“انهيار” السنّة والدروز والمسيحيين.. وأزمة “الشيعة” مع صعود الحزب و”إدارته”؟
شهدت الحياة الوطنية في لبنان منذ عام 2011 حتى اليوم انهياراً لأركان الوحدة الداخلية في الطوائف. مع استقالة “قرنة شهوان” من إدارة الشأن السياسي في الوسط المسيحي وخروج البطريرك صفير عام 2012، انتقلت الإدارة السياسية في الوسط المسيحي من خيار له علاقة بالعيش المشترك، له علاقة باستقلال البلد، له علاقة بتسمية عروبة لبنان، إلى خيار الأحزاب القديمة التي وُلدت من رحم الحرب الأهليّة. واستمرّت الحياة الوطنية وكأنّ هذه الأحزاب ما زالت تمارس الحرب غير المعلنة، بأنّ اتفاق الطائف هو وقف لإطلاق النار بين جولتين.
وإذا انتقلنا إلى الطائفة السنّيّة وتناولنا الأركان الأساسية في الإدارة السياسية الوطنية بالوسط السنّيّ، التي كان يمثّلها الرئيس رفيق الحريري حتى استشهاده في عام 2005، وعدم قدرة استكمال هذا النهج بسبب التعنّت الموجود لدى الحزب، وطبعاً سوء إدارة الوراثة السياسية للرئيس سعد الحريري، سنجد أيضاً أنّها أدّت في الوسط السنّيّ إلى انهيار الركن الوطني والخيار الوطني في الوسط السنّيّ لصالح خيارات قد نعرف كيف تبدأ ولا نعرف كيف تنتهي.
خروج وليد جنبلاط من الوسط الدرزي، بخروجه من النيابة، ثم خروجه من رئاسة الحزب التقدمي الإشتراكي، أدخل اليوم هذه الطائفة في مرحلة انتقالية، بالحدّ الأدنى، ومع التقدير للتجارب السياسية لهذا البيت منذ ما قبل الاستقلال حتى الآن، نعرف بالحدّ الأدنى كيف دخلت هذه الطائفة المرحلة انتقالية ولا نعرف كيف ستخرج منها.
صعود الحزب و”إدارته”
انهيار هذه الإدارات الثلاث واحدة تلو أخرى مع الفارق الدرزي، كلٌّ منها لأسباب معيّنة، أدّى إلى انهيار فكرة وحدة البلد لصالح تسليم البلد لفريق “مميّز” يعتبر أنّه قادر على إدارة هذا التنوّع اللبناني من موقع الحاكم، وبالتالي هو يريد هذا التنوّع لكن وفقاً لمعايير هو يحدّدها.
بات فريق الحزب مقتنعاً أنّه هو من يحدّد هويّة رئيس جمهورية لبنان، وفيما بعد يحدّد رئيس حكومة لبنان، ثمّ يحدّد طبيعة الحكومة التي يجب أن تأخذ على عاتقها معالجة الوضع الاقتصادي في البلد، ثمّ يحدّد طبيعة قانون الانتخاب، وطبيعة إعادة تشكيل السلطة.
هذه الانهيارات المتتالية للخيارات الوطنية داخل الطوائف منذ عام 2011 حتى اليوم، ساهمت أيضاً في رفع الحزب ليرتاح في حركته السياسية، فلا يواجهه أحد، إلا بعض المتفرّقين ممّن يواجهونه من موقع طائفي ضعيف، أو من موقع له علاقة بذكريات الحرب.
وفي العادة من هذا الذي يعود إلى الذكريات؟
عندما تقف فرنسا وتخبرنا عن مجد الثورة الفرنسية أو عن نابليون، وبناء الإمبراطورية النابليونيّة، فإنّها تمارس “سندبادية” تعوّدت عليها المجتمعات والأحزاب وحتى العائلات السياسية: وهي الغوص في الذاكرة من أجل التعويض عن شيء مفقود أو شيء غير موجود في الحاضر:
– الدروز يدّعون أنّهم آباء فكرة لبنان، لكن اليوم في الوسط السياسي شأنهم محدود.
– المسيحيون يقولون إنّ مجد لبنان أُعطي لهم، لكنّ وضعهم مرتبك اليوم في الوسط السياسي.
– السُّنّة الذين يعتبرون أنّهم كانوا جسر الوصل بين المصالح العربية وبين لبنان، وبين لبنان والمصالح العربية، هم اليوم أيضاً ذوو وزن محدود.
تصير العودة إلى الوراء هدفها التعويض عن عجز حالي لا يبني وطناً، وفكرة تداول الطوائف “المميّزة”، المسيحيين مرّةً والسُّنّة مرّة أخرى والآن الشيعة، أيضاً لا تبني وطناً.
لكنّ الأكيد أنّ الطوائف كلّها مأزومة، وبالتالي هي أزمة وطنية، وليست أزمة سياسية أو اقتصادية فقط.
ايمن جزيني- اساس