لماذا وافقت “القوات” على ترشيح أزعور؟

ليس منطقياً اتهام “القوات اللبنانية” بالمناورة في معركة رئاسة الجمهورية، فهي منذ بداية هذه المعركة تعاملت معها بحسّ عالٍ من المسؤولية وبجديّة لافتة، عكس الفريق الآخر الذي يمثّله “حزب الله” متجاوزاً الدستور والمنطق لأهداف مشبوهة، أقلّها الاستمرار في الهيمنة على الدولة اللبنانية.

حتماً كان لـ”القوات” مرشّحها الأساس وربما النموذجي بالنسبة اليها وهو رئيسها سمير جعجع الذي يتزعّم أكبر كتلة نيابية وطنياً ومسيحياً ويُعتبر مرشحاً طبيعياً والأقوى مسيحياً، إلا أنها تعرف أن واقع الانقسام السياسي في لبنان لا يسمح لجعجع بالوصول إلى الرئاسة، إذ تعتبر قوى 8 آذار أنه مرشّح تحد.

لذلك، اعتمدت “القوات” منذ بداية المعركة الرئاسية، معيار الاجماع في المعارضة، لأنها تتألف من قوى سياسية متنوّعة، ومتباينة في رؤيتها، ولو كانت متفقة على مواصفات المرشّح الرئاسي وهي: سيادي، اصلاحي وانقاذي.

هكذا، خاضت “القوات” مفاوضات مع قوى المعارضة أي “الكتائب” والشخصيات السيادية المستقلة و”التغييريين”، وقد نال النائب ميشال معوّض الأكثرية، لذا قررت مع حلفائها ترشيحه ودعمه في الجلسات الانتخابية، وبالتالي لم تكن تسميتها لمعوض مناورة أو لحرق الاسم، بل صوّتت له، وبلغ في إحدى الجلسات ما لا يقل عن 50 صوتاً، لكن الثنائي الشيعي و”التيار الوطني الحر” وبعض نواب 8 آذار، اختاروا التعامل بطريقة سلبية مع الانتخابات بحد ذاتها، إذ لم يرشّحوا أحداً، وراحوا يُسقطون الأوراق البيض في صندوق الاقتراع، وذهبوا بالمنطق التعطيلي أكثر من ذلك، فعند الانتهاء من الدورة الأولى، كانوا ينسحبون من الجلسة ويفقدونها النصاب، بدلاً من البقاء في المجلس لخوض دورات عدة وفق الدستور، حتى انتخاب رئيس! وبالتالي كان فريق 8 آذار يناور منذ البداية، تارة بطرح الحوار المخالف للدستور والهدف فرض مرشّحهم “المستتر” آنذاك، وطوراً باقفال المجلس حتى ترضخ المعارضة.

تطوّرت الأمور وكشف الفريق “الممانع” أوراقه عندما رشّح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية للرئاسة، معتبراً أنه مرشح “توافقي”، علماً أن فرنجية لا يمت بصلة إلى التوافقي، فهو يمثّل الثنائي الشيعي ومقتنع بخط المقاومة و”الممانعة”، وتاريخه مكتوب على جبينه، الا أنهم أرادوا إسقاطه بـ”الباراشوت” كمرشّح توافقي، على الرغم من اجماع مسيحي رافض له، ولم تنجح فرنسا بكل حضورها الأوروبي والعالمي في فرض فرنجية على المعارضة التي اجتمعت، مع تبايناتها، على قطع الطريق أمام وصوله إلى بعبدا، لاقتناعها بأن فرنجية سيُكمل ما بدأه ميشال عون، بحيث يتحكّم فيه الثنائي الشيعي، ويكون لبنان أمام 6 سنوات جديدة من الانهيار الاقتصادي والفقر والبؤس والعزلة الدولية. والمفارقة أن الفريق “الممانع” بقي حتى الأمس القريب يشترط لفتح مجلس النواب لجلسة انتخابية، أن يكون للمعارضة مرشح رئاسي، وقد استخدم هذا التبرير أمام عواصم القرار هروباً إلى الأمام.

