أمل علم الدين..المحامية الدولية التي نافست كلوني على الأضواء
هنا بورتريه أول عن المحامية اللبنانية – البريطانية أمل علم الدين، من ضمن ملف بعنوان “لبنانيات يضجّ بهن العالم”، ستنشر “المدن” حلقاته تباعاً.
في العام 2022 منحت مجلة “تايم” الأميركية لقب “امرأة العام” لـ12 سيدة، بينهن اللبنانية ابنة بعقلين-الشوف، المحامية أمل علم الدين. ووصفتها المجلة بـ”القوية التي لا تتراجع عن قضاياها”، بالإضافة إلى دفاعها عن النساء ضحايا الفظائع الجماعية والعنف الجنسي واللواتي سيحصلن على العدالة. والحال أنّ المجلة مستمرة في طقسها التكريمي هذا منذ العام 1927، باختيار شخص أو مجموعة أو فكرة للفوز بلقب “شخصية العام”، مسلطة الضوء على أثرهم في الأحداث سواء كان ذلك للأحسن أو الأسوأ. وقد كُرّمت علم الدين على وجه الخصوص، وتصدّرت صورتها الغلاف، لعملها مع ضحايا تنظيم “داعش” الإيزيديين/ات في جبل سنجار العراقي. وأشارت التقارير إلى أنّ المحامية اللبنانية لا تحبّ أن تتحدّث عن نفسها، وهي الناشطة المتخصصة في القانون الدولي وحقوق الإنسان، المولودة في 3 شباط 1978. وكانت التقت في العام 2013 بالنجم الهوليوودي الوسيم وأشهر العازبين جورج كلوني خلال مناسبة جمعتهما بأصدقائهما في بحيرة كومو بإيطاليا. ومنذ أعلنت مجلة “بيبول” الاميركية نبأ ارتباط كلوني وعلم الدين، في نيسان 2014، حتى صارت المحامية تحت مجهر الصحافة العالمية.
سارع مئات اللبنانيين في مواقع التواصل الاجتماعي، الى التعبير عن فرحتهم لارتباط النجم العالمي بفتاة لبنانية وأطلقوا عليه لقب “صهر لبنان”. واعتبر أحد الفسابكة أنّ “فتاة لبنانية فقط يمكنها إقناع كلوني بالارتباط بها” رغم أنها ليست مجرد “فتاة لبنانية” بل محامية وحقوقية بارزة.
وفي الوقت نفسه أحدثت العلاقة بين النجم والمحامية جدلاً فايسبوكياً عقيماً وسخيفاً، حول زواج الدروز (طائفة أمل) من غير طائفتهم. وقال والد المحامية الجميلة، رمزي علم الدين، إنه لم يكن قد سمع باسم جورج كلوني، قبل أن يرى صورة ابنته برفقته منشورة في الصحف. وكتب في مذكراته “احكي جالس”(دار نلسن): “صعقني النبأ. صورة يظهر فيها كلوني مع ابنتي أمل، في سيارة تاكسي بعد تناولهما العشاء في أحد المطاعم. جن جنوني، وقلت أمام تالا(شقيقة أمل) إنني لا أحتمل ذلك… ابنتي ترافق ممثلاً مشهوراً، هذا لا يجوز. وأعلمت أمل برأيي هذا”.
