من أين جاءت الـ141 مليون دولار؟.. قصة أموال شركات الطيران المحتجزة في لبنان؟
شكل بيان الاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA) الصادر مؤخراً عقب اجتماع الجمعية العامة للاتحاد في إسطنبول الأسبوع الماضي، الذي أظهر ارتفاع قيمة الأموال المجمّدة لشركات الطيران في العديد من الدول، ومن بينها لبنان، مصدر قلق وبلبلة بين اللبنانيين، نتيجة التحذيرات الواردة في البيان عن إمكانية توقف شركات الطيران عن العمل في تلك الدول.
وكان بيان الاتحاد كشف أن لبنان يحتجز 141 مليون دولار أميركي، وذلك من ضمن لائحة دول تتقدمها نيجيريا (812) ثم بنغلادش (214) والجزائر (196) وباكستان (188)، يحتجزون وحدهم ثلثي الأموال المحتجزة لشركات الطيران حول العالم، التي ارتفعت قيمتها بنسبة 47% في شهر مارس الماضي مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي، لتصل لحدود 2.27 مليار دولار.
الأمر الذي طرح علامات استفهام بشأن قصة تراكم هذا المبلغ المحتجز في لبنان، وظروف احتجازه التي من شأنها، وفق تحذيرات IATA، أن تهدد استمرارية عمل شركات الطيران المعنية في مطار بيروت.
يشرح نقيب أصحاب مكاتب السفر والسياحة في لبنان، جان عبود، أن قضية هذه الأموال قديمة، وتعود إلى مرحلة بدء الأزمة المصرفية والاقتصادية في لبنان، حين توقفت المصارف عن تحويل الأموال المودعة لديها إلى خارج لبنان أواخر العام 2019، وكان لشركات الطيران في حينها أموال في المصارف التي تتعامل معها في لبنان.
وبحسب عبود، في ذلك الوقت كانت مبيعات وكالات السياحة والسفر لتذاكر الطيران في لبنان تصل إلى نحو ٦٠ مليون دولار شهرياً، بحيث يحول كل وكيل الأموال التي يتقاضاها عن الحجوزات إلى حساب “إياتا”، التي تحولها بدورها إلى شركات الطيران في مختلف دول العالم.
لكن مع وقوع الأزمة المصرفية وتوقف التحويلات إلى الخارج، توقفت هذه العملية، وبلغت قيمة الأموال المحتجزة لـ IATA في لبنان حوالي 158 مليون دولار في حينها، وفق ما يقول عبود في حديثه لموقع “الحرة”.
وسبق للاتحاد الدولي للنقل الجوي أن أصدر بياناً مشابهاً عام 2022 ذكر فيه أن قيمة الأموال المحتجزة في لبنان يبلغ 144 مليون دولار.
وهذا التفاوت في الأرقام يفسره عبود بأن الشركات قد تكون بالغت في تقديراتها الأولية لحجم الأموال المحتجزة، وعادت وصححتها في التقارير الجديدة.
مسؤولية شركات الطيران؟
وكان الاتحاد الدولي للنقل الجوي حث في بيانه الحكومات على احترام الاتفاقيّات الدوليّة، وفك الحجوزات عن أموال شركات الطيران، مشيراً إلى أن هذه الحجوزات غالبًا ما تتم بفعل الأزمات النقديّة والمصرفيّة التي تمرّ بها بعض البلدان، مثلما حدث في لبنان، أو بفعل التعقيدات البيروقراطيّة المرتبطة بتحويل الأموال إلى الخارج، نتيجة شح العملة الصعبة.
بيد أنه وبالنسبة إلى رئيس مجلس إدارة “طيران الشرق الأوسط” محمد الحوت، فإن المسؤولية عن هذه الأموال تقع على عاتق إدارات شركات الطيران نفسها.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يلفت الحوت إلى أنه، وبعد وقوع الانهيار المالي في لبنان أواخر العام 2019، استمرت شركات الطيران ببيع تذاكرها في لبنان على سعر “اللولار”، أي الدولارات التي كانت في المصارف قبل وقوع الانهيار، والتي احتجزتها المصارف واستمرت في احتسابها بالليرة، وفق أسعار صرف متدنية جداً عن السوق.
ومن أكتوبر 2019 حتى يناير 2020، استمر مصرف لبنان بتحويل هذه الأموال إلى الخارج، معلنا أنه سيتوقف عن ذلك مطلع يناير، وكانت شركات الطيران على علم بذلك، بحسب الحوت، إلا أنها استمرت لأشهر بعدها ببيع تذاكرها بـ “اللولار” على أمل أن مصرف لبنان سيعود ويحول الأموال في نهاية الأمر، وهو ما لم يحصل.
ويضيف الحوت “شركات الطيران الأجنبية هي التي قررت على مدى تلك الأشهر أن تستمر بالبيع بالدولار المحلي العالق في المصارف، رغم انه كان معروفاً ومعلناً أن مصرف لبنان لن يستمر بتحويل الدولارات إلى الخارج، وبالتالي هذه مسؤوليتهم وليست مسؤولية لبنان”.
وفي ذلك الوقت، تسبب احتجاز أموال شركات الطيران بعرقلة كبيرة واحراج لوكالات السياحة والسفر في لبنان، الأمر الذي دفع نقابة مكاتب السفر إلى عقد اجتماع مع الاتحاد الدولي للنقل الجوي وشركات الطيران الأجنبية، بحسب ما يوضح عبود، تقرر على أثره تحويل طريقة الدفع من الشيك والتحويلات المصرفية إلى “الفريش دولار” ابتداء من تاريخ 1-6-2020، “الأمر الذي حافظ على عمل شركات الطيران في لبنان بعد الصيغة التي أعادت حفظ حقوق الجميع”، وفق عبود.
ويضيف “في بداية العام 2020، زار وفد من الاتحاد الدولي لبنان وجرى التواصل بشأن المشكلة مع وزيري السياحة والنقل، وكانا متجاوبين، لكن تمَّ طلب موعد من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للبحث في الموضوع، إلا أنه لم يكن هناك تجاوب ولم يلتقِ الوفد بالحاكم، وبقيت أموال شركات الطيران محتجزة.”
6 أشهر فصلت ما بين توقف مصرف لبنان عن تحويل الأموال، وبدء تقاضي الشركات لأموالها بالفريش دولار، خلال هذه الفترة بحسب رئيس مجلس إدارة “طيران الشرق الأوسط” راكمت الشركات معظم تلك الأموال من استمرارها بعمليات البيع طوال تلك المدة التي شهدت تغييرات كبيرة في لبنان.
ويضيف الحوت “هناك في المقابل شركات لم يعلق لها أي فلس في لبنان لأنها فوراً أوقفت البيع بالدولار المحلي في المصارف اللبنانية، وبالتالي سوء التقدير مسؤولية الشركات”، مذكراً أن معظم اللبنانيين والكثير من الشركات لديها أموال عالقة في المصارف، “هناك نحو 100 مليار دولار عالقة في المصارف اللبنانية، وليس الأمر حكراً على شركات الطيران وحدها.”
ويذكر الحوت، من جهة أخرى، أن شركات الطيران الأجنبية “استمرت منذ العام 2019 وحتى شهر أغسطس من العام 2022، لنحو سنتين ونصف تستفيد من دفع رسوم المطار في بيروت على حساب سعر الصرف القديم (1500 ليرة للدولار)، أي يمكن أن نقول “ببلاش”، محققين أرباحاً، ألم يروا ذلك؟”
ويطرح الحوت تساؤلات بشأن الأرقام المعلنة للأموال المحتجزة معتبر أنه “من غير الواضح بعد كيف جمع هذا المبلغ وعلى أي أساس”.
وتواصل موقع “الحرة” مع الاتحاد الدولي للنقل الجوي، من أجل الوقوف على وجهة نظره من القضية، دون الحصول على رد حتى نشر هذا التقرير.
لا داعي للخوف
وكان مدير عام الاتحاد الدولي للنقل الجوي، ويلي والش، أشار إلى أن “شركات الطيران لا يمكنها الاستمرار بتقديم الخدمات في الأسواق التي تحتجز تحويل عائداتها إلى وطنها الأم”.
وأضاف في تصريحات، خلال انعقاد مؤتمر الاتحاد في إسطنبول، أن الحكومات تحتاج إلى العمل مع شركات الطيران “حتى تتمكن الناقلات من الاستمرار في توفير حركة النقل الضرورية لدفع النشاط الاقتصادي وخلق فرص العمل”.
وعما إذا كان الأمر قد يهدد عمل شركات الطيران في مطار بيروت، يخلص الحوت إلى أن قضية هذه الأموال قديمة، وشركات الطيران منذ أن علقت الأموال، قبل 3 سنوات وحتى اليوم، لا زالت تعمل في لبنان ولم يكن هناك أي تداعيات، معتبراً الأمر لا يتعدى كونه تقارير دورية تصدر بصورة مستمرة دون أن تحمل تداعيات لا من قريب ولا من بعيد، مؤكداً أن “شركات الطيران تتسابق اليوم على سوق بيروت، لما بات يحققه من نمو مرتفع.”
والأمر ذاته يؤكده نقيب أصحاب مكاتب السفر في لبنان، معتبراً أنه “ليس هناك اليوم مشكلة حقيقية أو خطر يهدد عمل شركات الطيران في بيروت في حين سوق لبنان اليوم يستعيد عافيته سريعاً جداً ويسجل نمواً مرتفعاً في حين تتراجع أسواق تذاكر الطيران حول العالم وهناك مطارات تقفل.”