بعد احتراق ترشيح «أزعور أند كو»: طاولة حوار أم سلّة حلول أم مرشح ثالث؟
ساذج من يعتقد أنّ النتائج التي أفرزتها الصندوقة الرئاسية، في «اليوم الكبير»، والذي رأى فيه كُثر، تجربة ديموقراطية قلّ نظيرها في التاريخ اللبناني، كانت مفاجئة بالنسبة للكتل النيابية الأساسية. قبل ساعات من دخول النواب الـ128 قاعة البرلمان، كانت تقديرات الماكينات الانتخابية تتقاطع عند رقمين: أول الخمسين بالنسبة لرئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، وآخر الخمسين بالنسبة للوزير السابق جهاد أزعور. ولكلا الرقمين رمزيته.
اذاً كان بنك أهداف الثنائي الشيعي يتركزّ على أربع نقاط أساسية: أن لا يطأ سكور أزعور عتبة الستين صوتاً مهما كلّف الثمن، وأن لا ينخفض حاصل فرنجية دون الخمسين، وأن يكون الفارق بين المرشحين أقل من عشرة أصوات، واستطراداً الخروج من معمودية النار بالدليل القاطع على أنّ فرنجية مدعوم من بلوك متين، مرصوص، خلافاً لخصمه الذي يقف فوق رمال التقاطع المتحركة.
ومعادلة الأرقام هذه كانت حاضـرة أيضـاً على طـاولة حسابات القوى التي تقاطعت حول أزعور، وهـي كانت متيقنة أنّ هامش حصول مفاجآت غير محسوبة، ضئيل، وكانت تدرك سلفاً أنّ هناك صعوبة في تخطي حاجز الستين «النفسي». ولهذا خرج الاصطفافان يوم أمس من الجلسة الـ12، «منتصرين» على طريقة الانتخابات الجامعية التي لا يعترف فيها المتبارون بالخسارة أبداً!
ومع ذلك، انتهت جولة الكباش القاسية، وأقفل رئيس مجلس النواب نبيه بري البرلمان من جديد بالشمع الأحمر… ليكون يوم الخميس «يوماً آخر»، بكل ما للكلمة من معنى.
على ضفّة فرنجية، لا تبدو كلمة انسحاب واردة في هذه اللحظة. لا بل يكفيه أن خرق «التقاطع» بـ51 صوتاً ليثبت، وفق مؤيديه، أنّه يقف على أرضية تحالف صلب لا يهتز، وبأنّه مرشح جدّي غير معزول أو مطوّق كما حاول خصومه تصوير وضعه خصوصاً وأنّ الفارق بينه وبين خصومه اقتصر على ثمانية أصوات، يمكن تعويضها مع الوقت، وفق ما يرى مؤيدوه، اذا ما استعادت المفاوضات الاقليمية زخمها.
زخم التفاهمات الإقليمية
وعند هذه النقطة بالذات، يستفيض المؤيدون بالشرح ليقولوا إنّ المفاوضات السعودية – الايرانية تعاني من «عطب» في مكان ما وتحديداً حول الملف اليمني، الأمر الذي انعكس تعليقاً للاندفاعة السعودية حيال الملف اللبناني. ولكن متى استعاد التفاهم الاقليمي حيويته، ستخلط الأوراق الرئاسية من جديد. يجزم هؤلاء أنّ التسوية الاقليمية تعني انتخاب فرنجية رئيساً للجمهورية. لا ترجمة ثانية لها.
ويؤكدون أنّ الأرقام التي أنتجتها صندوقة الاقتراع، ستزيد فرنجية قناعة بأنّ حظوظه لم تهبط إلى القاع كما يروّج الخصوم، لا بل قد تشهد تعويماً سريعاً اذا ما شهد الاقليم تسارعاً في حركته التفاهمية التي ستصبّ لمصلحته. وبهذا المعنى يرى المؤيدون أنّ ما يحصل هو مجرّد وقت مستقطع، يعمل الحلفاء على استثماره بشكل يحمي مرشحهم ويحول دون حرقه. وهذا ما سعوا إلى اثباته بالعدد في جلسة الأمس.
أكثر من ذلك، يؤكد هؤلاء أنّ المبادرة الفرنسية لم تفقد جوهرها مع تبديل وجوهها، بين باتريك دوريل وجان ايف لودريان، مشيرين إلى أنّ ما يصلهم من الإدارة الفرنسية يثبت أنّ باريس لم تتخل عن ترشيح فرنجية حتى لو انتقل الملف من يدٍ إلى أخرى.