وبعد مده قصيرة اتصلت به أمل لتعلمه بأن جورج يود التعرف إليه ويدعوه لزيارته في إيطاليا ليلعبا الغولف سوياً. “أجبتها”، يقول رمزي علم الدين، “إنني ابن جبل، فإن أراد التعرف بي، فعليه أن يأتي إليّ… وبما أنّ لبنان كان غير آمن بالنسبة إليه، اتفقنا أن نلتقي في مكان محايد عند أهل زوجتي (آل مكناس) في دبي، وهكذا كان. وبعد قضاء ثلاثة أيام معاً، وجدته كامل الأوصاف. وسيم، ذكي، متواضع، كريم، محب، مخلص ومهضوم”…
وبغض النظر عن حفلة الزواج التي اقتصرت على مئة شخص، كان السؤال الرائج: لماذا اختار الممثل الهولوودي الوسيم، أمل علم الدين بالذات، وهو الذي واعَد نساء كثيرات ولم يرتبط بأي منهن؟ ونقلتْ مجلة “بيبول” عن مصدر مقرّب لكلوني، أن سبب اختلاف علم الدين عن أي من صديقات جورج كلوني السابقات، اللواتي دامت علاقة كل نهن معه بضعة أشهر وصولاً إلى عامين كحد أقصى، “إنها لا تحاول العثور على عمل في مجال التمثيل أو الترفيه”، مضيفاً “هي من مستواه نفسه”. في المحصلة أحدثت أمل خرقاً في تقاليد الطائفة التي تنتمي إليها، فهي خرجت من الإطار الضيق وكرست نفسها في العالمية، (ربما هي من المرات النادرة التي تصل فيها امرأة درزية إلى العالمية)، وأحدثت خرقاً في الوسط الهوليوودي الذي لا تنتمي إليه. فهي منذ تزوجت كلوني، باتت النجمة غير الممثلة أو غير السينمائية التي تنافس النجمات الأخريات، سواء في أخبارها اليومية أو في أناقتها، في المناسبات الاجتماعية وحتى على السجادة الحمراء.
بمعنى آخر، تستند أمل علم الدين في نجوميتها إلى دورها الحقوقي وعملها في مجال المحاماة الدولية وتوليها قضايا بارزة، انسانية واجتماعية، ثم بعد ذلك جاء زواجها.. وليس إلى سلطة صور هوليوود، وتسلّط شركات الإنتاج والمنتجين، ولا حتى لعبة الفضائح والقيل والقال أو لعبة الجسد وتشييئه، وإن كانت في جانب من مسيرتها تهتم كثيراً بعالم الموضة..
في التأمل في شخصية أمل علم الدين، نجد أنها وجه بوجوه كثيرة ومتعدّدة. فهي من الطائفة الدرزية كما قلنا، عائلتها الروحية كما تُسمي الطوائف في لبنان، وابنة الجبل التي عاشت في بيروت، وابنة الصحافية بارعة علم الدين (في جريدة “الحياة” اللندنية المحتجبة)، ووالدها عمل كأستاذ في العلوم السياحية. أمضت أعوام طفولتها وبنت صداقاتها الأولى في مدرسة “لويز فيغمان”-إحدى المدارس الفرانكوفونية النخبوية في بيروت، قبل أن تغادر لبنان قسرياً مع عائلتها إثر الاجتياح الإسرائيلي العام 1982. تذكّر هجرتها بسبب الحرب، بالعشرات من المبدعين والشخصيات البارزة، من الروائي أمين معلوف، إلى وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبد الملك…
وأمل، التي غادرت طفلة مع عائلتها، إلى لندن، سكنت في شقّة قريبة من متاجر “هارودز” والتحقت بمدرسة “الليسيه الفرنسية”. طال أمد الحرب اللبنانية وتأخرت العودة بالتالي، فانتقلت العائلة للعيش في منطقة تبعد قليلاً من العاصمة البريطانية. والتحقت أمل خلال مشوارها الدراسي، بأبرز الجامعات البريطانية لتتخرج في “أوكسفورد” حاملة شهادة القانون الدولي وحقوق الإنسان، ثم حصلت على “ماستر” في القانون من جامعة نيويورك.
ارتبط اسمها بالعديد من القضايا البارزة والشائكة. أحبّت العمل في الشؤون الدولية، فانضمّت إلى محكمة يوغوسلافيا الخاصة، حيث تعاونت مع المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية سيرج براميرتز الذي أصبح أيضاً رئيس اللجنة الدولية المستقلّة المكلّفة التحقيق في مقتل الرئيس رفيق الحريري، وطلب منها الانضمام إلى فريق المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. فانتقلت إلى لبنان قبل أن تضطر مرة ثانية لمغادرته بسبب العدوان الإسرائيلي العام 2006. بمعنى آخر طال أمد الحرب الأهلية فبقيت أمل اللبنانية-البريطانية، بعيدة من لبنان، وفي مرحلة ما بعد اغتيال الحريري عادت إلى مسقط رأسها في إطار عملها لتصطدم بواقع أشد مرارة، يبدأ بالاغتيالات السياسية ولا ينتهي بالحروب الإسرائيلية الإقليمية.
