الحزب قرّر “قطع الطريق” على أزعور: إسقاط الجلسة من الدورة الأولى أم الثانية؟
يبدو أنّ الحزب قرّر “قطع الطريق” على الوزير السابق جهاد أزعور، ومنعه من الوصول إلى “صندوقة الاقتراع”، بسبلٍ ليست واضحة حتّى الساعة.
إذ يصعب على بعض المتابعين تصديق أنّ الانسداد السياسي، الذي يحول دون إنهاء الفراغ الرئاسي اللبناني، يعود إلى أسباب محض محليّة، من دون ردّه إلى خلفيّاته الإقليمية، لكن من دون إهمال حيثيّات الصراع الداخلي على السلطة.
“تقاطعُ” قوى المعارضة وبعض المستقلّين والتغييريّين مع “التيار الوطني الحر” على دعم ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور أحدث نقلة في المشهد السياسي الداخلي الجامد منذ أكثر من سبعة أشهر. لهذا قرّر الحزب مجابهته بردّة فعل تفوق تخرج عن قواعد اللعبة السياسية، وتُنكر حقّ فرقاء سياسيين في دعم مرشّح للرئاسة، وتتجاوز أرضيّة التنافس السياسي ضمن البرلمان ومبادئ الدستور، وصولاً إلى اتّهام مجموعات نيابية كان بعضها في موقع الحليف، وتحديداً “التيار الحر”، بالتبعيّة للخارج.
“التعطيل”.. ردّاً على “التوافق المسيحي”
جاء موقف الحزب حاسماً بأنّه وحلفاءه سيعطّلون نصاب جلسة الانتخاب لقطع الطريق على أيّ إمكانية لنجاح أزعور في الحصول على الأكثرية المطلقة، أي 65 صوتاً، حتى قبل إعلان قوى المعارضة و”التيار الحر” دعمه. وعبّر عن ذلك رئيس المجلس التنفيذي في الحزب السيد هاشم صفي الدين عشيّة إعلان انسحاب النائب ميشال معوّض لصالح أزعور، إذ أعلن قطع الأمل من قدرة أزعور على أن يكون رئيساً، بقوله: “قلنا لهم لا تُتعبوا أنفسكم… هل يمكن لرئيس الجمهورية الآتي أن يحكم إن لم يكن رئيساً توافقيّاً؟ ولا سيّما أنّه يكفي في لبنان أن تقف جهة واحدة بوجه رئيس الجمهورية أو الحكومة حتى تعطّل كلّ شيء”.
أتبع هذا الكلام عضو كتلة نواب الحزب حسن فضل الله فور انتهاء المؤتمر الذي عقده نواب المعارضة بقوله: “لا تتعبوا أنفسكم وتهدروا الوقت، فلن يصل مرشّح التحدّي والمواجهة إلى بعبدا أيّاً يكن اسمه. هو جزء من معركتهم السياسية التي يحاولون فيها الاستقواء بالخارج وبتهديداته بالعقوبات”. وشدّد على أنّ “لكلّ نائب أو كتلة الصلاحيّة الدستورية في التعبير عن قناعاتهم، ولا قيد عليهم مشاركةً أو غياباً، تصويتاً أو امتناعاً، ونحن سنمارس هذه الصلاحية بمعزل عن الضجيج الداخلي والخارجي”.
بدا من ردّة الفعل هذه أنّ النيّة هي الحؤول دون تمكين مؤيّدي أزعور حتى من إسقاط اسمه في صندوقة الاقتراع تحت قبّة البرلمان.
إسقاط النصاب في الدورة الأولى أم الثانية؟
أوحى الموقفان، حسب الأوساط النيابية المختلفة، قبل دعوة الرئيس نبيه برّي إلى جلسة الانتخاب في 14 حزيران، بالاحتمالات التالية:
– الأول: أن يُسقط “الثنائي الشيعي” مع حلفائه نصاب الجلسة في الدورة الثانية من الاقتراع، أي بعد فشل أزعور وفرنجية في الحصول على أكثرية الثلثين. فبرّي لا يستطيع الإخلال بوعده ومضطرّ إلى عقدها.
– الثاني: ما تنبّه إليه بعض النواب المستقلّين قبل وبعد موقف الحزب، من أنّه سيحول دون حصول منازلة بين أزعور وفرنجية، يتفوّق فيها الأول بعدد الأصوات على الثاني حتى لو لم يحصل على الأكثرية المطلقة. ورأى هؤلاء أنّ من المستحيلات أن يقبل الحزب باحتمال أن ينكسر مقابل الفرقاء الداعمين لأزعور، حتى في الدورة الأولى المحتّم ألّا يعبرها أيٌّ منهما. ولذا سيدعو برّي إلى جلسة، لكن سيُسقط “الثنائي” النصاب من البداية، على غرار ما كان يحصل قبل انتخاب العماد ميشال عون لمنع إجراء دورة أولى من الاقتراع.
نحو تمديد الفراغ في انتظار المجهول؟
– الثالث: أن تكون دعوة برّي إلى الجلسة في سياق سيناريو يقضي بأن يطلب فريقٌ ما تأجيلها لتفادي كسر كلمة الحزب وتجنّب بلوغ امتحان عدّ الأصوات، الذي يرجَّح انتهاؤه بخيبة كبرى للحزب لن يحتملها. ثمّ تبدأ المفاوضات من أجل التفاهم على مرشّح ثالث. وهذا الاحتمال تداوله بعض المراقبين، بالاعتماد على تحرّك في هذا الاتجاه من قبل قيادات كانت بادرت إلى استبعاد ترشيحات التحدّي مثل الرئيس المستقيل لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وكتلة “الاعتدال”. وسيكون هذا الاحتمال ممكناً خلال الأيام الفاصلة عن موعد الجلسة.
