فرنجيّة مرشّح وجودي لـ”المقاومة”: لا حوار إلا حول مرشحه “المقاوم”؟

شروط “حزب الله” مستمرّة ضدّ أزعور … فرنجيّة مرشّح وجودي لـ”المقاومة”؟

من الآن وإلى وقت غير معلوم سيستمر الفراع في موقع رئاسة الجمهورية اللبنانية، بعدما أرست الجلسة الانتخابية الـ12 لمجلس النواب اللبناني توازنات جديدة لا يستطيع أحد خرقها أو إحداث انقلاب، برغم فائض القوة التي تتمتع بها قوى طائفية، خصوصاً “حزب الله”. سيناريو الجلسة في 14 حزيران (يونيو) الجاري كان متوقعاً، إذ تم تطيير النصاب في الدورة الثانية من قبل نواب الممانعة وحلفائهم مخافة من عبور مرشح الكتل المسيحية جهاد أزعور إلى الرئاسة وحصوله على 65 صوتاً محتملة. لكن الخرق الذي حصل في الجلسة هو أن مرشح “حزب الله” حصل على 51 صوتاً، فيما تناقصت أصوات أزعور إلى 59، وهو ما جعل الحزب يقدم نفسه المنتصر في الانتخابات، وإن لم تكتمل فصولها.

الثابت أن النتائج أظهرت أن لا أحدَ من الأطراف قادر على انتخاب رئيس في ظل التوازنات القائمة، فالانتخاب مدخله التوافق من خلال تسوية لم تتمكن القوى السياسية والطائفية اللبنانية من بلورتها، بما يعني أن الداخل عاجز عن الوصول إلى حل نتيجة رهانات قوى كثيرة على دعم خارجي وحسابات ترهن لبنان للخارج، لا سيما في مشاريع إقليمية ما زالت تجد للساحة اللبنانية وظيفة لها ويمكن تحريكها على الرغم من مسارات التهدئة والتسويات التي تعيشها المنطقة عربياً وإقليمياً. وإذا كان “حزب الله” وحلفاؤه قد طيّرا النصاب في الجلسة، فهذا دليل خوف بمثابة الضعف من خسارة مرشحه، وإن كانت كتلة النواب الشيعة الـ27 صبت كلها لمصلحة سليمان فرنجية، إلا أن الحزب يسعى لتحويلها إلى نقطة قوة بالتمسك به وممارسة الضغوط على نواب مستقلين لتحسين رصيده سنياً ومسيحياً، وحتى التفاوض لاحقاً إذا استدعت الأمور على اسم مرشح حليف لـ”المقاومة”.

الدعوة إلى جلسة انتخابية جديدة تحمل الرقم 13، لا تبدو أنها مواتية الآن بالنسبة لـ”الثنائي الشيعي” وتحالفه، إلا إذا كان هدفها اختبار عدد الأصوات مجدداً لكل مرشح، والبناء على ذلك لمرحلة التفاوض المقبلة على وقع الحراك الخارجي، خصوصاً الفرنسي – السعودي، حول لبنان، وما إذا كانت الاتصالات ستشمل إيران التي يزورها وزير الخارجية السعودي استكمالاً للاتفاق وإعادة العلاقات. وإذا كانت الأرقام لا تحسم انتخاب الرئيس في ظل القدرة على التعطيل عبر تطيير النصاب، إلا أنها تستخدم لتحسين شروط التفاوض وتعزيز موازين القوى ضمن الكتل الأهلية اللبنانية، وهي أحد المؤشرات التي يمكن أن تبني عليها الدول المهتمة بالوضع اللبناني مقاربتها للملف الرئاسي والتسوية، وهذا ما تلعب عليه القوى الداخلية، إذ إن “حزب الله” يعتبر أن دعم أزعور من كتل متناقضة لم ينجح في تأمين الـ65 صوتاً المطلوبة لانتخابه، فيما المعارضة تقول إن سقف فرنجية هو 51 صوتاً رغم الضغوط على النواب، وبالتالي انتخابه غير ممكن. لكن ذلك لا يعني أيضاً أن حراك الدول تجاه لبنان يتأثر بهذه النتائج، إذ إن الفرنسيين الذين كانوا قد أطلقوا مبادرتهم للمقايضة بين رئاستي الجمهورية والحكومة لم يتضح موقفهم الجديد بعد، وما إذا كانت مقاربتهم قد تغيرت في انتظار زيارة المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي جان إيف لودريان لبيروت.

