كيف ستتعامل باريس مع ترشيح فرنجية… وتصلب الثنائي الشيعي وحلفائه؟
لم يعد يمتلك اللبنانيون سوى انتظار المبعوث الشخصي للرئيس الفرنسي إلى لبنان، جان إيف لودريان الذي يصل غداً الأربعاء. ثلاثة أيام سيقضيها وزير الخارجية السابق في بيروت، للقاء مختلف المسؤولين والقوى السياسية.
يُفترض أن تحرك زيارة لودريان الإيقاع السياسي والرئاسي مجدداً، والذي دخل في حالة جمود منذ جلسة 14 حزيران. هذا يؤكد أن الحلّ قد خرج من أيدي اللبنانيين بانتظار ما ستحمله تطورات الخارج.
تفيد المعلومات بأن السمة الرسمية لزيارة لودريان “استطلاعية”. سيستمع إلى آراء كل المكونات لإعداد تقريرٍ، ومن ثم دراسته من قبل المسؤولين الفرنسيين، والتحرك على أساسه بالتعاون مع الدول الخمس التي تواكب الملف اللبناني. وهو استبق زيارته بتوجيه دعوات يوم الجمعة الماضي لسفراء الدول الخمس، للقاء صباحي في قصر الصنوبر، عندما يكون في بيروت، للبحث في الملف الرئاسي والتنسيق في ما بينهم.
معطيات متضاربة
وإلى جانب الطابع الاستطلاعي للزيارة، تشير بعض المعلومات إلى أن لودريان يمتلك تصوراً معيناً حول الأزمة وخلفياتها والانقسامات السياسية من حولها. وهذا ما قد يدفعه إلى طرح أفكار وتقديم طروحات، لا تزال القوى اللبنانية تتلمسها، على وقع اتصالات تجريها القوى الداخلية بجهات فرنسية، لمعرفة ما آلت إليه الاتصالات. كل طرف في لبنان يجري الاتصالات مع صلاته الخارجية، يفسّر التطورات بأنها تصب في صالحه. فالثنائي الشيعي الذي أبلغ الفرنسيين التمسك بسليمان فرنجية وعدم التخلّي عنه، يعتبر أن كل ما تشهده الساحة الإقليمية من تقارب سيصب في صالحه سياسياً. أما معارضو فرنجية فيعتبرون أنهم نجحوا بقطع الطريق على فرنجية، وأن الفرنسيين تخلوا عن مقاربتهم السابقة.
في هذا السياق، تتوارد من باريس معطيات متضاربة، بعضها يشير إلى أن فرنسا أصبحت مقتنعة بصعوبة وصول فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، وأنه لا بد من تغيير المقاربة وتبني طروحات جديدة، ولكنها لا تريد أن تعلن عن هذا الموقف حالياً. فيما معطيات أخرى تفيد بأن فرنسا لا تزال تتعاطى بواقعية مع الأمر، وهي تعتبر أنه في ظل التشدد لدى الثنائي الشيعي سيكون من المستحيل الوصول إلى تسوية، ما سيؤدي إلى إطالة أمد الأزمة.
من نقطة الصفر
هنا لا بد من تسجيل ملاحظتين. الأولى، إن إعلان المملكة العربية السعودية عدم وضعها فيتو على أي مرشح وعدم تبنيها لأي مرشح، لم يسهم في تعبيد الطريق أمام المبادرة الفرنسية، التي كانت تقوم على منطق المقايضة. إذ أن القوى المعارضة لهذا الطرح اجتمعت وتلاقت بشكل لا يوفر للطرف الآخر أن ينجز الستحقاق. والثانية، بحال إظهار باريس لمقاربتها الجديدة إزاء الملف اللبناني، وعدم تبني أي طرح، وعلى افتراض أن لودريان بدأ في تحركه من نقطة الصفر، فسيصطدم بتصلب الثنائي الشيعي وحلفائه. وهذا التحالف يمتلك 51 صوتاً. أي لديه قدرة على تعطيل الجلسات. ما يعني أن سيناريو تقاطع المعارضة ضد سليمان فرنجية سيتكرر بطريقة معكوسة.
بحال استمرّ هذا الانقسام العمودي، فإن باريس كما غيرها من الدول تبدي تخوفاً على مصير الكيان، الذي سيكون عرضة لاهتزازات متعددة. فحزب الله يتمسك بسليمان فرنجية كضمانة سياسية واستراتيجية. وبحال أراد أي طرف فرض معادلة مغايرة، فسيتصدى الحزب له.
أما في حال كان لا بد من التفكير بخيارات أخرى، فذلك سيفتح الباب أمام البحث عن “ضمانات” دستورية، وهو ما لا يبدو أن أي طرف في الداخل جاهز له.
لقاءات باريس
ومن بين المعطيات المختلفة التي تتسرب إلى الساحة اللبنانية، هناك ما يشير إلى أن الملف اللبناني الذي ذكر وحيداً في البيان الفرنسي السعودي المشترك، لم يكن حاضراً في كل تفاصيله، بالاجتماع بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. إذ تم التداول بملف لبنان بشكل عام، حول ضرورة السعي للوصول إلى حلّ، بشرط أن يتوافق اللبنانيون في ما بينهم، مع إبداء الطرفين كل الاستعداد لمساعدة بعضهما البعض. مع الإشارة إلى أن اللقاء لم يتناول التفاصيل ولا الأسماء ولا المقاربات، لا سيما أن المسؤولين عن الملف اللبناني لم يكونوا حاضرين في الاجتماع. وكان حاضراً في لقاءات السفير السعودي وليد البخاري وحسب، وسط معلومات تفيد بأن اللقاءات لم تقتصر على الفرنسيين فقط، إنما شهدت تنسيقاً مع السفارات الأميركية والمصرية والقطرية في باريس، في إطار التواصل المستمر بين الدول الخمس.
وعليه، لا بد من انتظار نتائج جولة لودريان وما ستحمله، وإذا ما كان ذلك سيدفع إلى تفعيل العمل الخماسي، للبحث عن حلّ سريع للأزمة خلال الأسابيع المقبلة، أم أن الأزمة ستكون طويلة مع ما يمكن أن تقود إليه من تداعيات.
منير الربيع- المدن