الوسوف والساهر ونانسي.. في إذاعة الجيش الإسرائيلي… ماذا يفعلون؟
“ماذا يفعل الوسوف والساهر في إذاعة الجيش الإسرائيلي؟!”، هو سؤال انتهازي طلباً لمشاهدة المحتوى، طرحته صفحة “إسرائيل بالعربية” في فايسبوك كعنوان لتقرير مُصوّر يُروّج لبرنامج عبر إذاعة جيش الاحتلال “غالي تساهال” يبث أغاني وموسيقى عربية.
بإثارة بالغة، سلطت صفحة “إسرائيل بالعربية”، المدعومة من وزارة الخارجية الإسرائيلية، الضوء على البرنامج المشار إليه، بقولها “أمر لا يُصدَّق”، إذ قصدت في تقرير مدته 4 دقائق و39 ثانية أن تُسوّق للدعاية القائلة إن إسرائيل بجيشها “ودودة ومنفتحة على ثقافة المحيط العربي، بما فيه العدوّ”.
البرنامج يُبث عبر إذاعة الجيش الإسرائيلي كل خميس منذ عشر سنوات، ويقدمه ثنائي من جذر عراقي من عائلة “فرج”، هما “بن وكوبي”، حيث تُخصص مساحة كبيرة لعرض أغنيات وموسيقى عربية، وتحديداً ذات الصلة بالإنتاج الفني والغنائي اللبناني والسوري، وأيضاً المصري.
“مستمعون سوريون ولبنانيون”!
وليس عبثاً أن يُحدد توقيت بث البرنامج مساء الخميس، سواء من ناحية اليوم أو الساعة، إذ يمتد حتى منتصف الليل، بهدف ضمان وصول المحتوى إلى مستمعين من سوريا ولبنان، إضافة إلى إسرائيليين مقيمين في الأراضي المحتلة. وهذا ما أكده مقدم البرنامج “بن فرج” حينما قال إنه “في دولة لا تقيم علاقات مع إسرائيل يفتحون الراديو على إذاعة الجيش ويُفاجَأون بسماع أغانٍ عربية”.
وهنا، تجلى أحد الأهداف الدعائية من وراء البرنامج، وذلك بقوله “إن هذا يخلق جسراً على الطرف الآخر الذي نشعر أحياناً أنه بعيد، لكن في الحقيقة هو قريب جداً”.
التقرير يحاول من خلال هذه السردية أن يؤثر في الوعي الجَمعي العربي، وتحديداً في اللبنانيين والسوريين، لتطبيع فكرة وجود إسرائيل في ذهنيتهم، كحالة “طبيعية” في المنطقة، وهي مقدمة لـ”تليين” الآراء والمواقف المناهضة للاحتلال.
مَن هي عائلة فرج؟
يُعرّف مقدما البرنامج نفسيهما، بالقول إن نشأتهما كانت في عائلة تسمع الموسيقى العربية، بصفتهما من “أحفاد عائلة فرج التي كانت رائدة في عالم التصوير الفوتوغرافي قبل عقود، وتركت بصمة في مجالها”، على حد تعبيرهما.
وفي مسعى لإظهار دوافع اهتمام المذيعَين الإسرائيليَين بالأغاني والموسيقى العربية بحجة “التذوّق الفني”، أشار “بن وكوبي فرج” إلى أن بذور حبهما للموسيقى العربية تعود إلى جدهما الذي واظب على تسجيل أغاني الراديو على أشرطة كاسيت جلبها معه إلى فلسطين المحتلة لـ”يُطربَ” العائلة من الآباء إلى الأحفاد، بالأغاني والموسيقى العربية.
بروباغندا.. لا حُبّاً
الحقيقة، أنّ إذاعة تابعة لجيش الاحتلال لا تبث برنامجاً فيه حصة كبيرة للأغاني العربية، فقط لأن الثنائي “فرج” يعشق الموسيقى والأغاني العربية “أبّاً عن جد”.. وإنما لأن المحتوى نفسه يتناغم مع بروبوغاندا وأهداف المؤسسة الرسمية السياسية والعسكرية. وليست صُدفة اختيار هذا الثناني لتقديم المحتوى؛ ذلك أنّ القائمين على إذاعة “غالي تساهال” وجدوا في الثنائي “فرج” الوسيلة الأنسب لإحداث التأثير المطلوب، نظراً لظروف تنشئتهما وأصلهما، ومروراً بثقافتهما “الموسيقية العربية” التي واظبا على الاستماع إليها. فالحكاية منهجية رسمية إسرائيلية، وليست مجرد هواية وعشق جمعت المُقدمَين باللغة العربية.
