حزب الله يفوز بتكتل سنّي في البرلمان!
ي خطوة ترتبط بالمسار الطبيعي لنتائج الانتخابات البرلمانية قبل نحو عام، وكذلك بعد نحو ستة أشهر من قبول المجلس الدستوري الطعن المقدم من النائب فيصل كرامي لاسترداد مقعده في طرابلس، أعلن الأخير عن ولادة تكتل “التوافق الوطني”، الذي يضم إلى جانبه نوابًا سنّة آخرين موالين وحلفاء لحزب الله، وهم: عدنان طرابلسي، حسن مراد، محمد يحيى وطه ناجي.
اللعب بمساحة فارغة
وهكذا، يولد تكتل “التوافق الوطني” بظروف مختلفة، في برلمان تعطيلي لا يملك أحدًا أكثرية مقاعده. كما يتوج موت “اللقاء التشاوري” الشهير، الذي كان يمثل قبل سنوات “التيار السنّي” الموالي لحزب الله، والمعارض لتيار “المستقبل” ونادي رؤساء الحكومة السابقين. أما تكتل كرامي الثابت بولائه لحزب الله وخطه السياسي، فتشكل بعوامل متغيرة، وبلا حاجة لوجود خصوم صاروا من الماضي، وكانوا يرفضون الاعتراف بشرعية “اللقاء التشاوري” طائفيًا وسياسيًا.
في السياسة، يرى كثيرون أن هؤلاء النواب يمارسون حقهم الطبيعي في التكتل داخل نظام الطوائف الحالي. ليس لأنهم يلتقون عند خطّ حزب الله فحسب، ولا لأنهم تاريخيًا من موالي النظام السوري، ويحتفون بتعويمه العربي بعد 12 عامًا أيضًا..؛ بل لأنهم يلعبون داخليًا في مساحة فارغة من تكتل خصم ووازن في طائفتهم. وتاليًا، فأن أي طرح يعلنون عنه، مهما كان متهافتاً، سيلقى مكانته في ظل هذا الفراغ.
ومع هذا الإعلان، يصبح البرلمان اللبناني رسميًا أمام تكتل سنّي يتألف من خمسة نواب من نصيب حزب الله ومعه حركة أمل، ويضاف إليهم نحو أربعة نواب سنّة آخرين من نصيبهما أيضًا مثل: جهاد الصمد، ينال الصلح، ملحم الحجيري وقاسم هاشم، إضافة إلى قدرة الحزب على استقطاب نواب سنة آخرين شمالًا وجنوبًا. وهؤلاء جميعًا، من أصل 27 نائبًا سنيًا، لا يقابلهم أي تكتل وازن في ظل التشرذم بين تغيريين و”سياديين”، والذي تفاقم بغياب تيار المستقبل الذي خسر رافعته الإقليمية، من دون أن تُمنح لغيره، بعدما كان وحده يملك نحو 17 مقعدًا سنيًا.
إعلان كرامي
وفي مؤتمر صحافي أداره كرامي، أعلن عن تشكيل تكتل “التوافق الوطني”، مع كل من طرابلسي ومراد ويحي وناجي.
وقد قالها كرامي بوضوح معتاد عند سؤاله عن ارتباط التكتل بحزب الله: “لا شيء نُتّهم به، حزب الله ليس تهمة في لبنان..، وغدًا يرون أداءنا ومواقفنا وكيف ستكون ضمن قناعاتنا وبيئتنا”.
وفي ظل اضمحلال معادلة 8 و14 آذار، أشار كرامي إلى أن التكتل الجديد لا يصنف نفسه ضمن المعارضة أو الموالاة، “بل نحن واقعيون ونعمل حسب الظروف وقناعاتنا، وما نراه مناسبًا نأخذ فيه القرار”.
وإذا لا يُخفى على أحد أن نواب التكتل الجديد سيصبون أصواتهم في الاستحقاق الرئاسي دعمًا لمرشح حزب الله، الذي هو حاليًا زعيم تيار المردة سليمان فرنجية، قال كرامي: “ما من اسم يستفزنا، ونحن بانتظار صدور الترشيحات ومن ثم نبني على الشيء مقتضاه”. ووضع كرامي باسم زملائه التكتل الجديد بمنزلة “النواة التأسيسية لتكتل وطني عريض عابر للمناطق”.
فيما يستفيد هذا التكتل بالإعلان عن نفسه من المناخات الإقليمية المناسبة لخطهم السياسي، سواء لجهة المصالحة الإيرانية السعودية أو لجهة الانفتاح العربي على النظام السوري، عبّر كرامي عن ذلك بالقول: “مجتمعون على الثوابت القومية والوطنية وأبرزها، عروبة لبنان وأهمية انفتاحه على كل الأشقاء العرب، وتوطيد علاقاته بكل الدول العربية من دون استثناء”.
أبعاد التكتل
عمليًا، يأتي هذا التكتل بعد نحو عام من الانتخابات البرلمانية، التي تسببت بغياب تيار المستقبل في ارتفاع عدد النواب السنة المنضوين ضمن كتل طائفية أخرى. وهذه النواة التأسيسية التي يتحدث عنها كرامي، وإن كانت لا تعكس مزاج طائفة قاطعَ أكثر من نصف أبنائها الانتخابات، تجاوز عبرها شوطًا من اختبار ما كان يشتكي منه المسيحيون في العقدين الأخيرة، حين كانت شريحة واسعة منهم تعتبر أن تمثيلهم البرلماني يضيع بكتل غير مسيحية.
لكن حزب الله الذي تضرر من انسحاب تيار المستقبل بعدما كان يعقد مع زعيمه سعد الحريري تسويات التحاصص، استطاع عبر هذا التكتل السني الجديد الموالي له، أن يستفيد ويستثمر بغياب أقطاب الزعامات السنية التقليدية لأول مرة عن البرلمان منذ نحو ثلاثين عامًا.
في حين، ورغم نجاح تجربة كسر أحادية التمثيل سني في البرلمان، وكانت من أبرز انعكاساتها نجاح النائب إبراهيم منيمنة في بيروت الثانية الذي فاز بمقعد كان من حصة الحريري، لم ينتج عن ذلك تشكيل تكتل تغييري عريض خارج منطق العباءة الطائفية التقليدية ومن دون ناظم واحد.
إذن، بانتهاء مهمة نادي رؤساء الحكومة السابقين، بعدما عجزت أركانه عن إيصال نائب واحد إلى البرلمان، فإن تكتل كرامي وما سينتج عنه من توسيع أو تشكيل لتكتل مواز، سيجري اختبار دوره بميزان القوة في البرلمان بين الأقطاب السياسية والطائفية. وإذا كان الاختبار المنتظر هو الاستحقاق الرئاسي في مساندة هذا التكتل وتوفيره رافعة أصوات لمرشح حزب الله، وإن لم تكن كافية، فإن دوره لن يتوقف عند هذا الحد. ذلك أن تكتل “التوافق الوطني”، الذي اختار اسمه مع كل ما يعنيه، سيسعى للعب دور مرجعي مع الأطراف الأخرى، الخصوم والحلفاء، عند تكليف رئيس حكومة جديدة في العهد المقبل. إذ سيسوق لنفسه صاحبًا لشرعية طائفية-برلمانية في اختيار هوية الرئيس المكلف.
جنى الدهيبي- المدن