كما عملت في العام 2012 مع كوفي أنان، عندما كان المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا. وعملت كوكيلة دفاع عن مؤسس موقع “ويكيليكس” جوليان أسانج، ورئيسة الوزراء الأوكرانية السابقة يوليا تيموشينكو عندما كانت هذه الأخيرة في السجن. وتعرّضت أمل لهجوم من بعض الصحافيين بسبب تعاطفها مع القضية الفلسطينية، ووُصفت في أحد المواقع الإلكترونية بـ”الدرزية الكارهة لدولة إسرائيل”.
وفي أواخر العام 2016، أنشأ أمل وجورج كلوني “مؤسسة كلوني للعدالة”. ولديها برنامج “مراقبة المحاكمات” التي تتعرض فيها حقوق الإنسان للخطر، سعياً لتحقيق العدالة من خلال المحاسبة على الجرائم الدولية وانتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك محاكمات الصحافيين وغيرهم من الفئات الضعيفة والمهمشة ومجتمع الميم. وتساعد المؤسسة الأطفال في بعض مناطق النزاعات في العالم.
وأمل كلوني واحدة من الشخصيات الملهمة. فهي تبرع في كل الأدوار، سواء كونها محامية وناشطة حقوقية، أو كأمّ (لتوأم) وزوجة. كما أن لديها حس رفيع في اختيار الأزياء وتظهر بإطلالات تستحق الاهتمام. اعتُبرت بين الشخصيات الأكثر تأثيراً في بريطانيا، في لائحة The 1000 Power List of 2014 لصحيفة London Evening Standard متغلّبةً على الأميرة كيت ميدلتون. وقد سجلت علم الدين المرتبة الرابعة في تلك اللائحة، وكانت المرأة الأولى فيها بعد ثلاثة رجال. وأكدت الصحيفة البريطانية أن اختيار أمل لم يكن بسبب زواجها من جورج كلوني، بل بسبب دفاعها عن التراث اليوناني والدور الذي تقوم به بين أثينا ولندن لاستعادة بعض التماثيل اليونانية القديمة.
وعلى هامش إنجازاتها المهنية اللافتة، تهتم صحافة الموضة والمشاهير بخزانة ملابس أمل، لا سيما أزياء السهرة، من فساتين أتولييه فيرساتشي الطويلة إلى فساتين قصيرة مطرزة من تصميم ستيلا مكارتني. لكن خزانة ملابسها اليومية أيضاً تبدو مستقطبة للاهتمام. وهي تنافس النجمات العالميات، خصوصاً في مجال الأناقة. وصنّف خبراء الموضة، أسلوبها، بأنه غير اعتيادي، يجمع بين الأنثوي الناعم والعصري، ويبدو في الكثير من الأحيان خارجاً على المألوف. فذات مرة، صدمت أمل متابعيها بإطلالتها المفاجئة في “جامبسوت سترابلس” باللون الأخضر المموج بالذهبي لماع. والأكثر إثارة للاهتمام، تسريحة شعرها الكثيفة ومكياجها الداكن، إذ كانت قبلها معروفة بتسريحتها الطويلة المموجة ومكياجها الهادئ. في العالم 2018، أشارت مجلة ڤوغ إلى أن كلوني لديها “أكثر تسريحات العمل أناقةً في مدينة نيويورك”.
وإذ تتأمل في مسيرتها المهنية الواسعة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، قالت أمل، في أحد اللقاءات، إن طفلَيها التوأم ألكسندر وإيلا، هما مصدر إلهامها لمواصلة عملها.
المدن