في ظل هذا الواقع، أخذت “القوات اللبنانية” تفكّر في كل السبل لفتح كوّة أمل في جدار التعطيل الذي يمارسه الثنائي الشيعي ممثلاً بالرئيس نبيه بري المتحكّم بأبواب المجلس وفق مصالح “الممانعة”. وهنا، كان لا بد من البحث عن إسم جامع أكثر من معوض تتفق عليه كل مكوّنات المعارضة وربما أوسع من ذلك.

من المعروف أن إسم جهاد أزعور كان يُطرح دائماً كرجل “تسوية” غير مستفز، إلا أنه ليس الرئيس “الحلم” في نظر “القوات”، مع ذلك كان لا بد من رؤية واقعية برغماتية للأمور، وقد قبلت “القوات” في التباحث بإسمه للأسباب التالية:

أولاً، نال أزعور رضى كل مكوّنات المعارضة نسبياً، وهذا هو الشرط الأساس لـ”القوات” لخوض المعركة الرئاسية به والتنازل عن معوّض، على الرغم من أن بعض التغييريين لا يزالون فوق “الشجرة” ولديهم بعض الملاحظات بسبب انتمائه إلى ما يسمّى المنظومة، علماً أنه ليس منصفاً بأن كل من شارك في مرحلة معينة في السلطة يصبح فاسداً!

ثانياً، ترى “القوات” أن أكثرية القوى السياسية تتقاطع حول اسم أزعور مثل “التيار الوطني الحر” والحزب “التقدمي الاشتراكي”، ففي إحدى المراحل، طرح كل من جبران باسيل ووليد جنبلاط إسم أزعور، ورفضهما له ليس مبرراً ومنطقياً، إلا إذا كان لديهما مخاوف من رد فعل “حزب الله”، لكن ما توصّلت اليه المفاوضات والاجتماعات حتى الآن بين المعارضة و”التيار” على الأقل، توفّر لأزعور أكثر من 65 صوتاً، وهي كافية لإنتخابه رئيساً.

ثالثاً، يحظى أزعور بثقة محلية ودولية، فالرجل يتمتع بمواصفات أكاديمية وخبرة طويلة في الشأنين الاقتصادي والمالي كونه من المسؤولين في صندوق النقد الدولي، ولديه علاقات دولية يبدو أن لبنان بأمسّ الحاجة اليها، وهو قادر إذا اجتمع اللبنانيون حوله وانتخبوه رئيساً أن ينقذ لبنان المنهار مالياً. من هنا تؤيد “القوات” وصوله إلى الرئاسة.

رابعاً، بترشيح أزعور، تفضح “القوات” فريق “الممانعة” التي تزعم بأن المعارضة ليس لديها مرشح، وتبطل الأسباب التي يتسلّح بها بري لقفل أبواب المجلس، ما سيعرّضه للعقوبات الدولية إذا استمر في عملية التعطيل، علماً أن ارباك “الممانعة” بدا وضحاً من خلال مواقف غير متماسكة وخالية من المنطق أدلى بها النائبان محمد رعد وعلي حسن خليل، ولم يقنعا أحداً باعتبارهما أزعور مرشّحاً غير جدي. وبات من الضروري فتح باب المجلس لنرى من هو المرشّح الجدي وغير الجدي، فلماذا لا يجرؤون؟

خامساً، تقاطع أكبر تكتلين مسيحيين “القوات” و”التيار” وقوى المعارضة الأخرى حول إسم ازعور، أراح بكركي، بحيث ذهب البطريرك مار بشارة بطرس الراعي إلى فرنسا للقاء الرئيس ايمانويل ماكرون، حاملاً اسماً بديلاً عن فرنجية ويلاقي تأييداً من أكثرية القوى المسيحية وليس صعباً أن يتحاور مع الفريق الآخر إذا صفت النيّات. ولا بد للثنائي الشيعي من الاعتراف بأن صفحة فرنجية طويت، وبات عليه النزول من “الشجرة” إذا أراد انتخابات رئاسية، وإلا سيأخذ لبنان إلى خيارات صادمة، وما ليس مقبولاً دولياً الأمس واليوم قد يصبح مقبولاً في المستقبل القريب، لأنه يتبيّن أن أزمة لبنان ليست بانتخاب رئيس للجمهورية إنما أبعد من ذلك بكثير!

جورج حايك- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة