الحزب “حائراً” في مواجهة المتغيّرات: هل انتصر “المحور” فعلا… أو هو “المخاض”؟؟
على الرغم من انشغال قيادة الحزب بمتابعة ملفّ الانتخابات الرئاسية وتحديد الموقف المطلوب إزاء التطوّرات المتسارعة في هذا الملفّ بعد تبنّي قوى المعارضة والتيار الوطني الحر واللقاء الديمقراطي دعم الوزير السابق جهاد أزعور، فإنّ المؤسسات الاستشارية والفكرية والمجالس الأساسية في الحزب والبيئات القريبة منه تخصّص الكثير من اللقاءات الحوارية والنقاشات بعيداً عن الأضواء لقراءة طبيعة المتغيّرات الدولية والإقليمية وتأثيرها على دور الحزب ومشروعه المستقبلي في لبنان والمنطقة.
في هذا السياق تعقد بعض مؤسّسات الحزب لقاءات موسّعة مع عدد كبير من المفكّرين والخبراء والباحثين السياسيين من أجل وضع دراسات تفصيلية عن التطوّرات الدولية بعد الحرب في أوكرانيا وفي ظلّ تنامي الصراع الدولي، ومرحلة ما بعد الاتفاق السعودي – الإيراني برعاية صينية، وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية والتقارب السوري- السعودي.
يدرس هؤلاء تأثير كلّ ذلك على الوضع اللبناني الداخلي ودور الحزب ومستقبل المقاومة. وبموازاة ذلك تدرس مؤسّسات الحزب السياسية الداخلية التطوّرات المتسارعة في ملفّ الانتخابات الرئاسية وتشكُّل كتلة سياسية جديدة في مواجهة مشروع الحزب ودوره. كما تجري متابعة التطوّرات على الساحة المسيحية، سواء على مستوى الشعارات والأفكار، أو الطروحات والتحالفات. والهدف هو وضع آليّات مناسبة للتعاطي معها. ولا سيما بعد اهتزاز التحالف مع التيار الوطني الحر وصولاً إلى احتمال سقوطه كليّاً.
فما هي أبرز الأفكار والطروحات التي تدور في هذه اللقاءات الفكرية والبحثية؟ وهل لدى الحزب مشروع متكامل للتعاطي مع تطوّرات المرحلة المقبلة؟
انتصر “المحور”… أو هو “المخاض”؟
تنقسم الأفكار والتحليلات التي قُدّمت في هذه اللقاءات إلى وجهتَي نظر أساسيّتين:
– الأولى تعتبر أنّ التطوّرات الدولية والإقليمية حُسمت لصالح قوى المقاومة وحلفائها في المنطقة، وأنّنا أصبحنا في مرحلة جديدة على الصعيد الدولي في ظلّ تراجع الهيمنة الأميركية والذهاب إلى عالم متعدّد الأقطاب، وأنّ هذه فرصة مهمّة للقوى الإقليمية والمحلية كي تستفيد منها من أجل تعزيز دورها وموقعها.
وفق هذه الرؤية فإنّ المطلوب إزاء ذلك هو الذهاب إلى طرح مشروع متكامل للتغيير على الصعيد الداخلي وعدم السماح بالعودة إلى الوراء وفرض مشاريع سياسية تعيد البلد إلى مرحلة ما قبل الحرب الأهلية، وأنّ فرصة الإصلاح وبناء الدولة القويّة والعادلة ستكون أقوى وأفضل في المرحلة المقبلة، وينبغي عدم التراجع أمام بعض الضغوط الداخلية أو الخارجية.
– الثانية تعتبر أنّنا ما زلنا في مرحلة المخاض وأنّه على الرغم من تراجع القبضة الأميركية في العالم وتقدّم بعض القوى الإقليمية والدولية، فإنّ ذلك لا يعني أنّ العالم أصبح متعدّد الأقطاب، بل ما زلنا في مرحلة الصراع الدولي والإقليمي والجميع ينتظر نهاية الحرب في أوكرانيا ودور روسيا المستقبليّ، وكذلك أفق الصراع بين الصين وأميركا.
بحسب هذا الرأي يتّجه العالم أكثر نحو الفوضى وسلسلة من الحروب، ولذلك لا يمكن حالياً حسم أفق الصراع في لبنان والمنطقة. والأفضل الاستفادة من هذه المرحلة لخوض معركة الإصلاح في لبنان من خلال الاستفادة من التجربة الشهابية والحرص على إبعاد لبنان عن صراعات المنطقة، مع التعاطي الإيجابي مع مرحلة ما بعد الاتفاق السعودي – الإيراني وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. وبطالب هؤلاء ببناء كتلة وطنية تغييرية عابرة للطوائف قادرة على حمل مشروع الإصلاح الحقيقي ومواجهة المشكلات الداخلية القائمة اليوم.
ماذا عن المتغيّرات الإقليمية؟
إضافة إلى وجهتَيْ النظر اللتين أشرنا إليهما، فإنّ هناك قضايا وملفّات ما تزال محور النقاش والحوار في هذه الدوائر واللقاءات الخاصة ولم تصل إلى نتائج حاسمة، ومنها على سبيل المثال: طبيعة المتغيّرات في السياسة السعودية والدور المستقبلي لوليّ العهد السعودي محمد بن سلمان والأفق الذي يمكن أن تصل إليه سياسته في المستقبل، وكذلك العلاقات السعودية – الإيرانية وتأثير ذلك على كلّ الملفّات في المنطقة، والدور التركي المستقبلي بعد الفوز الذي حقّقه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في الانتخابات الأخيرة والتغييرات التي قام بها على الصعيد الحكومي. ويلحظ هذا الرأي أفق الصراع مع العدوّ الصهيوني ومستقبل مشروع التطبيع بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني وأفق المقاومة في فلسطين ودور القوى العربية في المقاومة ومستقبل المشروع العربي في المرحلة المقبلة.
هذه بعض الملفّات التي تثار حولها النقاشات في أوساط الحزب والمؤسّسات الفكرية وفي عدد من حلقات النقاش القريبة من بيئة الحزب. وكلّ ذلك سيكون له دور مهمّ في تحديد دور الحزب ومستقبله في المرحلة المقبلة. ولن تكون الانتخابات الرئاسية سوى محطة من محطات الصراع في المرحلة المقبلة لتحديد مستقبل لبنان ودوره وأيّ مشروع سيتبنّاه الحزب مستقبلاً.
قاسم قصير- اساس