهم.
لم يقتصر واقع العام الماضي على عاليه وحدها، بل شمل بحمدون وصوفر والمناطق المجاورة التي طالما قصدها الخليجيون بشكل خاص، اضافة إلى السياحة الداخلية التي تعذّرت على اللبنانيين في السنوات السابقة نتيجة استفحال الأزمة المعيشية وانهيار العملة الوطنية.
بلدية عاليه:جاهزون لموسم واعد
تراهن بلدية عاليه على الموسم الصيفي الحالي، علّه يساعد في تعويض الخسائر التي تكبدّها العاملون في القطاع خلال السنوات الماضية. عمدت البلدية إلى تسخير إمكانياتها لمساعدة أصحاب المنشآت الجديدة وتسهيل عملهم، مع تنظيم فعاليات ترفيهية تحضيراً لانطلاق الموسم بداية الشهر المقبل.
“نعمل منذ سنة على تسيير شؤون المدينة من خلال تنظيفها وإنهاء المشاريع الترميمية، لإعلان الجهوزية التامة لاستقبال الزوّار”، يقول رئيس بلدية عاليه وجدي مراد لـ”المدن”. كما تعمل البلدية على حفظ الأمن من خلال عناصر الشرطة منعاً للسرقات أو أي أعمال قد تسبب القلق للسياح. وبحسب مراد، “يتم التعاون مع النوادي والمؤسسات، بالإضافة للندوات التي تساهم في إشراك الطلاب والطاقات الشبابية بالموسم الصيفي”.
في الأسبوعين الماضيين، قررت أكثر من 11 منشأة سياحية جديدة خوض التجربة السياحية الصيفية في عاليه. ويلفت مراد إلى أنّ البلدية تتعاون مع وزارة السياحة رغم محدودية إمكانياتها، ويتوقع عودة كافة المنشآت المقفلة إلى “الحياة” بحلول صيف 2024 .
“بوادر خير”
يتوقف مالك “نادي عاليه للفروسية”، خالد شهيّب، على صعوبة المواسم الماضية التي انعدمت خلالها الحركة تقريباً. فخلال صيف 2020، أقفل النادي نتيجة كورونا، ليشهد من بعدها حركة خجولة أجبرته على إقفال المطعم وتخفيض عدد الموظفين من 65 (عام 2018) إلى 11 في الصيف الماضي. وحسب شهيّب، “شكلت النفقات، خصوصاً المتعلقة بالخيول، عبئاً ثقيلاً مع تفاوت الأسعار نتيجة طمع التجار وغياب الرقابة”.
لكن شهيّب يلمس “بوادر خير” تتمثّل بحركة لافتة من المغتربين، إلى جانب نشاط السياحة الداخلية. وفي حديثه مع “المدن”، يشير إلى توافد عدد مقبول من السياح العراقيين والمصريين. لذلك، رفع النادي عدد موظفيه إلى 22 مع إمكانية تزايد هذا العدد إلى الـ30 موظفاً.
عاليه نموذج مصغّر عن كثير من قرى الاصطياف اللبنانية ورهانات اهلها المفتوحة على صيف واعد بالسياحة والسهر واستعادة حياة طبيعية هانئة في بلد لا شيء من واقعه ووقائعه السياسية والإقتصادية يوحي بالهناء و”الطبيعية”…الّا ربما إرادة أبنائه.
المدن