“الواتس اب”: مجموعات وسوالف لا تُسمن ولا تغني من جوع طوال النهار والليل!
علي شاب عمره ٣٢ سنة، يعمل في إحدى الشركات المعروفة، تشكل مجموعات “الواتس اب” بالنسبة اليه مصدر قلق لا ينتهي “خلال دوام عملي أضطر إلى استعمال الهاتف لاجراء إتصالات معينة، وعندما أرى الكم الهائل من الرسائل أتوتر ما يسبب لي قلقاً في العمل، بسبب ضيق الوقت وعدم قدرتي على قراءتها كلها، كما تتسبب بفوضى على الشاشة ما يشغل تفكيري بالنظر إليها ولا أستطيع وضع هاتفي صامتاً لضرورات العمل”.
منصات كثيرة موجودة على هواتفنا الذكية يمكن استعمالها للمراسلات الفورية، “تيليغرام”، “فايسبوك”، “واتس اب”، “انستغرام”، “سيغنال”، “وي شات” وغيرها من التطبيقات، ولكن يبقى “واتس اب” واحداً من بين التطبيقات الأكثر شعبية واستخداماً في العالم، فلديه أكثر من ملياري مستخدم، وصار منصة مفضلة للمحادثات المهنية والشخصية، متيحاً للمستخدمين تبادل المعلومات، والأقاويل بسرعة وكفاءة. ومع التطور المستمر أصبحت هناك ميزة جديدة أشبه بخدعة، بحيث تتيح للشخص مغادرة مجموعات الدردشة من دون تنبيه الجميع، وهذا يعني أنه إذا تمت إضافتك إلى الدردشات التي لا تريد أن تكون جزءاً منها، يمكنك الآن الانسحاب وتجنب أي لحظات محرجة، إلا في حال انتباه أعضاء المجموعة لمغادرتك عندما ينظرون إلى قائمة المشاركين فيها.
واعتبرت مياس، صاحبة استديو تصوير، أن “العمل لا يمكن أن يسير من دون واتس اب، ويعتبر أساسياً ومهماً ومن دونه لا أتمكن من حجز مواعيد بسهولة، ولا إرسال صور للأهالي وفيديوهات بطريقة سهلة وسريعة. أما بالنسبة الى الغروبات عليه، نعم هناك المجموعات العائلية، والأصدقاء، وفي بعض الأحيان تصلني مئات الرسائل في وقت قصير ولا أستطيع قراءتها ولا الرد عليها وهذا يسبب لي الانزعاج والتوتر أحياناً. وحاولت تفادي هذا الأمر من خلال شراء هاتف آخر مخصص فقط للعمل، ولدي موظفة هاتف يمكنها الرد على جميع الرسائل بعد استشارتي وتنظيم العمل كما يلزم من دون أي مشكلة”.
“ليس مفيداً أن ينشئ الناس اليوم مجموعات واتس اب لأسباب غير مبررة تماماً” بحسب الدكتورة النفسية غادة الهواري، التي قالت في حديث لموقع “لبنان الكبير”: “ان الضغط الاجتماعي والمعيشي والاقتصادي كافٍ ليتسبب بأمراض نفسية لجميع اللبنانيين، فكيف بمجموعات وسوالف لا تُسمن ولا تغني من جوع طوال النهار والليل من البعض؟ من الطبيعي أن تتسبب باضطرابات وعصبية مفرطة في بعض الأحيان خصوصاً للعاملين في مؤسسات وضمن دوام معين، ولدي العديد من المرضى الذين خرجوا من كل مجموعات الواتس اب لمصلحة راحتهم النفسية أولاً”.
وأشارت الى أنه “على الرغم من أهمية تطبيق واتس اب للتواصل العالمي، إلا أنه أصبح في الأعوام الأخيرة، مصدراً رئيساً لبث القلق والاكتئاب لدى المستخدمين. وكشف علماء النفس الاكلينيكي، أن ميزة الدردشة الجماعية التي يتيحها هذا التطبيق تشكل خطراً على صحة الانسان، لأن وجود أكثر من عضو في المجموعة يخلق نوعاً من التنافس بين الأفراد بغرض لفت الانتباه اليهم، وكلما زاد عدد الأشخاص في المجموعة، زادت صعوبة العمل على كيفية إنشاء طريقة عملها”.
أضافت الهواري: “لا يمكن السيطرة على مجموعة الدردشة بحيث تعكس مشاعر الأفراد، سواء كانت إيجابية أو سلبية، كما يمكن إضافتك إلى مجموعة واتس اب من دون موافقتك، ما يضعك في موقف محرج، ولا يمكنك تركها بصمت من دون إخطار أي شخص، حتى التحديث الأخير الذي يسمح بذلك باستثناء مسؤولي المجموعة. لذلك الحل الأمثل هو تعلم كيفية إدارتها بصورة أفضل، وذلك عن طريق خلق شيء من المسافة النفسية، ومن الأسهل ترك هذه التطبيقات والتفاهم في مجموعة على أرض الواقع”.
إذاً، تكمن المشكلة في أن هذه المنصات لا تستطيع التخفيف من القلق الذي تسببه، وبالنسبة للى الكثيرين منا، التخلي عن التطبيقات أمر ليس بهذه البساطة.
راما الجراح- لبنان الكبير