الرئاسة الى مزيد من التعقيدات ومعركة البوانتاجات بدأت… هل الأرقام دقيقة؟

يبدو أنّ التطورات المتسارعة في الداخل قد فرضَت تَموضعاً جديداً للملف الرئاسي في نقطة ضبابية تنعدم معها الوجهة التي سيسلكها هذا الملف في الآتي من الايام، أكانَ في اتجاه حسم انتخاب رئيس الجمهورية ربطاً بتلك التطورات، او في اتجاه آخر يُبقي البلد خاضعاً لتناقضات وإرادات متصادمة تُقيّد رئاسة الجمهورية بمزيد من التعقيدات.

مع دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية يوم الاربعاء في الرابع عشر من الشهر الجاري، تُشكّل الفترة الفاصلة عن هذا الموعد فرصةً لكل اللاعبين على الحلبة الرئاسية لأن يَحشدوا قواهم لـ»أربعاء الحسم»، الذي سيتحدّد فيه من منهم سيُكرم بالمعنى السياسي، ومن منهم سيُهان؟ واذا كانت دعوة بري الى عقد جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية قد كذّبت مقولة إقفال المجلس وتعطيل انتخاب رئيس الجمهورية، وسَحبت من أيدي بعض المعارضات السياسية والنيابية فتيل الاستمرار بالحملة الاتهامية عليه، الا أنّ السؤال الذي يفرض نفسه في جَو الانقسام الافقي والعمودي المُحتدِم على الخط الرئاسي: هل ستؤدي جلسة 14 حزيران إلى انتخاب رئيس أم انّها ستكون تكراراً لجلسات الفشل السابقة، وتضيف إليها الفشل الثاني عشر؟

الأكيد في هذا الجو الانقسامي الغالب عليه منطق التحدي، انّ هذه الفرصة ليس متوقعاً منها البحث عن تفاهمات مستحيلة بين مكونات الانقسام السياسي، تُفرِج عن رئاسة الجمهورية المقبوض عليها منذ ما يزيد عن سبعة أشهر، بل انّ أقصى المتوقّع منها هو إخضاع البلد لحماوة في الخطاب السياسي وغير السياسي، وضَبطه على إيقاع «بوانتاجات» تستبِق جلسة الانتخاب بمبالغات في تقدير نسَب الأصوات التي ينالها أيّ من المرشحين.

اللافت في هذا السياق، أنّ المعارضات استهَلّت معركة «البوانتاجات» بالترويج انّ «مرشح التقاطعات» جهاد أزعور قد باتِ ضامناً ما بين 65 و70 صوتاً فما فوق، ومن ضمنها أصوات نوّاب تكتل «لبنان القوي» جميعها وكذلك أصوات نوّاب «اللقاء الديموقراطي»، وهي نسبة تضمن له الفوز برئاسة الجمهورية في دورة الاقتراع الثانية من جلسة الانتخاب. ولكن هل انّ ترجمة هذه النسبة واردة في صندوقة الاقتراع؟ إحتمالات أضعفها الإنتخاب بعيداً عن «البوانتاجات» ولغة الأرقام ومبالغاتها، فإنّ مصادر سياسية تَحوط جلسة 14 حزيران بعلامة استفهام كبرى، ليس على انعقادها المحسوم سلفاً بنصاب يفوق ثلثي اعضاء المجلس النيابي، بل حول ما قد تنتهي إليه. وقالت هذه المصادر لـ»الجمهورية»: انّ انعقاد هذه الجلسة في هذه الاجواء الصدامية، وغياب الحدّ الادنى من التوافق بين المكونات السياسيّة على ضفّتَي الملف الرئاسي، يجعلها خاضعة لاحتمالات كثيرة، الأضعف فيها هو تَمَكّن مجلس النواب من انتخاب رئيس الجمهورية.

