“مكتومو القيد”… أزمة جديدة بين الحكومة اللبنانية ومفوضية اللاجئين

تقدم النائب من تكتل “لبنان القوي” جورج عطا الله باقتراح قانون معجل مكرر من مادة وحيدة، تقول “خلافاً لأي نص آخر لا يمكن بأي شكل من الأشكال، إعطاء أو منح مكتومي القيد من مواليد 2011، وما بعده، الجنسية أو الإقامة اللبنانية تحت أي عذر أو بسبب أي ظرف آخر، لا قضائياً ولا إدارياً ولا بموجب أي مرسوم جمهوري أو أي طريقة أخرى”.

وبدأت لجنة الإدارة والعدل دراسة الاقتراح، ووضع الملاحظات عليه، تمهيداً لإقراره. وتقول النائبة غادة أيوب إن الأسباب الموجبة لدراسة هذا القانون ظهرت بعد الأزمة الناشئة بين المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة والحكومة اللبنانية، والخلاف حول تسليم بيانات النازحين المسجلين بعد عام 2015، وهو التاريخ الذي قررت فيه الحكومة اللبنانية وقف التسجيل الرسمي لهؤلاء، ناهيك بتقصير كثير من السوريين في تسجيل مواليدهم، في السفارة السورية.

“هناك تخوف من تجنيس مقنع”، بحسب أيوب، التي توضح “فيما يتعلق بمكتوم القيد اللبناني هناك مسار قضائي، ويمكن اللجوء إلى فحص الحمض النووي لتثبيت البنوة بموجب حكم، ولا يمكن منح تلك الصفة للسوريين الذين يصبح غير المسجلين (مكتومي قيد) في بلادهم”، مستدركة “هناك شكوك بقيام بعض المخاتير في مناطق الأطراف بالتواطؤ لإكساب تلك الصفة لنازحين دون وجه حق، مما يعرضهم للملاحقة بموجب قانون العقوبات”.

وتقول أيوب “تشهد اللجنة نقاشاً قانونياً حول مدى تقييد هذا الاقتراح لصلاحيات رئيس الجمهورية الذي يمكنه، وبصورة استثنائية منح الجنسية بمرسوم بعد موافقة ثلثي الحكومة، ووزيري الداخلية والمالية”. وتضيف “خلال جلسات الإدارة والعدل طالبنا بحضور ممثلي مديرية الأمن العام، ووزارة الداخلية لمعرفة أعداد النازحين، وشرائحهم، والاطلاع على تفاصيل الملف، إلا أن أعداد (مكتومي القيد) والولادات ما زالت غير واضحة لأن التسجيل توقف بعد 2015″، لافتة إلى وجود مخاوف دائمة في ظل نزوح السوريين حاضراً، واللجوء الفلسطيني في السابق، مما يؤدي إلى تغيير ديموغرافي في لبنان، مؤكدة “انتفت صفة النزوح عن جزء كبير من السوريين، وتحديداً بعد قيام هؤلاء بالانتخاب في سوريا قبل عودتهم إلى لبنان”.

مواليد دون تسجيل

تستغرب أوساط متابعة لملف النازحين السوريين “التضخيم” الذي يحيط ملف الولادات، وتشير إلى قيام الأمم المتحدة بتنظيم عملية تسجيل الولادات، والإشراف عليها، وهي “تشترط أن يكون المولود السوري مسجلاً من أجل تقديم المساعدة المالية والاجتماعية لذويه”، كما أن دوائر النفوس اللبنانية تستقبل يومياً النازحين السوريين من أجل تنظيم وثائق الولادة، حيث تنظم له “وثيقة ولادة” كالتي تنظم للمولود اللبناني، وتقدم إلى دائرة “وقوعات الأجانب” في المديرية العامة للأحوال الشخصية مصحوبة بجوازي سفر الوالدين، ثم ترسل نسخة منها للسفارة.

من جهة أخرى، ينفي المختار مروان الوريدي (وادي خالد) ما أشيع عن تزوير بعض مخاتير عكار وثائق ولادة لصالح النازحين السوريين، مؤكداً “لقد عملنا مع الأجهزة الأمنية للتحقق مما نشرته بعض وسائل الإعلام، ولكن اتضح أن المعلومات تعوزها الدقة، لأن القيود تستند إلى شهادة ولادة صادرة من مستشفى، حيث تحدد قيام إحداهن بولادة طفل، ولا يمكن للمختار طلب من كل والد فحص حمض نووي لتنظيم الوثيقة”.

على الضفة اللبنانية تستمر مشكلة “مكتومي القيد” دون حل. وبالعودة إلى “قانون قيد وثائق الأحوال الشخصية الصادر في 1951″، فإنه “عند حدوث الولادة يتوجب على الأب أو الأم أو الولي أو الطبيب أو القابلة تنظيم وثيقة الولادة خلال 30 يوماً التي تلي تاريخ الولادة موقعة من شاهدين ومصدقة من المختار على صحة التواقيع. بعد انقضاء سنة على تاريخ الولادة لا يمكن قيد المولود إلا بمقتضى قرار قضائي يصدر في غرفة المذاكرة بناءً على طلب النيابة العامة أو صاحب العلاقة”. وعليه، بعد مرور سنة على ولادة الطفل دون تسجيل يصبح المولود لبنانياً أو أجنبياً من “مكتومي القيد”، ولا بد من صدور حكم قضائي من أجل قيده في سجلات الأحوال الشخصية الرسمية.

تضخمت مشكلة “مكتومي القيد” في لبنان لأسباب تاريخية، وإدارية، ومستوى الوعي لدى الأهالي. وتؤكد برنا حبيب منسقة جمعية “رواد حقوق” عدم وجود إحصاء دقيق لتلك الشريحة، ولكن تشير التقديرات العائدة لعام 2012 أن عددهم يقارب 50 ألف مولود لديهم جذور لبنانية، مشددة على “حق جميع الأشخاص بالوجود القانوني، وممارسة الحقوق والواجبات تجاه الدولة التي يقيم فيها، وتنمية المجتمعات”.

وتطالب حبيب “وجوب عدم الخلط بين فئة “مكتومي القيد”، وأبناء اللاجئين السوريين، لأن الفئة الأخيرة، يمكنها القيد في بلادها”، لافتة إلى أن “صعوبات آليات التسجيل في لبنان، تعقد اكتساب جنسيتهم الأصلية مستقبلاً، وهنا قد يظهر الخطر في تحولهم إلى (عديمي الجنسية)، كما يؤدي عدم التسجيل إلى جهل الدولة لأعداد المواليد والمقيمين فيها، وهذا الخطأ الذي وقعت فيه الدولة اللبنانية”.

القيود المدنية للجميع

تكشف برنا حبيب عن اقتراح قانون بواسطة النائب أسامة سعد لقيد وثائق الأحوال الشخصية في لبنان، حيث يشمل جميع الأشخاص في لبنان، مع إضافة الصفة القانونية التي ينتمي إليها، سواء كان مواطناً أو أجنبياً. ومن ثم، يصبح للدولة سجلات لجميع سكان الدولة اللبنانية.

تجزم حبيب “لا وجود لـ(مكتوم قيد) بالولادة، ولكن هناك من يكتسب هذه الصفة، بالتالي لا بد من تنظيم القيود الإدارية، وتبسيط إجراءاتها، واعتماد الميكنة الشاملة، وإنشاء الرقم الوطني للبناني، والرقم التعريفي للمقيم الفرد”. ومن ثم، لا تعود عملية التسجيل رهن مزاج الأهل وتقصيرهم، وإنما يفتح باب المشاركة للأطباء والمؤسسات الطبية في التصريح لتسجيل المواليد بصورة تلقائية، وفي حالة الزواج تقوم بذلك المحاكم عبر المنصة الرقمية. ويؤدي هذا الاقتراح إلى معالجة مشكلة “مكتومي القيد” بسبب عدم تسجيل الأهل للولادات وعقود الزواج، ويبقى هناك الشق الآخر من المشكلة، أي ما يتصل بإثبات الجنسية.

“عديمو الجنسية” في لبنان

عام 1932 أجرت الدولة اللبنانية إحصاءً لتحديد مستحقي صفة المواطن، ومنحت الجنسية للمقيمين ضمن أراضي لبنان الكبير، فيما حرم الكثير من تلك الصفة لأسباب مختلفة، إما بسبب عدم إدراكهم لأهمية نظام الجنسية، أو الخوف من الخدمة العسكرية. ويعيش هؤلاء على هامش المجتمع، ويتجولون بموجب إفادة مختار صادرة وزارة الداخلية، وتعرف بـ”إفادة التعريف باسم”.

في وادي خالد (في أقصى الشمال)، لا يتمتع عديد من العائلات بالوجود القانوني، إما لأنهم لم يقوموا بتسجيل زيجاتهم، أو ولاداتهم خلال فترة السنة، أو لأنهم ورثوا تلك الصفة من أبويهم “مكتومي القيد”، أو لأنهم لم يحصلوا على الجنسية اللبنانية في عام 1932، أو بموجب مرسوم عام 1994.

ويتحدث المختار مروان الوريدي عن “قيام بعض العائلات بتسجيل أحد أولادها، فيما أغفلت تسجيل آخر ضمن إحصاء 1932، ومع مرور الزمن أصبح هناك في العائلة الواحدة لبنانيون، و(مكتومو القيد)”، كما ينسحب هذا الأمر على معاملات الحصول على الجنسية، إذ سقطت بعض الأسماء من دون مبرر في مرسوم 1994، حيث يستمر 13 شاباً بطلب الحصول على الجنسية اللبنانية على غرار أعضاء عائلتهم الآخرين بسبب عدم صدور أسمائهم في المرسوم”.

ويشير الوريدي إلى أن “العائلات (مكتومة القيد) محدودة وعددها نحو 50 عائلة”، ومن ثم فإن هناك حاجة لحل هذه الشريحة بحل استثنائي، وتجنيسهم لن يؤدي إلى أي تغيير ديموغرافي، كما يطالب بمنحهم بطاقة لـ”المكتومين” صادرة من الأمن العام بعد الاستقصاء عنهم على غرار الإقامة التي تمنح للأجنبي.

اندبندنت

مقالات ذات صلة