حتى الآن يبدو “حزب الله” متمسكاً بمرشحه سليمان فرنجية، وهو غير منفتح على الحوار إلا حول مرشحه “المقاوم”، وهذا يعني إطالة أزمة الفراغ. وفي المقابل، تبدو القوى الداعمة لأزعور متمسكة به، على الرغم من حسابات بعض أطرافها، لا سيما التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل، والذي يكمن هدفه الرئيسي في إسقاط فرنجية للبحث في اسم مرشح ثالث. ويُظهر التمسك بالمرشحين أن توازنات الداخل ولدى غالبية القوى لم تصل إلى مرحلة فتح الحوار أو التفاوض مع الخارج لمرشح ثالث، خصوصاً “حزب الله” المتمسك بمرشح “لا يطعن ظهر المقاومة”، فما لم يكن ممكناً التفاوض على اسم مرشح إنقاذ، سيطول أمد الفراغ ومعه الانهيار والأزمات، وهي قد تمتد إلى مؤسسات أخرى أساسية مع اقتراب نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في تموز (يوليو) المقبل، وبعد أشهر قائد الجيش جوزف عون، الأمر الذي يفرغ مؤسسات الدولة ويدفعها أيضاً إلى الشغور، وهو ربما ما يراهن عليه “حزب الله” لدفع تيارات مسيحية أساسية للاقتناع بخياره أو التفاوض معه على سلة تفاهمات جديدة يبقى على أساسها مرشحه في المقدمة.

إذا حددت الجلسة الـ13 لانتخاب الرئيس، فهي ستلقى مصير سابقتها الـ12، لكنها قد تكون اختبار قوة وأرقام للتفاوض، أو لتأبيد الفراغ بعدها، علماً أن الفراغ الرئاسي اللبناني الذي حدث بين 2014 و2016 عُقدت خلالها 45 جلسة، لكنها لم تصل الى نتيجة إلا بفرض المرشح الأوحد حينها ميشال عون، وأيضاً برافعة خارجية بعد الاتفاق النووي 2015. وإذا كانت الظروف مختلفة اليوم، إلا أن “حزب الله” يمتلك أسلحة لم يستخدمها بعد في معركته الرئاسية، وهي ليست فقط مرتبطة بفائض القوة العسكرية لديه، بل بخيارات أخرى قد تعيد خلط الأوراق كلها. سلاح الضغط يمكن أن يكون الأبرز من خلال خلق أجواء متوترة تفيد بأن البلد قد يذهب إلى انفجارات أمنية في حال تمسك المسيحيين بمرشح المواجهة، وهو أمر قد يدفع ببعض النواب أقله إلى سحب دعمهم لأزعور، والهدف من ذلك كسر التنوع لدى الجهات الداعمة له سياسياً وطائفياً، وثانياً بالتركيز على أن أزعور مرشح الأميركيين ولا يحظى برضى دولي، خصوصاً من السعودية وفرنسا، والدليل إلى ذلك هو البحث الفرنسي – السعودي المتجدد بموضوع الرئاسة.

الفراغ في البلد والملف الرئاسي أكثر ما سيُسأل “حزب الله” عنهما، وما الذي يريده للتنازل عن سليمان فرنجية والتفاوض حول اسم ثالث. وعندما يُسأل الحزب عن إمكان ذلك، يرد بتمسكه بفرنجية على أنه مرشح توافق، ولا يطعن ظهر المقاومة. وانطلاقاً من هذه المعادلة يستمر الحزب في اللعب على الأطراف الأخرى ويتهمهم بأن رفض فرنجية هو رفض للتوافق والحوار، على الرغم من أن الحوار الذي دعا إليه يدور حول مرشحه ومرشحه نفسه. أما السلاح الآخر للحزب والاضطراري فهو اللعب على الميثاقية ضمن المعايير اللبنانية، فانتخاب الرئيس لا يمكن أن يتجاوز طائفة بكاملها، خصوصاً مع صبّ الـ27 نائباً شيعياً للثنائي أصواتهم لفرنجية، وهو ما يحدث خللاً ميثاقياً قد يدفع الجميع إلى الذهاب للبحث في التسوية أو العودة إلى الشروط التي يضعها “حزب الله” للرئاسة.

بعد الجلسة الانتخابية الـ12 والمواقف التصعيدية على نتائجها، سينتظر لبنان ما سيخرج عن الحراك الخارجي وما إذا كانت نضجت عناوين الحل عربياً وإقليمياً ودولياً، أو بدأت تظهر أجواء تفاهم على إرساء تسوية ولو موقتة. لكن الثابت أن الفراغ سيبقى سيد الموقف وفق توازنات الأمر الواقع والتعطيل والاستعصاءات، إلى أن تظهر مؤشرات تدل إلى أن هناك مرشحاً ثالثاً يحظى بتوافق خارجي وتأييد داخلي، وما إذا كان “حزب الله” مستعداً للانفتاح على هذا الخيار، وهو في الوقت الحالي بمثابة شيء من المستحيلات!

ابراهيم حيدر- النهار العربي

مقالات ذات صلة