لا يهم من ينجح في الوصول إلى الرئاسة: السؤال ماذا بعد الرئاسة؟
بعيداً من الاصطفافات بين هذا المرشح أو ذاك، هناك سؤال أساس يجب طرحه، ماذا بعد الرئاسة؟ هذا السؤال لم يطرح في العام 2016 عندما انتخب ميشال عون رئيساً للجمهورية، وهو أحد الأسباب الأساسية التي أوصلت البلد الى جهنم خلال 6 سنوات من عهده، فقد كانت الرئاسة يومها هي الهدف وليست الوسيلة، واليوم الأمور هي نفسها ولكن بطريقة مختلفة، فالهدف لا يزال الرئاسة ولكنها أشبه بمواجهة بين محورين، محور الممانعة، الذي يعتبر جهاد أزعور مرشح أميركا، ومحور المعارضة الذي يرى في سليمان فرنجية مرشح الممانعة، أو على الأقل هذا ما يسوّق له كلا الطرفين. وعلى الرغم من كل مساوئ 2016، إلا أنها أنتجت لفترة وجيزة توافقاً وتسهيلاً في الحكم، بسبب عدم وجود مرشح غير عون في حينه، أما اليوم فنحن أمام مرشحين، نقيضين لبعضهما البعض من جهة الانتماء.
الأساس في الاستحقاق الرئاسي هو ما بعده، أي تشكيل حكومة تستطيع العمل فعلياً، ولا يكون التعطيل والفراغ هما ما يحكمان نهج الرئيس المقبل. وفي ظل هذا الانقسام بين الفريقين في البلد، لا يبدو أن هناك أملاً لأي حكومة في أن تبصر النور بسهولة، ولن يمكنها العمل في ظل هذه التشنجات، حتى لو كان وزراؤها أنبياء وملائكة.
من التجارب السابقة في تشكيل الحكومات، سيصطدم رئيس الحكومة المقبل بالعراقيل نفسها، إلا ربما التعطيل من قصر بعبدا، حيث إن كلا المرشحين يتعهدان بعدم انتهاج العونية المعرقلة للحكومات، ولكن سيواجه بمطالب الأحزاب التي لا تتخلى عنها، وهو بحاجة إلى هذه الأحزاب وكتلها لينال الثقة.
الثنائي الشيعي سيطالب بوزارة المال حتماً، هذا أمر غير قابل للجدل فيه، ويعتبر “التوقيع الثالث” عرفاً ثابتاً، ولن يكون بإمكان رئيس الحكومة المقبل تخطيه بسهولة.
“القوات اللبنانية” ستطالب بوزارة سيادية، وفي ظل حسم وزارة المال للشيعة والداخلية للسنة، تبقى الدفاع والخارجية، وهنا ستقع الأزمة، فـ “التيار الوطني الحر” سيطالب بالخارجية حتماً، ولن يقبل التزحزح عنها، بل قد يضعها ضمن الشروط لتسمية رئيس الحكومة، وتبقى وزارة الدفاع التي يضع عليها “حزب الله” فيتو عريضاً لعدم تولي أي قواتي لها، وبالتالي كائناً من يكون الرئيس سيواجه معضلة كبيرة في مسألة الوزارات السيادية.
“التيار الوطني الحر” لن يتخلى بأي شكل عن الوزارة التي تبيض له ذهباً، أي وزارة الطاقة، وهذا يعني أن رئيس الحكومة المقبل سيخوض معركة مع التيار في ظل رفض غالبية القوى السياسية إعادة توليه حقيبة الطاقة، وهنا سوف تواجه الحكومة مسألة الثقة مع التيار أيضاً.
ولا نعرف ما الذي يمكن أن تشكله بقية الوزارات من عقبات لرئيس الحكومة المقبل مع القوى السياسية، بوجود قوى جديدة في مجلس النواب، قد تطالب بوزارات معينة من أجل إثبات وجودها في الساحة أمام ناخبيها.
ولهذه الأسباب وغيرها، إن حصول أي تسوية بغالبية مطلقة، أي النصف زائد واحد سيتسبب بمشكلة كبيرة في الحكم، حتى لو كان رئيسا الجمهورية والحكومة المقبلان متفقين الى أبعد الحدود، فالأزمة ستكون في مجلس النواب المنقسم هذا الانقسام العمودي، وفي ظل وجود فيتوات من كل القوى السياسية الأساسية، التي لا تقبل النقاش والتحاور، وتضع مطلبها على الطاولة وتتسلق شجرة التصعيد، وتعمل وفق مبدأ “أنا ومن بعدي الطوفان”.
لا يهم من ينجح في الوصول إلى الرئاسة إذا لم يكن هناك حد أدنى من التوافق، ورئيس جمهورية بـ 65 صوتاً يسبب مشكلة كبيرة في البلد، والتاريخ يشهد على ذلك، فالمرة الأخيرة التي وصل فيها رئيس جمهورية بفارق صوت واحد، حصلت حرب أهلية، هذا لا يعني أن حرباً تلوح في الأفق إذا حصل ذلك اليوم، ولكن سيكون هناك خلاف سياسي وانقسام عمودي، يشل البلد أكثر مما هو مشلول، إلا إذا نزل الجميع بعد انتخاب الرئيس عن شجرة التصعيد، وأبدوا تعاونهم، وتنازل كل طرف سياسي لمصلحة البلد، وهذا مستبعد في ظل العقلية التي أصبح اللبنانيون معتادين عليها لدى حكامهم، تحديداً أن هناك من يرفع شعارات غير قابلة للتطبيق في ظل التركيبة القائمة، ويطرحها من باب شد العصب لا أكثر، وقد يكون من الصعب عليه الجلوس على الطاولة نفسها مع من يرفع هذه الشعارات ضده.
محمد شمس الدين- لبنان الكبير