بالرغم من تقديم أغان عربية والاستماع الدائم لها، لا يفهم المذيعان الإسرائيليان سوى بعض الكلمات العربية، وهو مأ قر به المذيع “بن فرج” بلسانه الذي يتحدث العبرية كلغة نشأ عليها ويمارسها في حياته يومياً.
“غوار”..ونانسي عجرم أيضاً!
وزعم التقرير أنّ مستمعين من دمشق فودئوا بسماع أغانٍ عربية، بينها أغنية “يامو” للفنان السوري دريد لحام “غوار” الذي وصفه بن كوبي بـ”بطل سوريا الذي سمعنا أغانيه مرات عديدة”!
ولأنّ لكل مغنٍ جمهوره العربي المحب له، يلعب البرنامج على الوتر لاستمالة معجبي الفنانين، عبر امتداح المطرب والمغني، مثل جورج وسوف الذي ذكّر البرنامج الإسرائيلي بعيد ميلاده، وتحدث عنه، في اتصال هاتفي، شخص إسمه “آدم فرج” ليحكي إعجابه بالوسوف الذي وصفه بعملاق الطرب السوري، وعن أمنيته “بلقائه”، ثم يبدي المذيعان رغبتهما بلقاء جورج وسوف!
نانسي عجرم وراغب علامة كان لهما نصيب، أيضاً، في التقرير، حيث زعم مقدما البرنامج الإسرائيلي أن الهدف منه ليس ملء فراغ، بل لأنهما “يحبان نانسي عجرم وفيروز وراغب علامة”، مشددين على تعرفهم على مغنين كثر من خلال زاوية الأغاني العربية في هذا البرنامج!
وارتأى برنامج “إذاعة الجيش” أن يهنئ المغني المصري محمد فؤاد في عيد ميلاده الثاني والستين، ببث أغنيته الشهيرة “كمان نانا”، وسط رقصات فريق البرنامج.
وفي أسبوع “اللغة العربية”، احتفل البرنامج به ببث أغانٍ للفنان العراقي كاظم الساهر الذي دأب على الغناء بالفُصحى، باعتبراه يقرّب المستمعين من اللغة العربية الفُصحى. وحرص التقرير على تكرار مشهد لفتاة مرتدية الزي العسكري الإسرائيلي، كونها تعمل في مجال الهندسة الصوتية للبرنامج المذكور، وهو مشهد غير بريء في تكراره ارتباطاً بالبروباغندا الإسرائيلية.
ترويج “التعايش”..للتشكيك في الصراع
البرنامج لم يخلُ من الترويج لما وصفه “التعايش الفني” في إسرائيل، وذلك باستعراض حفلات في مسرح يافا، غنى فيها الإسرائيلي زيف يحزقيل لفريد الأطرش، وغاليت غيات غنّت لأم كلثوم.. وهو أسلوب إسرائيلي لتزوير الواقع أمام المشاهد العربي لتشكيل حالة من الصدمة والتشكيك لديه إزاء الصراع برمته، من خلال فرض حوار داخلي في عقل المواطن العربي (مونولجه الداخلي)، يتركز على سؤال يهدف إلى الانكفاء، ومفاده: “ما دام الفلسطينيون يقيمون مع الإسرائيليين حفلات فنية مشتركة، فلماذا أصارع إسرائيل، كلبناني وسوري؟!”.
تضليل الغاية
بالموازاة، سعى القائمون على البرنامج إلى تضليل العرب في ما يتعلق بالهدف المتمثل بتغيير القناعات الوطنية للبناني والسوري، بقولهم “بالنسبة لنا، الأهم من الوصول إلى مستمعين في دمشق هو أن يستمع الجمهور الإسرائيلي هنا إلى هذه الأغاني تعزيزاً للتنوع”.
وهنا، نجد سبباً مزدوجاً لحرص إذاعة جيش الاحتلال على بث أغان عربية: الأول، محاولة تضليل الصورة العدوانية للجيش الإسرائيلي الذي ارتبط في ذاكرة الفلسطينيين والعرب بالمجازر التي اقترفها بحقهم، لا سيما أن المحتوى تبثه إذاعة تتبع له. والسبب الثاني، هو تكريس اللغة العربية في مختلف قطاعات الجيش الإسرائيلي، بصفتها حاجة أمنية وعسكرية، لأغراض “العمليات العسكرية، الاستخبارات والتجسس، والوقاية الاستباقية”.
وهذا ما يدفع إذاعة الجيش عموماً، والبرنامج المذكور خصوصاً، إلى تخصيص زوايا لإتاحة المجال أمام الجنود الإسرائيليين كي يقدموا، بأنفسهم، فقرات بالع
ربية.
المدن