التيار وحزب الله: هل يمكن العودة إلى التفاهم… أم الذهاب بعيداً في الطلاق؟؟

في ظل المناورات الأمنية المفتوحة على جانبي الحدود، يمكن القول إن لدى حزب الله اليوم هواجس كبرى في ما يخص الصراع مع إسرائيل، وهو يأخذ في الاعتبار كل الفرضيات الأميركية الممكنة في ظل التوتر من الانفتاح السعوديّ على سوريا، دون تغيير موقف دمشق السياسي وعلاقتها بكل من روسيا وإيران. وبموازاة هذه وتلك، يعترف الحزب بأن تطوير مشروع إنقاذي بديل، بعيداً عن صندوق النقد، دونه صعوبات لها علاقة بالصين وروسيا أولاً، لكن ذلك لا يعني أبداً الاستسلام المطلق لشروطه. إضافة إلى اعتبارات الوفاء لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وتأكيد رئيس تيار الوطني الحر جبران باسيل عدم نيته الترشح إلى الرئاسة الأولى.

هنا، يتصرف الحزب وفق مقاربة رئاسية مقنعة. لكن، في المقابل، يمسك التيار الوطني الحر بمقاربة رئاسية مقنعة أيضاً، نظراً إلى كونها ترتبط بطبيعة الصراع الداخلي. سيما أن هناك قناعة لدى التيار بأن الرئيس نبيه بري مسؤول مباشرة عن كل ما آل إليه عهد الرئيس ميشال عون. وهذا ما يجعل التيار يرفض مبدأ البحث في فكرة دعم فرنجية بوصفه أولاً حليف بري، إضافة إلى قناعته بأن مواصفات فرنجية لا تتناغم أبداً مع ما تتطلبه المرحلة المقبلة.

واللافت، هنا، أن الحزب يتعامل بتفهّم مع هواجس التيار، كما يقر التيار بأحقية هواجس الحزب. لكن المشكلة الرئيسية بين الطرفين تكمن في ما يلي هذا كله، إذ يقول الحزب إنه مستعد لتقديم كل التطمينات اللازمة لتهدئة التيار تحت سقف فرنجية، فيما يقول التيار إنه معنيّ بالتضامن والتكافل مع الحزب في كل هواجسه بعيداً عن فرنجية. وعند هذه النقطة تعطل الحوار والكلام المنطقي والنقاش، وآثر الطرفان الاستثمار في التباعد بدل التقارب، مع ملاحظتين أساسيتين:

أولاً، بعد ترشيح جهاد أزعور كما قبله، لم يقل باسيل أو يتخيل أو يخطر في باله أنه يمكن انتخاب رئيس من دون موافقة الحزب. ورغم كل ما عبّر عنه ناشطو التيار ومسؤولوه ونوابه من توتر تجاه الحزب، واصل باسيل القول والتصرف على أساس أن الحزب صديق وحليف رغم أزمتَي الحكومة والرئاسة وغيرهما.

ثانياً، تصرف الحزب على أساس أن المشكلة مع باسيل مجرد مقاربة تكتيكية خاطئة لا تحول دون العودة إلى التفاهم فور تجاوز الاستحقاق الرئاسي، قاطعاً الطريق بسرعة على أي مزايدات أو سوء تفسير، آخذاً في الاعتبار وجود خصوم كثر لكل من الحزب والتيار لا يريدون استمرار التفاهم. مع العلم أن الماكينة المستنفرة إعلامياً خلف فرنجية هي ماكينة الحركة لا الحزب، وهي لا ترى في مواقف كل من القوات والكتائب والاشتراكي والتغييريين والمستقلين وكل الكتل الأخرى أي استفزاز أو تناقض أو خلاف، لتركز تصويبها على العونيين حصراً. أما ماكينة الحزب فتهمل هذا الجانب بالكامل لثقتها المطلقة بأن انتخاب الرئيس لا علاقة له من قريب أو بعيد بهذا كله، مؤكدة أن الضرر من هذه الحملات أكبر من فوائدها بكثير، خصوصاً مع التيار.

 

بالتالي، رغم التباعد الرئاسيّ وجنون كثيرين على مواقع التواصل الاجتماعي ودخول كثيرين على خط الاستثمار في التباعد، نجح الطرفان في تمرير المرحلة الماضية بالحد الأدنى من الخسائر، مفسحين المجال أمام تنفيس الاحتقان من الجانبين. أما اليوم فهناك مرشح مدعوم من التيار، يقول التيار نفسه إنه لا يملك أي فرصة للوصول ولا يجب أن يصل من دون اتفاق مع الحزب. وهناك مرشح مدعوم من الثنائي، يقول بري إنه لا يملك أي فرصة للوصول ولا يجب أن يصل من دون اتفاق مع المسيحيين. وإذا كان الحزب (ولا يزال) يقول إنه غير مستعجل ويمكنه الصمود خلف ترشيح فرنجية إلى حين يقتنع الداخل والخارج، فإن بوسع الائتلاف المؤيد لأزعور أن يقول الأمر نفسه بكل بساطة. وكما كان الحزب يتهم القوى المعارضة لفرنجية بتعطيل الانتخابات الرئاسية، ستتهم القوى المؤيدة لأزعور الحزب بتعطيل الانتخابات، مع الأخذ في الاعتبار أن كلاً من الفريقين يقرأ التحولات الخارجية من منظاره كعامل قوة له.

لكنّ السؤال: هل ما يحصل يدفع إلى القول إن بوسع كل من الحزب والتيار العودة بالعلاقة إلى حيث يجب، أم الذهاب بعيداً في الطلاق؟ لا شك في أن التفهّم المسبق عند الطرفين لهواجس كل منهما، والانفتاح على «كل الخيارات» بدل الخيار الأوحد، يمكن أن يفتحا الباب واسعاً أمام الحوار غير المشروط، في ظل دعم معنوي كبير لهذا الحوار من البطريركية المارونية التي تقول بوضوح اليوم إن التفاهم مع الثنائي ضروري لانتخاب الرئيس، كما أن الرئيس نبيه بري بات يقول بوضوح هو الآخر إن التفاهم مع باسيل ضروري لانتخاب الرئيس. مع العلم أن العلاقة بين بري وباسيل تمر هي أيضاً باستقرار إيجابيّ، ويمكن تسجيل مفارقة لافتة هذه الأيام، حيث يرتفع مستوى التنسيق بينهما إلى أعلى من مستوى تنسيق الحزب والتيار.

اليوم يمكن للحزب والتيار أن يتجاوزا مبدأ الشروط المسبقة، للحفاظ على طابقين أساسيين في بناء تفاهمهما؛ طابق التفاهم الاستراتيجي في وجه الهجومات الخارجية المتواصلة والمتعددة الأشكال والأدوات، وطابق الشراكة، بحيث لا يشعر أي فريق أنه مستهدف أو معزول.

غسان سعود- الاخبار

مقالات ذات صلة