“ثنائي معراب” القوتان المسيحيتان الكبريان…أكثر من يضرب موقع الرئاسة!
لطالما وصف لبنان بطائر الفينيق، لأنه يستطيع النهوض بعد الموت، ولكنه اليوم يشبه السلحفاة أكثر، فهو مستمر في الحياة على الرغم من عدم وجود رأس، وهذه ميزة بيولوجية لدى السلحفاة التي تستطيع البقاء على قيد الحياة لمدة حتى لو قطع رأسها.
يبشر المطلعون على زيارة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان بأنه سيعود بعد شهر، وفقاً لمبدأ أنه في لبنان اليوم كمستمع ليكتب تقريراً، ولكن هذا الكلام يعني أن الاستحقاق الرئاسي مؤجل أقله إلى شهر للأمام، في ظل عدم وجود أي بوادر اتفاق داخلي. ويمكن القول انه بعد الجلسة الأخيرة للحكومة والتي سبقتها جلسة تشريعية لمجلس النواب أن البلد يسير من دون رئيس جمهورية، حتى لو بصورة غير كاملة، وهذا الأمر يحصل منذ 8 أشهر، على الرغم من اعتراض الحزبين المسيحيين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، وإن استمر الفراغ في الرئاسة الأولى لا يمكن للبلد أن يتوقف، تحديداً أن سبب الفراغ هو رفض التوافق بين القوى السياسية وليس هناك أي مبرر له.
منذ أكثر من 100 عام أعلن لبنان الكبير، وكانت فكرة الاستعمار آنذاك أن يكون هناك بلد تحكمه الأقلية المسيحية في ظل أكثرية مسلمة في المنطقة ككل، وكانت صلاحيات رئيس الجمهورية أشبه بنظام رئاسي علماً أن نوع السلطة فيه برلمانية، وهذا الأمر تسبب لاحقاً بعدة أزمات وخلافات أوصلت البلد في النهاية إلى حرب أهلية، انتهت باتفاق الطائف، الذي انتزع صفات النظام الرئاسي من رئيس الجمهورية ووضع أسس النظام البرلماني الذي نعيشه اليوم، إلا أن القوى المسيحية شعرت حينها بالغبن، واعتبرت أن الطائف ضرب صلاحيات الموقع الماروني الأول لصالح باقي المكونات، ما أدى إلى تمرد ميشال عون وسمير جعجع على الاتفاق، وكانت نتائج التمرد هروب عون إلى فرنسا، ودخول جعجع إلى السجن. هذا الأمر أوصل إلى تضعضع الحالة المسيحية، فأخذت بكركي على عاتقها أن تمثل المسيحيين، والتاريخ يشهد كم كان دور للبطريرك الماروني الراحل نصر الله صفير كبيراً، بالوقوف سداً منيعاً ضد كل ما يعتبره ضرباً إضافياً للمسيحيين، حتى لو كانت طروح مثل إلغاء الوكالات الحصرية أو الزواج المدني وما شابه ذلك وإن بنية حسنة لبناء الدولة، خوفاً من ذوبان الحالة المسيحية، وقد تفهم قادة المكونات القلق المسيحي وحاولوا قدر الامكان تطمينها، وكان للرئيس الشهيد رفيق الحريري الكلمة الشهيرة “وقفنا العد”.
خلال هذه الفترة مرّ على لبنان رئيسا جمهورية، الياس الهراوي واميل لحود، ومن أجل إرضاء بكركي حرصت باقي المكونات على موقع رئاسة الجمهورية، بل إنها كانت تعطي الرئيس في حينه مقعدين أو ثلاثة مقاعد في مجلس الوزراء من أجل أن تسميتها كدلالة على الحرص على الموقع الماروني الأول وإعطاء إشارات إيجابية للمسيحيين. واستمر هذا الأمر حتى اغتيال الرئيس الحريري عام 2005 وانقلب البلد رأساً على عقب، وغادر لحود بعد انتهاء ولايته الممدة عام 2007، فدخل لبنان في فراغ رئاسي لم ينتهِ إلا بعد أحداث 7 أيار والوصول إلى اتفاق الدوحة، وانتخاب ميشال سليمان رئيساً للجمهورية والذي سلم ولايته للفراغ أيضاً. وبدأت معركة إيصال “المسيحي القوي” ميشال عون الى الرئاسة، حتى حصل ذلك بعد فراغ سنتين، وقبل نهاية العهد كانت كل الدلائل تشير إلى أنه يستحيل انتخاب رئيس للجمهورية وسيسلم عون الفراغ أيضاً، وهذا ما حصل ووصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.
القوتان المسيحيتان الكبريان ترفضان اليوم تخطيهما، وتريدان أن يكون الرئيس عبر دعم أحد منهما، ولكنهما في الوقت نفسه ترفضان الحوار حتى في ما بينهما، وليس مع باقي الأطراف وحسب، وقد تقاطعتا على اسم تعلمان أنه لا يمكن أن يصل الى الرئاسة وأن كل الهدف من ترشيحه هو قطع الطريق على مرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية، وخلال هذا الأخذ والرد، لا يمكن أن يشل البلد كلياً، ولا بد من تسيير أعمال الدولة، ولذلك هما تقومان بطريقة غير مباشرة بضرب الموقع المسيحي بصورة لم تحصل حتى في عز تضعضع المسيحيين بعد الطائف، فلن تقبل بقية المكونات في البلد بأن تشل المؤسسات والقطاعات حتى يرضى ثنائي اتفاق معراب، وحتى أن بعض المسيحيين الذين يدورون في فلكهما توقفوا عن التعطيل، إن كان في مجلس الوزراء أو في مجلس النواب من أجل تسيير أمور الناس، ولذلك يمكن القول إن البلد أصبح يسير من دون رئيسه، أي من دون رأسه وهو بذلك يشبه السلحفاة، التي يمكنها البقاء على قيد الحياة حوالي 6 أشهر من دون رأسها، فكم سيبقى لبنان حياً من دون رئيس؟
محمد شمس الدين- لبنان الكبير