عُريّ ناديا الجندي على ألبوم زياد الرحباني…قصة من السبعينات

أعاد بعض الفسابكة نشر غلاف اسطوانة “آثار على الرمال/موسيقى تصويرية” لزياد الرحباني والتي صدرت العام 1975، والنشر لا يتعلّق بالموسيقى الرحبانية البتة، بل بصورة الغلاف لامرأة شبه عارية، وتحديداً من جزئها السفلي. فهي وإن ارتدت قميصاً فضفاضاً، يسمح للنسائم البحرية بملاطفة جسدها أمام الكاميرا، فهي الواقفة بشكل جانبي على شاطي البحر، ظهرت عارية الفخذين، وتندّر الفسابكة من باب النكتة والطرافة والتهكّم، ما إذا كانت عارية المؤخرة أو ترتدي المايوه اللحمي(بلون اللحم والجسد) أو أنها بدون حتى ورقة توت…

وموضع الاستغراب والاستهجان والتعجب في النظرة إلى الصورة “العارية”، أو التي يغلب عليها العريّ، هو تبدّل معايير الرقابة بين الأمس واليوم. فرغم طوفان الانترنت وفائض العريّ وحتى المجون والإباحيات الانترنتية، مالت أنظمة عربية إلى مزيد من التشدّد والرقابة، وعادت المجتمعات إلى مزيد من التحجب والانغلاق. ومفارقة غلاف ألبوم “آثار على الرمال”، ليس أنّه يتضمن امرأة عارية تستدعي البصبصة فحسب، بلْ في أنّ صاحبة الصورة هي الممثلة المصرية ناديا الجندي، والصورة التقطتها إحدى شركات الاعلان لها قبل شهرتها وقبل أن تصبح “نجمة الجماهير”… وقد تغيرت ملامحها كثيراً، وهي التي بدأت التمثيل بمشاهد بسيطة أواخر الخمسينيات، صعدت السّلم وبلغت “مجدها الاغرائي” التافه في حقبة الثمانينيات…

ربّما يسأل سائل اليوم، ما دخل المرأة العارية والمثيرة بألبوم يتضمن موسيقى رصينة لفنان وكان في ذروة عطائه وإبداعه؟ هل يريدون العين أن تسمع بدلاً من الأذن؟ المتابعون لعالم الموسيقى والألبومات، يقولون إن شركات الاسطوانات في تلك الفترة، كانت تنتقي الأغلفة المثيرة و”الفاحشة” كجزء من التسويق والترويج، فليس ألبوم زياد الرحباني وحده في هذا المجال. ثمة ألبوم للموسيقار الياس الرحباني عليه صورة لامرأة عارية الصدر تماماً، لا نعرف من هي تحديداً… وهناك ألبوم للفنانة جاكلين، بصدر شبه عار، يتضمن مجموعة أغنيات ليست ماجنة كما يمكن أن يتخيّل المرء من خلال الصورة، بل تعاونت مع خلالها مع أسماء بارزة منها الأخوين رحباني في أغنية “خدني على الثلج”، وجاكلين (أو جاكلين مونرو كما كانت تحبّ أن تلقب تيمناً بالشقراء مارلين مونرو!) من اللواتي اشتهرن في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وعرفن بتقديم أدوار الإثارة والإغراء، شهرتها في لبنان قادتها للظهور في السينما المصرية فشاركت في فيلم “اسماعيل ياسين في دمشق” العام 1958، لكن نجاحها الأكبر كان في السينما اللبنانية حيث قدمت العديد من الأفلام…

وليست أغلفة الاسطوانات المثيرة و”المتحرّرة” إلا جزءاً من موجة “ثقافة العري” التي كانت سائدة ورائجة، كما في بعض الأفلام التي تعتمد في محتواها بشكل أساسي على “جرعة زائدة من المشاهد الجنسية” كما كتبت مدونة “أنتيكا”، وكان منتجو الأفلام أو مخرجوها يتوهمون “العالمية” من خلالها. ولا يختلف واقع الأمر في المجلات الفنية الملوّنة التي كانت تعتمد على أغلفتها، كوسيلة لبيعها وترويج ثقافة الهشاشة والرصانة. فمجلة مثل “الشبكة” فهمت منذ بداية الستينيات أهمية صورة الغلاف في التسويق فاعتمدت على وجوه نسائية لها وقعها الجمالي والاغرائي، وفي داخلها نقرأ عن فيروز ومسرح الرحابنة ومهرجانات بعلبك وأم كلثوم وعبد الوهاب والسينما الأوروبية والهوليوودية، إضافة لذلك فقد اعتمدت “الشبكة” خطة تسويقية تمثّلت في طباعة غلافين للمجلة أحدهما “جريء” للتسويق في لبنان وبعض البلدان العربية الأكثر انفتاحاً، وآخر “محتشم” للتسويق في دول الخليج والبلدان العربية المتزمتة. نجمات غلاف “الشبكة” اللواتي اقتربن أو لامسن عالم “البلاي بوي”، تنوعن ما بين فنانات معروفات بين الجرأة والرزانة وفتيات مغمورات يبحثن عن الشهرة والأضواء وربما العشق السري و”ثقافة مدام كلود”، وطريقهن إلى هذا العالم صور قوامهن الممشوق ومفاتنهن الفاتكة والمستهامة سواء بالبكيني على الشاطئ أو بالثياب الداخلية في مكان ما، أو بلقطات مصور بارع وقناص يؤثّر في جمهور البصبصة ويخلخل سكينته…

وصور “العاريات” في أغلفة أسطوانات السبعينيات الموسيقية، تعيدنا الى الفنان ألفرد طرزي في عمله التجهيزي عن الصحف والمجلات اللبنانية في هنغار “أمم”، حيث اعتنى الفنان بأكثر من مئة مطبوعة صدرتْ خلال ثلاثينيّات القرن الماضي وحتى نهاية ثمانينيّاته، وتتبّع مسارِها وسعى إلى الكشف عن ظاهرتَين مُتمايزتَين ومُرسَّخَتَين في هذه المطبوعات: فعدا عن تمثيل العنف السياسي الذي يتجلّى في النّزعاتِ المُسلّحة، هناك إساءةِ استخدامِ تصويرِ المرأةِ كاستعارةٍ أو مَجازٍ الحرية والجنسانيّة.

كان جسد المرأة علامة على الترف والاستهلاك والتسليع في زمن مجد الثقافة والحرية والترف والترفيه، وكان هناك جموح وفحش في استعمال جسد المرأة في عالم الصحافة، سواء السوقية منها، وحتى بعض المجلات الفنية (“الشبكة” وأخواتها) أو الحداثية (“المكشوف” نموذجاً)، والأمر الاستهلاكي يتخطى الصحافة إلى الأفلام السينمائية والموسيقى والأزياء وبيع السيارات وحياة المدينة كلها.

هي ظاهرة الفاشنيستا التمحورة حول المظهر وتمجيد الجسد وإهانته في الوقت نفسه، بتحويله إلى سلعة دعائية والركض وراء الربح بأي ثمن…

المدن

مقالات ذات صلة