ولكن كيف يمكن تجاوز جاجز رفض القوى المسيحية؟
وفق تقدير بعض مؤيدي فرنجية، يمكن احداث كوة في جدار النواب المسيحيين خصوصاً اذا تحصّن فرنجية بتسوية اقليمية تسمح باستمالة بعض النواب، لا سيما من «تكتل لبنان القوي» خصوصاً اذا تفاقم الخلاف بين رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل والمجموعة المعارضة، فضلاً عن النواب الذين كانوا بمثابة هدايا لـ»التيار»، ليشكلوا معاً الرافعة الميثاقية لفرنجية… ولو أنّ هذه «التوليفة» لا تحلّ عقدة الثلث المعطل ولا حرص الفاتيكان على عدم تجاوز اعتبارات المكوّن المسيحي.
ولكن بالانتظار، يقول بعض المعنيين، إنّ الخميس يوم آخر بعدما احترق ترشيح «أزعور أند كو» الذي انتهت صلاحيته عند الثانية عشرة من ظهر أمس، وبالتالي لا مكان لترشيحات مماثلة، ويفترض بدء البحث بخيارات تفاهمية. ويؤكدون أنّ فريقهم سيتمسك بترشيح فرنجية، حتى لو فهم من كلام الرئيس نبيه بري في ختام الجلسة الانتخابية، أنّه فتح الباب أمام حوار قد ينتج اسماً جديداً، ثالثاً. لكن الفريق الداعم لرئيس «المردة» سيُبقي خلال المرحلة المقبلة على ورقة فرنجية «حيّة» من باب تحسين موقعه التفاوضي. ولكن بالنتيجة، يقول هؤلاء ثمة ممرات جانبية فتحت نتيجة توازن الرعب الذي فرضته جلسة 14 حزيران.
ويؤكدون أنّ كلا الاصطفافين مقتنع باستحالة احداث خرق في الوقت القريب اذا لم يحصل خلط للأوراق قد يفتح المشهدية على أفكار جديدة. والأرجح أنّ زيارة لودريان إلى بيروت من شأنها أن تكون أول الغيث.
أفكار لودريان أول الغيث
يقول مطلعون على الحراك الفرنسي إنّ موعد وصول لودريان إلى بيروت لم يتحدد بعد، مع انّه استهل مهمته بلقاء وزيرة خارجية بلاده كاترين كولونا ويفترض أن يلتقي الرئيس ايمانويل ماكرون قبل أن يستقلّ طائرة بيروت. في هذه الأثناء نشطت الحركة الدبلوماسية الخاصة بالملف اللبناني من خلال الاتصالات الفرنسية مع السعوديين (سيكون بند لبنان ضمن جدول أعمال ماكرون مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان) ومع الأميركيين والمصريين والقطريين.
ويضيف هؤلاء أنّ زيارة لودريان ستأخذ بالاعتبار نتائج وموازين الجلسة الانتخابية الـ12 ويفترض أن يستمع في الجولة الأولى من مهمته إلى آراء القوى السياسية قبل وضع تقييم أولي والانتقال من بعدها إلى صياغة مقترحات.
ويشيرون إلى أنّ تعيين لودريان يدلّ بطبيعة الحال على اهتمام باريس الاستثنائي بالملف اللبناني ولا يعني أبداً ابعاد دوريل عن الملف كونه المسؤول عن شمال افريقيا والشرق الأدنى، ولهذا لا يزال التنسيق ضمن خلية الأزمة.
وفي ضوء الخلاصات التي سبق وبلغتها المبادرة الفرنسية، يُنتظر وضع خارطة طريق جديدة للرؤية الفرنسية ولو أنها لم تتبلور بعد. ولكن ثمة قناعة لدى هذه الإدارة، وفق المطلعين، أنّ العلّة أو الحلّ ليسا في اسم المرشح، بل في مقدرته على تقديم ضمانات لكل الأطراف السياسيين تكون بمثابة خارطة طريق يجب الالتزام بها لتكوين حلّ متكامل قابل للتحقيق.
بالتوازي، تفيد بعض المعلومات عن طرح حواريّ جديد يعمل عليه الفرنسيون من خلال انشاء طاولة حوار تشارك فيها كلّ القوى السياسية، ولم يعرف ما اذا كانت ستقام في فرنسا أم في بيروت. ومع ذلك يقول المطلعون إنّها واحدة من الأفكار المطروحة التي لم تتبلور بعد.
كلير شكر- نداء الوطن