13 دولة ستلاحق سلامة..
بتاريخ 23 أيار الجاري، في العاصمة الفرنسية تحديداً، طالب المحاميان إيمانويل داوود وأنطوان أوري بتثبيت الحجز على أملاك حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، في فرنسا، لصالح الدولة اللبنانيّة.
متابعة مستمرة
وأتى طلبهما، بعدما حاول الوكيل القانوني الفرنسي للحاكم رفع الحجز وإخراج الدولة اللبنانية من الملف بشكل نهائي. وطوال الأشهر الماضية، لم يمل الحاكم من ألاعيبه المكشوفة في منع الدولة اللبنانية من الحصول على جزء من أمواله.
تفاصيل هذه الجلسة، عُرضت أمام رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل، القاضية هيلانا اسكندر، محامية الدولة اللبنانية المسؤولة عن إعادة المال العام المنهوب للدولة اللبنانية. ووزارة العدل على تواصل مستمر مع المحاميين الفرنسيين من أجل متابعة هذه القضية في فرنسا.
توقيع العقد
في تاريخ 3 نيسان 2023، وقّعت وزارة العدل على العقد “المجاني” مع داوود وأوري لمتابعة قضية الدولة اللبنانية في فرنسا، وذلك بعدما وافقا على متابعتها من دون الحصول على أي أجر، خصوصاً أن الدولة مفلسة ولم تعد قادرة على تكبّد أي تكاليف إضافية لمتابعة أي ملف.
على أي حال، هذه المهمة قد تتوقف في أي لحظة، وقد يُمنع لبنان من الحصول على حقه من أموال سلامة. والعبارة التي سُمعت داخل قصور العدل منذ أشهر طويلة أن “الدولة اللبنانية ستخرج من المولد من دون حُمص” قد تتحقق فعلاً، في حال أصدر مجلس الوزراء مرسوم لعزل داوود وأوري.
عراقيل مكشوفة
ويوم الجمعة 26 أيار، اتُهمت وزارة العدل بتعيينها محام فرنسي من أصول يهودية، على اعتبار أنه صهيوني يعمل لصالح العدو، علماً أن مصدراً قضائياً رفيعاً أكد لـ”المدن” أن إمانويل داوود ليس يهودياً بل مسيحي ومن أصول جزائرية، ووالده يدعى عبد القادر، وهو مسلم بالأصل، وأعتنق الديانة المسيحية حين قرر الزواج من امرأة إسبانية.
مع هكذا حجج واهية وأكاذيب أخرى، بات واضحاً أن الحكومة راضخة لمطالب الحاكم، الذي طلب سابقاً من قاضي التحقيق، شربل أبو سمرا، إخراج الدولة اللبنانية من ملفه، متهماً القاضية اسكندر بالتحرك من دون صفة رسمية. واليوم، ها هي الحكومة تحاول منع الدولة اللبنانية من الحصول على ضمانتها من أموال سلامة، والمشهد صار واضحاً: الحكومة تحمي أموال سلامة، والقضاء اللبناني يحمي سلامة من الملاحقة الدولية.
ووفقاً لمصدر قضائي رفيع، فإن وزير العدل، هنري الخوري، لم يشارك في جلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، والتي لم يكن ضمن بنودها أي موضوع يتعلق بالحاكم. وتم تجاوز غياب الخوري بالرغم من مسؤوليته الكبرى في هذه القضية، ليجري الاستماع للمدير العام في وزارة العدل، قبل أن يتم مطالبة وزير العدل بتغيير أسماء المحامين.
هذا الأمر (الفضيحة) استفز وزير العدل، الذي دعا وسائل الإعلام إلى مؤتمر صحافي يوم غد، في وزارة العدل، لتوضيح حقيقة ما حصل. وقد علمت “المدن” أن الخوري قرّر “فضح المستور” بالمستندات والوثائق، وأمام الرأي العام، حيث سيُعرض اسم كل وزير أو مسؤول وافق على التواطؤ مع الحاكم ومنع الدولة اللبنانية من استرجاع حقها من المال العام المسروق منها.
جلسة جديدة
وعلى ما يبدو، فإن تسريب الصحافة لقرار الخوري بكشف المستور، أربك مجلس الوزراء الذي امتعض من المؤتمر المقرر يوم غد، ليصدر بياناً صباح اليوم الإثنين، 29 أيار، قائلاً فيه “وبدل إطلاق النقاش في الإعلام ومن خلال مؤتمرات صحافية للدفاع عن قانونية الطلب المرفوع من قبلكم، وهو أمر تم تجاوزه وأضحى خارج النقاش.. وبناءً لطلب السيد رئيس مجلس الوزراء فإنه يبلغكم أنه بصدد الدعوة إلى جلسة عاجلة وطارئة لمجلس الوزراء، وعلى جدول أعمالها بند وحيد يتعلق بموضوع الاتفاق بالتراضي مع محاميين فرنسيين لمعاونة رئيسة هيئة القضايا..”.
والحكومة تدرك جيداً اليوم، أن مهمة هيئة القضايا في الاتفاق مع أي وكيل قانوني فرنسي لمتابعة ضمانة الدولة اللبنانية من أموال الحاكم “مجاناً”، ليست بالمهمة السهلة، بل تحتاج لأشهر طويلة ريثما يتم إيجاد هذا الوكيل القانوني الذي يوافق على العمل من دون أي أجر.
وعملياً، مهمة هيئة القضايا ستكون شاقة وطويلة، إذ تقضي بإيجاد وكيل قانوني في كل بلد استثمر الحاكم على أرضها، أي أنها بحاجة للاتفاق مع وكيل قانوني “مجاني” في ألمانيا ولوسكمبورغ وبلجيكا وسويسرا وموناكو.. خصوصاً أن عدد البلدان التي تدقق في أملاك سلامة الموجودة على أراضيها تخطى الـ13 بلداً، أي أننا بحاجة إلى أكثر من 13 محامياً لمتابعة حق الدولة اللبناني في الخارج. فيما لا يزال أمام الحكومة مهلة شهر حزيران فقط، سيما أن القضاء الفرنسي حدد جلسة لحسم قراره في عقارات سلامة في بداية شهر تموز المقبل.
تجميد العقارات
من جهة أخرى، فقد علمت “المدن” أن القضاء الألماني قرر تجميد أكثر من 25 مليون يورو من عقارات يملكها الحاكم في ألمانيا، وأن باقي البلدان في صدد التحضير لتجميد عقارات له على أراضيها.
ويحصل كل ذلك، فيما لا يزال القضاء اللبناني يتحايل على القضاء الأوروبي لتبرئة الحاكم ومنع ملاحقته دولياً. فالقضاء اللبناني لا تعنيه مذكرات التوقيف الدولية الصادرة بحق سلامة وعائلته، ولا يكترث لعودة المال العام إلى الدولة المفلسة، بل يسعى لتبييض صورته أمام الحاكم فقط، ولتنفيذ جميع طلباته، ولاستقباله بحفاوة داخل قصور العدل، للسماح له بشرب القهوة وتدخين السيجار في الوقت الذي يحلو له. أما المال العام، فليس أولوية للحكومة أو للقضاء اللبناني.
وخلاصة الأمر، أن المُتابع لملف الحاكم، يدرك جيداً مدى خوف السلطة السياسية من أن يفضح سلامة ألاعيبها، التي مررتها خلال العقود الماضية.
فهل يتقدم الوزير الخوري بما لديه غداً؟ فللحقيقة نكهة مختلفة حين يقرر أحد أركان المنظومة عرضها أمام الرأي العام.
المدن