جلسة الأربعاء وما بعدها: صراع وأفق مسدود ومفاجآت عدة!

تتجه الأنظار إلى جلسة الأربعاء البرلمانية، ليس لأنها ستتوج رئيساً للبلاد بعد فشل إحدى عشرة جلسة سبقتها في إنجاز هذا الاستحقاق الدستوري. بل لأنها بمثابة ميزانٍ سيقيس بالأرقام حجم طرفي الصراع على المرشحين سليمان فرنجية وجهاد أزعور.

مفاجآت عدة
ورغم أن أقل من 24 ساعة تفصل لبنان عن موعد الجلسة المحدد، إلا أن هناك نحو 23 نائبًا لم يعلنوا موقفًا رسميًا وصريحًا حول توجهاتهم في التصويت، ما يعني أن نتائج الجلسة ستكون حبلى بالمفاجآت. وباستثناء ما أعلنته اليوم النائبتان بولا يعقوبيان ونجاة صليبا عن توجههما للتصويت لأزعور، ثمة معطيات تشي بأن “تغييريين” آخرين ممن لم يعلنوا خيارهم سيصوتون لأزعور أيضًا. فيما قد يتجه مستقلون آخرون إلى التصويت لفرنجية من دون أن يعلنوا ذلك، كما قد يذهب عدد قليل من النواب إلى التصويت لاسم ثالث قد يكون الوزير الأسبق زياد بارود.

وعليه، فإن الجلسة ستقوم على اصطفاف معروف وغير مسبوق منذ الشغور الرئاسي في تشرين الثاني 2022، ويقوم على الثنائية التالية: تكتل مسيحي عريض يجمع حزبي القوات والكتائب والتيار الوطني الحر، الذين تقاطعوا سويًا مع الحزب التقدمي الاشتراكي ومع مجموعات أخرى من التغييريين والمستقلين على دعم أزعور، مقابل تكتل الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل، مع حلفائهما من مستقلين ونوابٍ سنّة يدعمون ترشيح فرنجية.

برّي وفتح القنوات
وما كان لافتًا اليوم، هو تصريح رئيس مجلس النواب نبيه برّي، أن الجلسة قائمة حتمًا، وتؤجل في حالة واحدة فقط، إذا طلب البطريرك الماروني والأفرقاء ذلك، كما جزم بعدم توجهه إلى الدعوة لحوار منذ أصبح طرفًا في دعم فرنجية، مفضلًا حوارًا يدعو البطريرك إليه أيضًا.

وهنا، يشير مطلعون على موقف برّي لـ”المدن” أن ما قاله ليس تلميحًا للحث على تأجيل الجلسة بعدما فات أوان ذلك، بل هو تمهيد إلى فتح قنوات ما بعد الجلسة. وذلك للقول بأن برّي ومعه حزب الله، منفتحون على التلاقي مع الحراك الفرنسي المرتقب، وللحوار مع القوى المسيحية، سعيًا لإنتاج تسوية رئاسية يكون الثنائي لاعبًا محوريًا فيها، تحت مظلة البطريرك.

السيناريوهات
لكن، ما السيناريوهات التي ستقبل عليها الكتل البرلمانية في جلسة 14 حزيران؟ عمليًا، ثمة عدة ثوابت ستدور حولها السيناريوهات والاحتمالات المرتقبة للجلسة.

أولًا –إذا لم تحصل مفاجأة خارج التوقعات– ثمة حسم شبه نهائي لجهة انعقاد الجلسة بالدورة الأولى، التي لن تنتج رئيسًا بأغلبية الثلثين. وثانيًا، استحالة الوصول إلى الدورة الثانية التي تتيح فرص انتخاب رئيس بالنصف زائدًا واحدًا.

وهنا، يرجح داعمو أزعور أن ينال في الدورة الأولى أصواتًا أكثر من فرنجية بتجاوز الستين صوتًا. وهو ما يدفع البعض إلى الحديث عن السيناريو الأكثر سوءاً والأقل ترجيحًا، وهو أن يغيب النصاب عن الدورة الأولى حتى يتفادى ثنائي حزب الله وحركة أمل حرج مواجهة حصول أزعور على هذا العدد من الأصوات.

في حين، ترجح بعض الأطراف الداعمة لفرنجية أن تكون النتيجة متقاربة في الدورة الأولى، خصوصًا أن هذه الساعات تشهد مروحة واسعة من الاتصالات، لممارسة الضغط على النواب الذين لم يحسموا خيارهم، ومن أجل حثهم على التصويت إما لفرنجية وإما بورقة بيضاء لتضييق هامش الفرق بالنتيجة مع أزعور.

وفي كلتا الحالتين، سيشرع الطرفان سلاح تطيير النصاب في الدورة الثانية إذا ما استشعر الخطر في بوانتاج الأصوات، مع ترجيح أن يستعمل ثنائي حزب الله وحركة أمل هذا السلاح، لأن مختلف التقديرات ترجح حصول فرنجية على أصوات أقل من أزعور.

وبما أن برّي هو طرف ورئيس لهذه الجلسة، تذهب تقديرات الطرفين أن تنتهي الدورة الأولى بإشكال وسجال كبير بين النواب، مقابل عجز برّي عن ضبطه. كما يمكن أن تطالب الكتل الداعمة لأزعور بعدم مغادرة نواب الثنائي وحلفائهما بالدورة الثانية، وأن يجري تقاذف الاتهامات بعرقلة إنجاز الاستحقاق الرئاسي.

ما بعد 14 حزيران
عمليًا، يبدو أن جلسة الأربعاء هي بمثابة استطلاع رقمي للأصوات، وستكون معيارًا حتى يضع كل طرف الخطة باء والسيناريوهات التي سيمضي بها، سواء لجهة التمسك بمرشحه، أو الذهاب لمرشح ثالث.

ورغم أن فرنجية قد يحصل على أصوات أقل من أصوات أزعور، فإن أوساط الثنائي تجد بأن تماسك داعمي ترشيحه أكثر صلابة من تماسك داعمي أزعور. ويعتبرون أن تقاطع الخصوم على ترشيحه يحمل وظيفة محددة: حرق ترشيح فرنجية. وهو ما قد يدفعهم إلى التصلب أكثر في دعمه.

في هذا الوقت تراهن معظم القوى على الانتقال إلى مرحلة البحث عن مرشح ثالث، خصوصًا بعد أن تتضح ملامح المهمة التي سيؤديها الموفد الفرنسي الخاص جان إيف لودريان، في زيارته المرتقبة للبنان. إضافة إلى تعويل غير كبير على ما يمكن أن يصدر من مواقف وإشارات من القوى الإقليمية، وتحديدًا أطراف اللجنة الخماسية، بعد جلسة الأربعاء.

لكن أكثر ما يخشى منه داعمو أزعور، هو انقلاب رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عليهم والرجوع خطوة إلى الوراء، بحثًا عن مرشح ثالث، وعلى قاعدة بأنه لا يمكن انتخاب رئيس خارج إرادة حزب الله. لكن أوساط الثنائي، تشير لـ”المدن” إلى أن التخلي عن دعم ترشيح فرنجية لن يكون بهذه البساطة بمجرد انتهاء جلسة الأربعاء، بل قد يقاتلون حتى النهاية دعمًا لترشيحه، خلافًا لرهانات باسيل ومن تقاطع معهم.

وعليه، قد تكون سيناريوهات ما بعد الأربعاء، أشد استقطابًا وعبثية، في معركة عنوانها الضمني لمختلف الأطراف: تحقيق أكبر مكاسب ممكنة في التسوية التحاصصية المقبلة.

جنى الدهيبي- المدن

مقالات ذات صلة