فالثابت حتى الآن، كما تقول المصادر السياسية عينها، هو تَوفّر نصاب انعقاد جلسة 14 حزيران وكذلك نصاب الانتخاب في دورة اقتراع أولى (86 نائباً فما فوق). والأكيد في هذا الإطار انّ أيّاً من المرشّحين لن ينال نسبة الفوز برئاسة الجمهورية، التي تشترط المادة 49 من الدستور أن ينال ثلثي اصوات النواب في الدورة الاولى، وهو الأمر الذي يوجِب الإنتقال إلى دورة اقتراع ثانية مع تخفيض نسبة الفوز إلى 65 صوتاً. إلّا أنّ هذه الدورة الثانية تبقى خاضعة لاحتمال ألّا تحصل بتطيير نصابها».

وبمعزل عما اذا كانت نسَب الاصوات، التي تسوّق لها المعارضات بأنها باتت تفوق الـ65 صوتاً، دقيقة او مُبالغاً فيها، فإنّ مصادر مطلعة على توجّهات الكتل النيابيّة تعتبر «انّ ايّ احتساب لأي ارقام قبل ان تحسم النتيجة في صندوقة الاقتراع، هو احتساب وهمي وغير واقعي. فعلى اي أساس احتسبت اصوات تكتل «لبنان القوي»، هل احتسبت بكونها ستصب كلّها لمصلحة ازعور ام ان بعض اعضاء التكتل سيغرّد خارج هذا السرب ويَنحو خارج هذه الصبّة، والتصويت لخيار ثالث غير فرنجية وازعور؟ وايضاً على أي أساس احتسبت اصوات نواب «اللقاء الديموقراطي» قبل ان يحسم اللقاء موقفه النهائي من انتخاب ازعور؟ علماً انّ أجواءً داخل الحزب التقدمي الاشتراكي تؤكد ان رئيسه وليد جنبلاط يرفض السير بأي مرشح يشكل تحدياً لأحد، وكذلك يرفض ان يكون شريكا في اي خطوة من شأنها أن تعود بالخراب على البلد».

وتلفت المصادر الى انها لا تنفي او تجزم باحتمال أن يلجأ «اللقاء الديموقراطي» الى التصويت بورقة بيضاء، وقالت: «هذا الاحتمال يبقى وارداً، وقد أُبلِغ به قبل فترة الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري. وما يعزز ذلك هو ان الاجواء السائدة على الخط الرئاسي يغلب عليها منطق التحدي والمواجهة، لا تشي بتوجّه اكيد الى انتخاب رئيس للجمهورية، برغم اعلان المعارضات تقاطعها على ترشيح ازعور، بل انّ التوجه الغالب هو لقطع الطريق على سليمان فرنجية، وجنبلاط الذي سبق وأعلن انّه يرفض ان يكون في موقع التحدي لأحد، وهو وكما ملّ وقرف من مسرحية انتخاب معوض ومسلسل الفشل التي اعتراها، وأخرَجَ نفسه منها في نهاية الامر، طبيعي جداً أن لا يكرّر تلك التجربة ويشارك في اي مسرحيات جديدة تنتج توترات ولا تنتج رئيساً».

على انّ ما ينبغي لَحظه في هذا السياق، هو المواقف الصادرة عن بعض نواب «اللقاء الديموقراطي»، والتي تلقي مزيداً من الضبابية على موقفه. وفيما بات معلوماً انّ الرئيس بري سَبقَ له أن تبلّغ من الحزب التقدمي الاشتراكي انّ «اللقاء الديموقراطي» سيعتمد التصويت الابيض، فإن مواقف بعض نواب اللقاء تُغَلّب من جهة منطق التفاهم وتقدّمه على منطق التحدي والمواجهة، الا انهم في الوقت نفسه يقاربون ترشيح ازعور ايجاباً، بِوَصفه خياراً سبق لرئيس الحزب ان طرحه، ولا يشكل تحدياً لأي طرف وخصوصا للثنائي الشيعي، وعلى ما قال النائب وائل ابو فاعور انّ ازعور «ليس شخصية صدامية ولا مبرر لنا الا ننتخبه بعدما رشّحناه».

الجمهورية

مقالات ذات صلة