ما بعد جلسة 14 حزيران لن يكون كما قبلها: قراءة في “البوانتاج” الأخير!
يبدو أن التكتلات النيابية الرئيسة حسمت أمرها بالنسبة إلى جلسة الانتخابات الرئاسية في 14 حزيران 2023، وسنجري تقويماً سياسياً وفق ما أعلنته هذه التكتلات وتأييدها للمرشحَين المتنافسَين: جهاد أزعور وسليمان فرنجية!
لا شك في أن أكثرية التكتلات، بحسب ما أعلنت ستصوّت لأسماء وليس بالورقة البيضاء، وإذا صدقت فسنكون أمام الأرقام التالية:
لن يتجاوز فرنجية الـ 44 صوتاً، من خلال اقتراع كتلة “التنمية والتحرير” (16 نائباً)، كتلة “الوفاء للمقاومة” (15 نائباً)، تكتل “الوفاق الوطني” (5 نواب: فيصل كرامي، حسن مراد، محمد يحيى، عدنان طرابلسي وطه ناجي)، “التكتل الوطني” (4 نواب: طوني فرنجية، فريد الخازن، ملحم طوق وميشال المر)، مستقلون (4 نواب: جهاد الصمد، حيدر ناصر، جورج بوشكيان وعبد الكريم كبارة).
أما أزعور فسينال ما لا يقل عن 58 صوتاً، من خلال اقتراع كتلة “الجمهورية القوية” (19 صوتاً)، تكتل “لبنان القوي” (17 نائباً إذا التزم الجميع، إلا أنه يتوقّع حصول بعض الخروق)، كتلة “اللقاء الديموقراطي” (8 نواب)، كتلة “الكتائب” (4 نواب)، كتلة “تجدد” (4 نواب: ميشال معوض، أشرف ريفي، فؤاد مخزومي وأديب عبد المسيح)، مستقلون (3 نواب: بلال الحشيمي، غسان سكاف وميشال ضاهر)، تغييريون (3 نواب: ميشال دويهي، وضّاح صادق ومارك ضو).
أما النواب الذين لم يعلنوا موقفهم بعد، فيقدّر عددهم بـ 26 نائباً، وهم: تغييريون (9 نواب، قد يصوّت بعضهم لأزعور)، تكتل “الاعتدال الوطني” (6 نواب: أحمد الخير، وليد البعريني، محمد سليمان، سجيع عطية، عبد العزيز الصمد وأحمد رستم)، كتلة الأرمن (نائبان) ومستقلون (9 نواب: شربل مسعد، أسامة سعد، إيهاب مطر، جان طالوزيان، عبد الرحمن البزري، جميل عبود، نعمت افرام ونبيل بدر اللذان يميلان إلى أزعور، وعماد الحوت).
أمام هذه الخريطة لتوزّع أصوات النواب انتخابياً، نستخلص الآتي:
لا يمكن لمرشّح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية أن يتخطى الـ 50 صوتاً، وبذلك تكون قد سقطت كل مزاعم الثنائي بأنه المرشّح الأقوى والجدي والوفاقي، بل يكون قد سقط ترشيحه نهائياً بسبب تصويت الأكثرية لمرشّح آخر، وبالتالي على الثنائي الشيعي الإقرار بالهزيمة، والنزول عن الشجرة والبدء في البحث عن إسم آخر أو التخلي عن شروطه والانفتاح على المعارضة لصنع الرئيس، وإلا سيستمر الشغور طويلاً وسيتحمّل الثنائي مسؤوليته، لأنه يمثّل فريق الأقلية ويحاول الاستقواء بوسائل أخرى لا علاقة للدستور بها، ويفرغ الديموقراطية من معناها الحقيقي. ويمكن القول ان هذا الثنائي الذي سينسحب نوابه من الدورة الثانية لإفقاد النصاب، ينكّل بالديموقراطية، ويعلّقها على البلانكو، ويعتقلها تحت سابع أرض حارماً المجلس النيابي من المنافسة الفعليّة! ومواويله لم تعد تقنع أحداً، فتارة أزعور مرشّح غير جدي، وطوراً هو مرشّح مواجهة، كلها ذرائع واهية لا أساس لها من الصحة، إلا ارضاء لمزاج الثنائي المهيمن، الرافض لرئيس توافقي حقيقي لمصلحة فرنجية مرشّح “الممانعة” الذي يرمز إلى التحدي!
أما أزعور الذي سينال العدد الأكبر من الأصوات، فسيبرهن أنه المرشّح الجدي الذي اختارته المعارضة كمرشّح توافقي، وستحقق المعارضة انتصاراً في المنازلة الانتخابية، ليُدرك الخصوم أن هناك توازنات في البلد يجب أن يحترموها، وستضع الثنائي في الزاوية بعد أن يلجأ إلى تعطيل الجلسة بحيث تجري الوقائع أمام أنظار المجتمع الدولي. ولا شك في أن النتائج ستفرض نفسها، وربما تفتح الطريق للبحث بطريقة غير مباشرة بين المعارضة والثنائي الشيعي عن مرشّح ثالث، قد يكون مثلاً قائد الجيش العماد جوزيف عون أو غيره.
في المقابل، ما ليس مبرراً في المعركة الانتخابية المنتظرة هم النواب الرماديون، الذين لا يزالون يمارسون سياسة عبثيّة وينتظرون مرشحاً من كوكب آخر، أو يسعون إلى التمايز من دون مبرر سياسي منطقي على طريقة “خالف تُعرف”، وهؤلاء يتصرفون عكس المزاج الشعبي الذي انتخبهم، ويقدّمون خدمة لمشروع محور الممانعة الذي أعاد لبنان إلى العصر الحجري. لكن ليس ثابتاً أن عدد الذين سيصوّتون بالورقة البيضاء هو 26 نائباً، لأن البعض منهم متردد أو يميل إلى أزعور وما قد يخسره الأخير من بعض أصوات نواب تكتل “لبنان القوي” المعترضين على رئيسهم جبران باسيل، سيكسبه من بعض المستقلين. وربما يلجأ البعض من هؤلاء إلى التصويت لإسم ثالث، لتسجيل اعتراضهم على الانقسام العمودي بين فريق المعارضة من جهة والثنائي الشيعي من جهة أخرى.
وليس سراً أن زيارة وزير خارجية فرنسا السابق جان ايف لودريان إلى لبنان قد تؤثّر في مسار المعركة الانتخابية يوم 14 حزيران، وقد تتغيّر بعض الأرقام لكن ليس على نحو جذري. ومن الواضح أن ما بعد هذه الجلسة لن يكون كما قبلها، بحيث سيصبح التدخل الدولي أكبر وأكثر حزماً وخصوصاً من خلال الدول الخمس المعنية بالشأن اللبناني. إلا أن النتيجة المباشرة التي سيحققها الفريق المعارض سيكون إسقاط أي مرشّح محسوب على “حزب الله” أو محور الممانعة الذي يبدو غير مرغوب به لبنانياً عموماً ومسيحياً خصوصاً، وثمة حاجز منيع أمام تكرار عهد ميشال عون لأن الشعب اللبناني ضاق ذرعاً بهذه النوعية من الرؤساء الذين يربطون لبنان بساحات مشتعلة بالنار، ما ينعكس عليه انهياراً وفقراً وبؤساً!
جورج حايك- لبنان الكبير