هل تملك السعودية أوراق التأثير الإيجابي بالنزاع الروسي الأوكراني والدفع باتجاه إنهاء الحرب؟
يقوم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان منذ الأربعاء بزيارة رسمية إلى باريس، تستمر ثمانية أيام، يناقش خلالها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مجموعة من الملفات، أبرزها الحرب في أوكرانيا “وتداعياتها على سائر دول العالم”. ويحاول الإليزيه تنشيط الدور السعودي للدفع باتجاه وقف النزاع. فما هي الأوراق التي تملكها الرياض للتأثير إيجابا في هذه الأزمة والمساعدة على إنهائها؟
تحظى الزيارة التي يقوم بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى باريس منذ الأربعاء، والتي تمتد لثمانية أيام، باهتمام خاص من طرف المراقبين في فرنسا وخارجها، بحكم الدور الذي ممكن أن تلعبه الرياض على مستوى أكثر من ملف سواء بالمنطقة أو العالم، لعل أبرزها الأزمة الأوكرانية.
ويحتل النزاع صدارة اهتمام الإليزيه خارجيا، واستخدم الرئيس الفرنسي العديد من الأوراق في محاولة لوقف الحرب، لكن حتى الآن لم تكلل هذه الجهود بنتيجة. ويراهن سيد الإليزيه اليوم على الدور الذي من الممكن أن تلعبه الدول التي اختارت الحياد منذ بداية النزاع، كالسعودية، بالضغط على موسكو لسحب قواتها من أوكرانيا.
وفي أيار/مايو، وضع ماكرون طائرة فرنسية بخدمة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي، أقلته إلى مدينة جدة السعودية لحضور القمة العربية، ثم إلى اليابان للمشاركة في قمة مجموعة السبع التي حضرتها أيضا البرازيل والهند اللتان تنتميان إلى مجموعة الدول الناشئة. ورأى الرئيس الفرنسي وقتها أن زيارة زيلينسكي لجدة سمحت “بالحصول على دعم واضح جدا من السعودية وقوى كبرى أخرى في المنطقة”.
وأشار الديوان الملكي السعودي في بيان، نُشر فجر الأربعاء، بأن الهدف من الزيارة هو المشاركة في قمة “من أجل ميثاق مالي عالمي جديد” المنظمة في باريس في 22 و23 يونيو/حزيران، وحضور حفل استقبال السعودية الرسمي لترشح الرياض لاستضافة “إكسبو 2030” المقرر عقده بالعاصمة الفرنسية في 19 من الشهر الجاري، فيما أوضحت الرئاسة الفرنسية أن الزعيمين سيتناولان “خصوصا الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على سائر دول العالم” إلى جانب الملف اللبناني واليمني ثم إيران.
بن سلمان و”براغماتية” باريس
يبدو أن ولي العهد السعودي تجاوز مرحلة الأمير “المنبوذ” في الغرب على خلفية الاتهامات التي وجهت إليه في قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي. ففي تموز/يوليو الماضي قام الحاكم الفعلي اليوم للسعودية بزيارة إلى باريس، التقى خلالها ماكرون في خضم ارتفاع أسعار الطاقة على خلفية الحرب في أوكرانيا.
وأثارت الزيارة حينها انتقادات كثيرة في فرنسا، عبرت عنها منظمات حقوقية ومعارضين يساريين، اتهموا ماكرون بالتضحية بحقوق الإنسان لصالح “البراغماتية” إزاء ارتفاع أسعار الطاقة. وكان تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية خلُص إلى أن ولي العهد “أجاز” عملية قتل الصحافي جمال خاشقجي، لكن الرياض تنفي ذلك بشدة، وتشير إلى ضلوع عناصر مارقين في الجريمة البشعة.
ورغم الإصلاحات التي قام بها في بلاده، سواء بخصوص النساء أو الفن أو الرياضة، يتعرض ولي العهد لانتقادات هنا وهناك بسبب ما تصفه المنظمات الحقوقية، بـ”حملة قمع” لناشطين ومعارضين حتى من قلب العائلة الحاكمة.
واستفاد بن سلمان كثيرا من الوضع الدولي الحالي خاصة في علاقته مع الغرب، الذي يمارس اليوم، وفق مراقبين، “سياسة واقعية” مع السعودية، لا تولي اهتماما ملحوظا للقضايا الحقوقية، للتأثير في السياسة النفطية للمملكة وإمكانيات استخدام علاقاتها مع روسيا وثقلها الاقتصادي في وقف المعارك بأوكرانيا.
ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022 وما تسبب فيه من ارتفاع في أسعار الطاقة، يسعى الغرب لإقناع بن سلمان بالزيادة في إنتاج الذهب الأسود، لتخفيف الضغط عن الأسواق، ما يطرح تساؤلات في بعض الأحيان حول الدور الحقيقي الذي يمكن للمملكة أن تقوم به للمساعدة في التخفيف من تداعيات النزاع والدفع باتجاه إنهائه.
كيف يمكن أن تساهم السعودية في إخماد النزاع الأوكراني؟
بالنسبة للباحث السعودي في الشؤون الاستراتيجية والأمنية الدكتور السعودي فواز بن كاسب، “السعودية ستلعب دورا متوقعا منها لاسيما أنه تنامى ليس على المستوى الإقليمي بل على مستوى العالم. المملكة هي لاعب رئيسي وأساسي أصبح له تأثير على مسارح العالم سواء بالجانب الاقتصادي أو الاجتماعي. وهي قوة اقتصادية انطلاقا من دورها في سوق النفط، الذي يعتبر أداة من أدوات الضغط على الجانب الروسي والغربي ممثلا في الولايات المتحدة وحلف الناتو”.
ويواصل الباحث السعودي أن “السعودية تملك القدرة والإرادة”، للقيام بجهود تجاه إخماد نيران الملف الأوكراني، “وهناك أيضا مصلحة تتمثل في الاستقرار العالمي والازدهار والتعايش إيجابيا…وهي لم تبد أي انحياز لطرف على حساب طرف منذ بداية الأزمة”، مشيرا إلى أنها “قامت بوساطة دبلوماسية لتبادل الأسرى بين الأوكرانيين والروس، وما تقوم به اليوم من دعم للاقتصاد الأوكراني للمحافظة عليه، لأن هذا البلد يعتبر إحدى المصادر الرئيسية في ضمان الأمن الغذائي العربي، وفي حالة انهياره سيؤثر ذلك سلبيا على التنمية والاستقرار في المنطقة…”.
وفي ذات السياق يضيف بن كاسب أن بلاده “استشعرت مخاطر” هذه الحرب التي تهدد العالم بالانجرار نحو حرب عالمية ثالثة، وبما لها من انعكاسات بيئية سلبية جدا، “بسبب عودة الكثير من البلدان الأوروبية إلى استخدام الوقود التقليدي أي الفحم الحجري، وهذا سيؤثر على المشروع العالمي للأهداف الأممية 17 للتنمية المستدامة والمحافظة على كوكب الأرض…”.
وعلى هذا الأساس، يخلص كاسب، “سوف تقوم المملكة بما لديها من جهود متوقعة بالوساطة الدبلوماسية للتهدئة ومن ثم محاولة مناورة السياسة الاقتصادية للأطراف، ليحل الأمن والسلم. وسينعكس ذلك على الأمن والاستقرار الدوليين”.
هل تملك الرياض فعلا الأوراق اللازمة للتأثير في النزاع؟
يؤكد د. عمر الرداد، وهو خبير أمن استراتيجي، أن السعودية تملك بعض الأوراق لتوظيفها تجاه نزع فتيل الحرب، “بينها العلاقة الوثيقة بين ولي العهد السعودي والرئيس بوتين، بالإضافة لورقة النفط رغم أن احتمالات استخدام النفط بما قد يلحق أضرارا بروسيا غير متوقع في المدى المنظور”.
“ويضاف إلى ذلك حاجة روسيا، التي تخشى فرض عزلة دولية عليها، للسعودية لا سيما بعد مؤشرات على اتفاق أمريكي إيراني، تشك روسيا أنه سيتضمن بنودا سرية لن تكون في صالح موسكو”، حسب الرداد دائما، الذي يشدد على أن موقف الرياض الحيادي من النزاع، يساعدها على “أن تقدم مساهمة في الجهود الدولية لتحقيق وقف القتال والقبول بتسوية”.
“لكن هذه التسوية تواجه عقبتين” يستدرك الخبير الأردني، “الأولى الموقف الروسي الذي يريد الاعتراف بالواقع وضم الأراضي الأوكرانية المحتلة إليه، والثاني: الموقف الأمريكي الذي يرى رغم الخطاب الدبلوماسي بين الجانبين، أن السعودية تقف إلى جانب الرئيس بوتين وتحديدا من خلال رفضها زيادة إنتاج النفط بما يخفض أسعاره ويؤثر على موارد روسيا”.
وهذه العقبات، بالنسبة للرداد، “مؤكد ستجعل أي دور سعودي محدودا إلا إذا حظي بدعم من أمريكا وأوروبا”. ومع ذلك فإن الأرجح، يضيف الخبير الأردني، “ألا تذهب السعودية بعيدا في استخدام تلك الأوراق مع موسكو وستكون خاضعة بمعايير تحقيق المصالح السعودية أولا.”
فرانس 24