بمواكبة فرنسية – إيرانية: هل يأتي الترياق من… الرياض؟

كما كان متوقعاً لم تسفر الجلسة الـ 12 لانتخاب الرئيس عن حل، بإستثناء تبيان ميزان القوى في المجلس – ولو مؤقتاً – الذي أظهر معارضة 77 نائباً لخيارات “حزب الله” في إنتخاب الرئيس، وهو ما يؤشر الى أبعد من ذلك من معارضة لطريقة إدارة البلد وصولاً الى الخيار الاستراتيجي للحزب المتمثل بالممانعة، وذلك على الرغم من إحتفال الحزب وأنصاره ومؤيديه بالأصوات الـ 51 التي أيدت سليمان فرنجية، بحيث إعتبرها البعض نصراً إنطلاقاً من أنها أصوات ثابتة لن تتغير أو تتأثر بعدد الجلسات، وهو ما يعكس نظرة جانبية للأمور وغير منطقية عندما يتم تجاهل أن 77 صوتاً عارضت هذا الخيار مع عدم تكتلها في بلوك واحد، في حين أن الحزب وأنصاره كانوا يتباهون بالـ 74 نائباً الذين حصلوا عليهم في إنتخابات العام 2018، وكلنا يذكر تصريحات قاسم سليماني وقتها في هذا الخصوص. وهذا الأمر ينطبق أيضاً على بعض أنصار الثنائي الماروني الذي إحتفى ببلوغ جهاد أزعور عتبة الستين صوتاً، ليعتبرها هو الآخر من علامات النصر على الرغم من عدم حصوله على النصف زائد واحد.

هذه البروباغندا من جانب أنصار الثنائي الشيعي التي لا تكف عن إعتبار كل ما يأتي به هذا الثنائي هو إنتصار، لم تستطع أن تخفي تخوف قادته من نتيجة الجلسة التي كانت على مسافة خمسة أو ستة أصوات من تنصيب الرئيس لو أن الأمور سارت على ما يرام، أو كما كان يجب أن تكون، لولا تطيير النصاب عن سابق تصور وتصميم حتى قبل أن يبدأ فرز الأصوات، التي ضاع أو “ضُيِّع” منها صوت كي لا يطأ أزعور ربما عتبة الستين. هذا التخوف الذي تجلى بداية بـ “حديث المؤامرة” التي كانت ستُمرّر فيما لو أن أزعور تمكن من حصد 65 صوتاً، وتالياً برمي كرة “الانتخابات النيابية المبكرة” في بازار السجال السياسي، وذلك على لسان نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب في خطوة مفاجئة خصوصاً وأن بو صعب كان عرَّاب التمديد للبلديات عبر تأجيل الانتخابات بداعي عدم الجهوزية، وفي رسالة قد تكون تدخل في خانة “كلمة الحق” التي يراد بها المزيد من التعطيل لانتخابات الرئاسة، أو رسالة متعددة الأطراف والأهداف تبدأ بالتهويل على جبران باسيل بسحب النواب – الودائع منه، ولا تنتهي بالتلويح للبعض من التغييريين والمستقلين بمنازلة جديدة قد تطيح ببعضهم جراء خيبة أمل الناس بهم وبممارستهم النيابية والسياسية التي لم تغيِّر شيئاً في المشهد السياسي ما جعلها أقرب إلى الفشل، فضلاً عن أنها قد تكون رسالة للخارج ربما تُشكِّل في نظر من أوحى بها مخرجاً مقبولاً، كونها تبدو في الظاهر دعوة “ديموقراطية” بينما هي في الواقع محاولة “مكشوفة” لإبعاد شبهة التعطيل عن البعض، خصوصاً وأن ما بعد الجلسة حفل بالتطورات والاتصالات الإقليمية والدولية التي كانت “واسطة العقد” فيها المملكة العربية السعودية، التي بدت وكأن كلاً من فرنسا وإيران تخطبان ودها ما أوحى بأنها هي من يملك مفتاح الحل لأزمة إنتخاب الرئيس اللبناني، وذلك عبر زيارة ولي العهد محمد بن سلمان إلى فرنسا والحفاوة اللافتة التي قوبل بها، والإلتقاء بالرئيس ايمانويل ماكرون الذي كان قد استبق الزيارة بتعيين مبعوث جديد خاص للبنان هو وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان، بما عُرِف عنه من إزدراء للطبقة السياسية اللبنانية وألاعيبها المكشوفة، كذلك زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى العاصمة الايرانية طهران، بُعيد إعادة العلاقات الديبلوماسية بين الجانبين تنفيذاً لبنود الاتفاق السعودي – الإيراني، من دون أن يُعرف – حتى الآن على الأقل – ما إذا كانت الأزمة اللبنانية بتعقيداتها على رأس أولويات طاولة المحادثات، أو أن المحادثات قد مرت عليها مرور الكرام سواء في باريس أو طهران، وهو ما يعكس تحفظ الديبلوماسية السعودية في مقاربتها الموضوع اللبناني.

وكما في الخارج كذلك في الداخل اللبناني حيث الديناميكية السعودية تتجلى بتحركات السفير السعودي وليد بخاري وجمعه السفراء العرب والأجانب على مائدة إفطار، وبينهم هذه المرة السفير الايراني والقائم بالأعمال السوري ما يعكس دور المملكة الجامع وحرية حركتها مع كل الأطراف، على أمل أن تتكشف بعض الأمور في الأيام القليلة المقبلة مع زيارة المبعوث الفرنسي الجديد لودريان إلى بيروت، وجولته على المعنيين وسلسلة لقاءاته مع الفعاليات السياسية والنيابية لاطلاعهم على فحوى المحادثات مع السعودية ليُبنى على الشيء مقتضاه.

فهل ستنجح باريس وطهران في إقناع السعودية هذه المرة بالتدخل “الإيجابي” ليأتي الترياق من الرياض بمواكبة فرنسية – إيرانية؟ أم أن السعودية ستبقى على تحفظاتها وثباتها على عدم التدخل في الشؤون اللبنانية، مع تأييدها وتشجيعها لمقاربات جديدة للممارسة السياسية في لبنان، تاركة اللبنانيين كي يقلعوا شوكهم بأيديهم علَّ جروح الشوك تدفعهم للعودة إلى جادة الصواب، والتراجع خطوة إلى الوراء في سبيل الوصول إلى حل يحفظ للبنان ما تبقى من سيادة ويوقف مسار الانهيار؟ أسئلة لا يمكن لأحد الجزم أو حتى التنبؤ بأجوبتها باستثناء الجانب السعودي نفسه، فهل يفعلها عما قريب ويقطع الشك باليقين؟

ياسين شبلي- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة