كرامي والرئاسة و”نجوم الظهر”!
تنعكس الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تضرب لبنان بأسره على الوضع الأمني والمعيشي في طرابلس الذي يبقى متوتراً وعلى “شعرة” على الرّغم من الهدوء الحذر الظاهر أمام الرأيّ العام في الفترة الأخيرة. لكن في الواقع تعيش هذه المدينة على صفيح ساخن يتحرّك مع المتغيّرات المحلّية، الاقليمية والدّولية، ليكون هذا الهدوء مجرّد تظاهر من أهالي المدينة بأنّهم على ما يُرام في ظلّ ظروف مالية مقلقة لم يتحرّك بسبب تداعياتها نواب المدينة الذين يعيش الكثيرون منهم حلم التمسّك بالمنصب أو الوصول إلى رئاسة الحكومة.
بغضّ النظر عن الأخبار الأمنية والعسكرية التي باتت تقلق الطرابلسيين كعادتها، لا يُمكن الحديث عن مشاريع إنمائية واستثمارية يقوم بها أثرياء المدينة أو بعض حيتان المال الذين “ابتلعوا” حرفياً مقوماتها، على الرّغم من حاجة المواطنين إلى كلّ ما يُمكنه إحياء معالمهم الثقافية، التاريخية، والاقتصادية فيها، إذْ بات كلّ ما يشغل بال بعض النواب في الفيحاء يرتكز على نقطتين أساسيتين: أوّلها، هوية رئيس الجمهورية المقبل، وثانيها، هوية رئيس الحكومة، أمّا نواب المدينة ومعنيوها “القدماء”، فيُسجّلون اختفاءً واضحاً في حضورهم والتزاماتهم، كما يُسجّل الكثير منهم مواقفه بتصريحات بسيطة لا تليق بمعاناة أهالي مدينتهم الذين قدّموا إليهم أكثر ممّا يستحقّون وأضعاف ما يُنجزون.
وتُفيد المعطيات بأنّ بعض النواب في المدينة ينتظرون بفارغ الصبر انتهاء الاستحقاق الرئاسي، لا سيما الجلسة التي حدّدها رئيس مجلس النواب نبيه بري في 14 الجاري والنتيجة التي ستصدر عنها، وأنّ رئيس تيّار “الكرامة” فيصل كرامي الذي نفى في تصريح أخير أن تكون حركته المكثفة “مُندَرجة في سياق التمهيد لتولّيه رئاسة الحكومة في المرحلة المقبلة”، هو أكثر من ينتظر انتهاء هذا الاستحقاق استعداداً للاستحقاق السنيّ الأكبر: انتخاب رئيس للحكومة بعد تولّي رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي هذا المنصب، والذي كان كرامي هاجمه منذ أيّام، مبرّرًا هذه الخطوة بأنّها “ناتجة عن تصرفات ميقاتي التي أدّت الى تَسعير الجمر”، ومن هذه التصرّفات “أنّ وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي سعى إلى إسقاطه في الانتخابات النيابية”، وفق كرامي.
في الواقع، إنّ ولادة “التكتل الوطني” على يد كرامي والذي أبصر النور في ذكرى استشهاد الرئيس رشيد كرامي، كان خطوة متوقّعة، لكن ما كان غير متوقّع هو بيانه الذي تناول “العموميات” رئاسياً، فلم يُصرّح مباشرة باختيار رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجية للرئاسة على الرّغم من اختياره نخبة تصبّ في نهر “السياسة الممانعة” عينه، إلّا بعد تصريح أدلى به منذ ساعات ليُؤكّد أنّ فرنجية هو المرشح الذي يدعمه، وهو ما كان متوقعاً أيضاً، لكن وفق ما يرى أحد المحلّلين فإنّ “تصعيد موقف كرامي في الساعات الأخيرة، يُشير إلى رغبته في شقّ طريق السراي الحكومي لأنّه كان ولا يزال على أتمّ الاستعداد لهذه الخطوة سواء على المستوى الشخصي أو العائلي، على الرّغم من عدم توافر للشروط المطلوبة فيه على الصعيد الحكومي من جهة التواصل مع سوريا أولاً أو القبول العربي ثانياً، لذلك يُحاول حالياً فرض قوّته السياسية ليُؤكّد جهوزيته للاستحقاق المقبل، من دون أن ننسى أنّ هذا الاستحقاق يحتاج إلى مباركتين الأولى دولية والثانية عربية وأهمّها سعودية، من هنا لا بدّ من التركيز على أنّ الاستحقاق الحكومي سيكون صعباً للغاية، لأنّ المنصب السنيّ لم يعد كما كان في السابق”.
ويُضيف لـ “لبنان الكبير”: “إنّ كرامي الذي يُحاول تعويض الفراغ السني بضياع أكبر للطائفة، قيل له إنّ هذه الخطوة تُعيد التوازن إلى طرابلس والسياسة المحلّية، لكن في الواقع إنّ تشكيل هذا التكتل سيزيد من حدّة الانقسامات القائمة أساساً في المدينة، والتي لا تقتصر على جهتيّ 14 و8 آذار، بل بتنا نتحدّث عن انقسامات أكبر سياسياً، وبالتالي إنّ تكريس هذه القوى الجديدة التي تفرض نفسها بوجوه موحدة سياسياً بعيداً عن التنوّع السياسي، إنْ لم تكن عاملاً إضافياً إيجابياً على المدينة، فإنّها ستزيد الوضع سوءاً لا سيما وأنّنا مقبلون على استحقاقات وطنية لا يُمكن لأحد أن يتغافل عنها في طرابلس التي ترفض عموماً سياسة حزب الله على أراضيها، لذلك إذا كان سيستمرّ بهذا التكتل الذي يُتوقّع أن يكون مصيره كاللقاء التشاوري، فعليه أن يكون منفتحاً لا بالكلام بل بالفعل ليكون محلّ ثقة”.
ويعتبر أنّ “سياسة شدّ العصب بحجّة ملء الفراغ السني، تُعارض تصريحه الصحافي منذ أشهر والذي شدّد فيه على أنّه غير طامح شخصياً بل يطمح الى بلد يعيش فيه أولادنا بسلام، وأنّ ذلك لا يكون بخطاب استفزازي، لكن ما صرّح به ضدّ وجوه سنية كان مستفزًأ ولو وافقناه في الرأيّ جزئيًأ، حتّى ولو كنا غير راضين عن رئيس الحكومة، لكن نسأله ماذا قدّمت لمدينتك وماذا قدّم ميقاتي؟”.
ويرى أن “نجاح تكتل كرامي ليس وارداً حالياً إلّا في حال نجح في تواصله مع عدد أكبر من النواب باختلاف سياسي، مناطقي وديني وبغطاء حزبي معروف ليقف وراءه”.
ووفق أحد المقرّبين من خطّ الرئيس ميقاتي، فإنّ “المعركة التي رأسها كرامي ضدّ رئيس الحكومة، ليست سوى تغطية على أزمة الأخذ والردّ بين حزب الله والتيّار الوطني الحرّ رئاسياً، وقبل اتخاذ هذه القوى قرارها النهائي والحاسم والذي لا ندرك مدى واقعيته إلّا في الجلسة، نرصد عدم ذكر كرامي لاسم فرنجية سابقاً إلّا منذ قليل، أيّ بعد إعلان التيّار دعم جهاد أزعور مقابل فرنجية، مع العلم أنّ النائب حسن مراد (أحد أعضاء التكتل) كان أعلن بعد المؤتمر الصحافي دعمه لفرنجية، الأمر الذي يُشير إلى عدم قدرة كرامي على الامساك بزمام الأمور في تكتله الجديد، تماماً كما حصل في تكتله الأخير الذي خرج منه النائب جهاد الصمد بلا رجعة، كما كان النائب مراد بحدّ ذاته عنصراً غير مستجيب للنائب كرامي في مواقف سابقة كما علمنا”.
كما يرى أنّ “التهجم على رئيس الحكومة أي ابن مدينته في هذا التوقيت فعل غير مسؤول، وبالتالي إنّ حديثه عن واقع السنية السياسية الضعيفة ورفضه حالها أخيراً لا ينطبق أبداً على تصريحاته ضدّ ابن بيئته السنية بهذه الطريقة، وإن كانت طريقته ابتزازية للوصول إلى رئاسة الحكومة، فهي أسلوب ركيك لا ينفع مع حزب الله أولاً، ولا مع الطرابلسيين ثانياً والشارع يشهد، مع العلم أنّ الأخير يُدرك تمامًاً أنّ أيّام ميقاتي باتت معدودة ونحن ندرك أنّ الشعب بات غير راضٍ عن وجود الرئيس في هذه الحكومة لكنّ الظروف حكمتنا كما حكمت الرئيس لتقبّل هذا المنصب لآخر لحظة”.
اسراء ديب- لبنان الكبير