الخلاصة هو تمديد للفراغ إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، إمّا بعد حوار كالذي يقوده حالياً البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي بناء على النصيحة الفاتيكانية الفرنسية، أو نتيجة صيغة تسوية بين الدول الفاعلة في لبنان مع إيران على مرشّح رئاسي “رابع” غير فرنجية وأزعور بعدما جزم الحزب أنّ الأخير “لن يمرّ”. فيما أصوات فرنجية ما زالت هي الأخرى، وحتى إشعار آخر، دون الـ65.
كعادتهم يعلّق اللبنانيون الانتظار على اجتماع دولي هنا وآخر هناك. وجديد المراهنات هو على ما يمكن أن يحصل من مداولات في الرياض حول لبنان على هامش اجتماع وزراء خارجية دول التحالف ضدّ الإرهاب ومواجهة “داعش”، سيحضرها وزراء الدول الخمس المهتمّة بلبنان: الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، مصر، وقطر. مع أنّ معلومات “أساس” أن ليس من لقاء مقرّر بين الدول الخمس، حسب أوساط فرنسية رسمية.
تضخيم الحزب حملته: إنّها أميركا
بعيداً عن كلّ القراءات المحلّية لمفاعيل النقلة الجديدة التي أحدثها ترشيح أزعور، تدعو أوساط مراقِبة إلى فهم مبالغة الحزب في ردّة فعله على “تقاطع” المعارضة و”التيار الحر” على أزعور.
دأب الحزب في هجومه على خصومه بسبب رفضهم مرشّحه وترشيحهم لمن ينافسه، على ردّ الأمر إلى “الانصياع للسياسة الأميركية”، وأحياناً يتّهمهم بـ”خدمة” إسرائيل. فقد قال السيّد صفي الدين عشيّة إعلان اتّفاقهم على دعم أزعور: “التدخّل الأميركي الذي حصل في الأيام الأخيرة وكان بشكل فظّ وفجّ وغليظ، له هدف واحد هو العرقلة، وإذا كان المقصود من هذا التدخّل هو التحدّي، فالأميركيون يعلمون أنّ في هذا التحدّي مزيداً من العرقلة، سواء في انتخاب رئيس الجمهورية أو في إدارة أيّ أمر سياسي في المستقبل… وإذا كان البعض مرتاحاً ومستأنساً من تدخّل أميركا، فنحن نقول له لا تستأنس كثيراً، فالتدخّل الأميركي حيثما يحلّ يأتي بالخراب”.
وأمس غداة إعلان الاتفاق قال، في معرض تناوله اتفاق الخصوم على أزعور، كلاماً اتّهمهم فيه بإطاعة السفارات والدول الخارجية: “إنّ أميركا التي تدّعي أنّها أعظم قوة في العالم، ونحن نعترف لها أنّها أعظم قوّة إجرام وسفك دماء ومحاصرة وإفقار الشعوب، لن تتمكّن من هزيمة الحزب في لبنان، لا في السياسة ولا في غيرها”.
نصيحة واشنطن للرياض: رئاسة لبنان بالاتّفاق مع إيران
تستغرب مصادر نيابية معارضة تعليق الحزب رفضه ترشيح أزعور على شمّاعة السياسة الأميركية. وقد كشفت لـ”أساس” معطياتٍ جرى تداولها في دوائر ضيّقة بأنّ الزيارتين اللتين قام بهما مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان للسعودية مطلع شهر أيار الماضي، ثمّ زيارة منسّق مجلس الأمن القومي الأميركي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بريت ماكغورك، والمنسّق الرئاسي الخاص للبنية التحتية وأمن الطاقة آموس هوكستين للرياض، في سياق التنسيق في شأن القضايا الإقليمية واليمن، تناولت الأزمة اللبنانية ولو لماماً.
تقول المصادر إنّ الجانب الأميركي قدّم نصيحة إلى الجانب السعودي بأنّ إنهاء أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان يحتاج إلى توافق سعودي مع إيران، وبالتالي مع الحزب. ومن دون ذلك يصعب معالجة تلك الأزمة. وجاء موقف واشنطن في ظلّ قرارها عدم الانخراط في لعبة أسماء المرشّحين، والاكتفاء بمتابعة تفاصيل المأزق الرئاسي عبر باريس والرياض.
يقتصر لوم واشنطن للحزب على التساؤل: “أمام انسداد أفق إيصال الحزب مرشّحه للرئاسة بعد هذه الأشهر، ألم يحن الأوان كي يتخلّى عنه والتفتيش عن مرشّح آخر؟”.
وفق الأوساط النيابية ليس من عادة الحزب أن يربط حملة كهذه بتلويح واشنطن بالعقوبات على من يعرقل انتخاب رئيس الجمهورية، حتّى لو كان هذا التلويح مقتصراً على استهداف الذين يُسقطون نصاب البرلمان، لأنّه لا يأبه عادة لا للتلويح ولا للعقوبات، ولا سيما في ظلّ التشكيك في إمكان اتّخاذ قرار بهذه العقوبات، أو في فعّاليّتها. والحديث عن أنّها ستستهدف برّي مبالغ به، لأن ليس في قاموس الإدارة الأميركية أن تقطع شعرة معاوية مع رئيس البرلمان الذي تعتبره صلة الوصل مع المكوّن الشيعي في لبنان.
يخلص هؤلاء إلى أنّ تشدّد الحزب يعود إلى انتظار طهران اتّضاح التسويات في المنطقة التي لم تتّضح مآلاتها بعد على الرغم من الاتفاق السعودي الإيراني.
وليد شقير- اساس