قوته العسكرية غير قابلة للصرف سياسياً أو رئاسياً : لا خيار مع حزب الله إلّا تكرار “التسويات” السابقة؟
في صلب الأزمة السياسية والرئاسية القائمة والمستمرة، تتركز قراءات متعددة حول مواقف حزب الله، رؤيته واستراتيجيته في مقاربة الاستحقاق الرئاسي وغيره من الاستحقاقات.
من الثوابت لدى الحزب حتى الآن، هو التمسك بترشيح سليمان فرنجية وعدم التخلّي عنه، في مقابل رفض هذا الترشيح من قبل قوى أخرى.
يرتكز الحزب في ذلك على ورقة “الميثاقية” التي يمتلكها (التمثيل الشيعي)، تماماً كما يرتكز خصوم فرنجية أيضاً عليها (التمثيل المسيحي). ولكن كيف يمكن أن ينظر الحزب إلى الاستحقاق الرئاسي، وواقع الفراغ، وإطالة أمد الأزمة؟ من هنا لا بد من الوقوف في خلفية رأس الحزب، والذي وصل إلى مكان يعتبر فيه أن قوته العسكرية لا تترجم سياسياً في لبنان، إلا من خلال تعطيل أي محاولة لإبرام أي تسوية تستثنيه، أو تحاول الإنقضاض عليه، فيما قوته العسكرية غير قابلة للصرف سياسياً أو رئاسياً من خلال محاولته لفرض مرشحه. وهذا في الأساس لا يريده.
الانتظار و”الصمود”
من هنا، يُطرح سؤال أساسي حول أمد الفراغ، وكيف يمكن أن تتغير المواقف. لا سيما أن الحزب يبدو مستعداً للانتظار، وقادراً على الصمود أكثر من غيره من القوى السياسية.. من دون إغفال أن المعارضة الداخلية لسليمان فرنجية واسعة جداً، في مقابل إصرار حزب الله وحركة أمل على هذا الخيار، واللجوء إلى التعطيل، بانتظار الظروف الملائمة لوصول مرشحهما. وبالتالي، هل يكون التعطيل طويلاً، أم أن هدفه الآخر يرتبط بفرض إعادة طرح الصيغة والتعديلات الدستورية؟
يفكر حزب الله بأنه يتعرض دوماً لسياسة العزل والهجمات الداخلية المتعددة برعاية خارجية. ولذلك يبقى دوماً ثابتاً على موقفه، ولو أدى هذا الموقف إلى إطالة أمد الفراغ. يمتلك الحزب مشروعاً عنوانه انه يريد الحفاظ على موقعه ودوره ومقاومته. ويعتبر أن هناك مشروعاً مضاداً يسعى إلى إقتلاعه، لذلك هو يصّر على انتخاب رئيس متحالف معه ويثق به، ولا يبدو مستعداً للتخلي عن هذا الخيار. في المقابل أيضاً، وبالنظر إلى المنهجية التي يعمل وفقها الحزب، فهو يعمل دوماً على تعزيز خصوصيته السياسية والأمنية والعسكرية، وحتى على صعيد العمل البلدي، على حساب الدولة ومؤسساتها، حتى تصبح المعادلة واضحة بأن تعزيز وضعية حزب الله لا يمكنها ان تنسجم مع تعزيز وضعية الدولة بل تتحقق بإضعافها. وحتى الآن لم تبرز قدرة لدى الحزب للسير في اتجاه آخر.
الفراغ العميم
انهيار لبنان يصيب الحزب طبعاً، ولكنه يصيب الآخرين بثمن أكبر. تتحلل الدولة ومؤسساتها، وتضعف القوى السياسية والاجتماعية الأخرى، فيما الحزب لديه مقومات الصمود أكثر. وهذا ما يمكن أن يتزايد في المرحلة المقبلة، بحال نجحت إيران في تحرير المبالغ المالية المجمدة. وهذا الفراغ الطويل سيجعل من الوضع في لبنان هشاً إلى حدود بعيدة، والهشاشة لن تصب في مصلحة الحزب على المدى الأبعد، لأن ذلك سيدفع بالإسرائيليين مثلاً إلى توسيع مجال الاختراقات في الساحة اللبنانية.
يصبر بانتظار حصول متغيرات إقليمية تنعكس نتائجها على الساحة الداخلية. ومن هنا، يركز الحزب دوماً على فكرة الحوار بين مختلف المكونات، إما للاتفاق فيما بينها على مسار سياسي واضح، أو في سبيل تهيئة الأرضية وانتظار حصول تلك المتغيرات وانعكاسها داخلياً. ولذا، يتصرف الحزب وكأنه قادر تطويع الملفات والاستحقاقات كما يريد. وهذا ما يمكن قراءته من خلال حالة الفراغ العميم في مواقع أساسية، من بينها الأعمدة الثلاثة الأساسية للموارنة في صلب النظام، وهي رئاسة الجمهورية، قيادة الجيش وحاكم المصرف المركزي. وهذه مواقع كلها مرشحة لأن تبقى في حالة شغور، مقابل ثبات موقع رئيس مجلس النواب، بالإضافة إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال المستمر في عمله.
لا يطرح حزب الله تغيير النظام أو الصيغة، إنما هو يفضل إنتاج تسوية على غرار التسويات السابقة، تحفظ فيها مواقع الجميع وأدوارهم. ولكن في حال كانت هذه التسويات مستحيلة وأزمات الفراغ طويلة، فإن البلاد ستكون أمام خيارين. الأول، انتظار تغير الظروف الخارجية ليصبح لبنان أولوية. وهذا قد يستدعيه توتر وحماوة في الداخل لإعادة ارساء التسوية. والثاني، هو أن يستمر التحلل والتفتت والمزيد من التشظيات التي قد تفرض إعادة نظر في الصيغة ككل، سواءً كانت صيغة الكيان وتعديل النظام، أم إجراء تعديلات دستورية تتضمن ضمانات سيطالب بها كل طرف.
منير الربيع- المدن