بدأت خطّة الفرض التهديدي: لماذا أعاد “حزب الله” لغة التهويل وهل تجدي نفعاً؟

لم يجد “حزب الله”، بعد انضمام كتلة “اللقاء الديموقراطي” برئاسة النائب تيمور جنبلاط إلى القوى المؤيّدة لترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، سوى اللجوء الى… فرقة التهديد!

لا جديد في ذلك، فهذه عادة “حزب الله” كلّما وجد نفسه “محشوراً” سياسياً في لبنان، فهو يعتبر أنّ التهديد يعطي ثماره، بعدما اختبر، على مدى سنوات طويلة، فاعليّة هذا السلاح الفتّاك على شخصيات وقوى سياسيّة عدة.

واللجوء إلى التهديد لم يعد يفاجئ اللبنانيّين، بل عدم اللجوء إليه هو المفاجئ، فهم عند كل استحقاق ينتظرون عودة “حزب الله” من عالم “اللسان المعسول” إلى طبيعته!

ولكن هل سيجدي التهديد، هذه المرّة، نفعاً؟

في المبدأ، لا، فالقوى السياسيّة اللبنانية على اختلافها تُدرك أنّ تفعيل قرار الاغتيال ليس ممنوعاً فحسب، بل غير منتج أيضاً، في حين أنّ إعادة سيناريو السيطرة العسكرية والأمنية على الأرض، وفق السيناريو الذي عرفته بيروت والجبل في السابع من أيّار (مايو) 2008، لا طائل منه، لأنّ “حزب الله” عمليّاً يسيطر على الجغرافيا اللبنانيّة، وبالتالي فهو، في هذه الحالة، في وضعية من يدفع ثمناً غالياً من أجل أن “يدق الماء”!

وهذا يدركه “حزب الله” ولكنّه “يجرّب حظّه”، وهو كلاعب “بوكر” يبلف ورهانه على ضرباته السابقة المنتجة. وفي هذا “البلف” يستهدف “حزب الله” المكوّنات النيابيّة الرخوة التي يخشى من أن تتأثّر بقوة الدفع التي يمكن أن ينتجها خروج “اللقاء الديموقراطي” من خانة “اللا قرار” الى خانة “التصويت”.

ويأمل “حزب الله” أن ينتج التذكير بقوّته الترهيبيّة “الكيانات الرخوة” الموجودة في تيّارات حليفة (سابقاً) كـ”التيار الوطني الحر”، أو في قوى يلعب معها من تحت الطاولة مثل “كتلة الاعتدال السني” وشخصيات مستقلّة و”تغييريّة”.

وهدف “حزب الله” من وراء ذلك واضح: منع المرشّح جهاد أزعور من الوصول، في الدورة الأولى لجلسة الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع عشر من حزيران (يونيو) الجاري من تخطي عتبة الستين صوتاً، لأّنه، في حال تُركت الأمور على اندفاعتها الحاليّة، فإنّ أصوات أزعور يمكنها أن تتخطى عتبة النجاح في الدورة الثانية، أي الـ65 صوتاً!

وهذا يعني أنّ “حزب الله” بدأ يستعمل سلاحه غير الشرعي من أجل إبقاء مرشّحه سليمان فرنجية في المعركة، بعدما أضعفه تقاطع غالبية القوى السياسية المسيحية ضدّه وغالبية المكوّنات الوطنية أيضاً، وأصبح “ورقة” بيد “الثنائي الشيعي” حصراً.

وبلجوء “حزب الله” إلى لغة التهديد انتهت السياسة في معركة الاستحقاق الرئاسي، وبدأت خطّة الفرض التهديدي. وبذلك تكون قد انتفت العملية السياسية، وبات مطلوباً من القوى المعارضة لسليمان فرنجية أن تنتقل إلى مستوى آخر، إذ لا بدّ لها من أن تبدأ مرحلة المواجهة.

ولا يقصد بالمواجهة هنا اللجوء الى سلاح شبيه بسلاح “حزب الله”، فهذا مستحيل تقنياً كما أنّه مرفوض وطنياً، إنّما المقصود أن تنتقل القوى المناوئة لترئيس سليمان فرنجية من مرحلة عرض مرشّحها للمقايضة الى مرحلة التمسّك به بقوّة، وإدارة محرّكات التواصل مع المجتمعين العربي والدولي لتسليط الضوء على البعد الترهيبي الذي أدخله “حزب الله” الى المعادلة الرئاسيّة.

وثمّة محاولة جديّة من القوى السياسية التي آزرت ترشيح جهاد أزعور، للصمود، لأنّ خضوعها، في فترات سابقة، انعكس عليها وعلى البلاد، كوارث وويلات، وهي، وفق ما تقول في كواليسها، ليست في وارد تكرار التجارب السابقة، لأنّها، هذه المرّة، لن تتمكّن من العثور على خشبة خلاص، إذ لن تكون في بحر هائج بل في محيط من الوحول المتحرّكة!

وثمة اعتقاد سياسي راسخ بأنّ القوى المناوئة لترئيس سليمان فرنجية، في حال نجحت في تخطي جلسة الرابع عشر من حزيران (يونيو) الجاري، سوف تنتقل إلى حقبة جديدة، تكون فيها الأرجحيّة للغة العقل والتواصل والإنتاج.

وتفيد المعلومات بأنّ ثمة اتفاقاً ضمنياً بين جهاد أزعور والقوى التي رشّحته للرئاسة، على العمل ضمن معادلة واضحة: امتصاص التهديد الذي بدأه “حزب الله”، قبل مدة، بصورة تجمع أزعور والشهيد محمّد شطح المنسوب اغتياله إلى “حزب الله”، من جهة، والمحافظة على أدبيات التهدئة والتواصل، من جهة أخرى.

ويبدو أنّ أزعور تجاوز بنجاح امتحان “الترهيب والترغيب” الذي خضع له، وبقي صامداً في المعركة الانتخابية.

وهذا لا يضيف نقطة إيجابية على ملف ترشيحه فحسب، بل يلقي الضوء، أيضاً، على ما يملك هذا المتنقل في كواليس القرار الدولي والعربي، بفعل موقعه الرفيع في “صندوق النقد الدولي”، من معلومات عن تقاطعات دولية وإقليمية تجري، بعيداً من الأضواء، في خصوص لبنان.

وفي هذا السياق، لا يمكن إهمال الحراك الأميركي والفرنسي والقطري والسعودي الذي تفاعل في الأيّام القليلة الماضية، ولا تفريغ الرئاسة الفرنسية لشخصية من العيار الثقيل، مثل جان – إيف لودريان، للاهتمام بالملف اللبناني.

إذن، لا تراجيدية في لجوء “حزب الله”، مجدّداً، إلى التهديد، ولكن، على قاعدة عدم التراخي!

فارس خشان- النهار

مقالات ذات صلة