الفاتيكان: لاتّفاق اللبنانيّين على رئيس… لا لفرض رئيس على المسيحيّين!
ساعات قليلة يحطّ خلالها البطريرك الماروني في روما قبل تلبية دعوة الرئيس إيمانويل ماكرون في الإليزيه. ما بين هاتين المحطّتين عمل دبلوماسي تقوم به دوائر الفاتيكان منذ فترة، هدفه انتخاب رئيس جمهورية للبنان بعيداً عن الاصطفافات الحاليّة. سيحمل معه الراعي ورقة القوى المسيحية، تلك التي عبّر عنها في عظة الأحد في ترحيبه بتوافق القوى على اسم. غير أنّ هذا التوافق حتى الساعة مصحوب بكثير من الشكوك، ولا سيّما أنّ صاحب الاسم نفسه جهاد أزعور تشير مصادره إلى أنّه يرفض أن يخوض معركة بوجه الثنائي الشيعي.
الراعي في الفاتيكان ثمّ باريس
تلقّى البطريرك الراعي من السفيرة الفرنسية آن غريو التي زارته في بكركي لتقف عند “خاطره”، دعوةً إلى لقاء مع الرئيس الفرنسي يكون الملفّ الرئاسي العنوان الأبرز فيه. وكان البطريرك قد تقدّم القوى المسيحية في التصعيد اتجاه باريس على اعتبار أنّ الرئاسة اللبنانية تمرّ في بكركي قبل مرورها بالكيدورسيه والإليزيه. وصلت الرسالة جيّداً إلى باريس، ووصلتها أيضاً رسالة الأحزاب المسيحية، فقرّرت دعوة البطريرك إلى لقاء يُؤمَل أن يبدّد الاختلافات في وجهات النظر. وفي معلومات “أساس” أنّ البطريرك يهدف إلى ترميم الاختلاف بعدما أكّدت له السفيرة أنّ فرنسا لا تتمسّك بمرشّح معيّن، ويهدف إلى إطلاع الفرنسيين على ما في جعبة بكركي من أسماء يجري تداولها ويمكن أن تحظى بتوافق عامّ، وأن لا قدرة على فرض رئيس على القوى المسيحية. ليس موقف بكركي هذا ضدّ فرنجية، فهو واحد من رؤساء الأحزاب الذين استقبلتهم بكركي على طاولتها. فالمسألة بالنسبة إليها ليست متعلّقة بالأشخاص، بل بموازين القوى في البلاد.
على الرغم من تمسّك باريس حتى اللحظة بخيار فرنجية، لكنّها ستسمع من الراعي رسالة كالتي سمعتها من شخصيات لبنانية زارت باريس. وبدوره سيسمع الراعي من باريس قراءتها للملفّ الرئاسي ومقاربتها لترشيح فرنجية كما سبق أن سمع زوّارها أيضاً.
الفاتيكان: لاتّفاق اللبنانيّين على رئيس
في الفاتيكان كلام أكثر وضوحاً. ففي المعلومات أنّ الراعي طلب أن يزور الفاتيكان لمناقشة تطوّرات الملفّ الرئاسي مع وزير خارجية دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين.
وفي المعلومات أيضاً أنّ الفاتيكان سبق أن بلّغت زائريها من اللبنانيين في الأسابيع والأشهر الماضية، دعوتها إلى التحاور لانتخاب رئيس للجمهورية. وبحسب مصادر مقرّبة من الفاتيكان، فهي تعارض فرض رئيس على الإرادة المسيحية بما ينذر بتكرار تجربة عام 1992، وتعارض في الوقت نفسه محاولة فرض رئيس من القوى المسيحية على القوى الأخرى، وتدعو إلى الاتفاق بين المسيحيين والمسلمين على رئيس للجمهورية يحافظ على “دور لبنان ورسالته”. ووفق المعلومات، فقد أبلغت الفاتيكان باريس موقفها هذا، وأبلغته أيضاً للنائبين ملحم الرياشي وأنطوان حبشي منذ أسبوعين أثناء زيارتهما لها، ولرئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل في أثناء زيارته الأخيرة لروما. انطلاقاً من هذا التوجّه عملت القوى المسيحية على الاتفاق فيما بينها على مقاربة واحدة، وانطلاقاً من التوجّه نفسه قال باسيل من باريس إنّ الرئيس يجب أن لا يكون رئيس تحدٍّ للمسيحيين ولا للثنائي.
بخاري في اليرزة
في زحمة الرسائل وبعد اصطدام كلّ من سليمان فرنجية وجهاد أزعور بأكثر من مطبّ، جاءت زيارة السفير السعودي وليد بخاري لقائد الجيش جوزف عون في اليرزة في توقيت دقيق. إذ أتت بالتزامن مع الكلام عن الخيار الرئاسيّ الثالث، وبعد المناورات التي قام بها الثنائي كلّ منهما لحسابات مختلفة. وأكّد هذا اللقاء دعم المملكة العربية السعودية لمؤسّسة الجيش اللبناني، وحمل رسائل يمكن أن تستعجل حلحلة الملفّ الرئاسي في البلاد. الجدير بالقراءة أيضاً هو لقاء بخاري قبل أسبوعين مع السفير البابوي في لبنان. وفي هذا اللقاء بدت واضحة رغبة الفريقين بانتخاب رئيس يحظى بالتوافق وليس رئيس يتحدّى أيّاً من القوى اللبنانية. وبعد تأجيل الاجتماع الخماسي الذي كان مقرّراً عقده في الدوحة، الذي أوحى بأنّ الأحداث تتسارع وتتفاقم.
واحد من مؤشّرات ارتفاع حدّة الاشتباك السياسي هي ردّة فعل الثنائي على توافق القوى على أزعور. يريد الحزب أن يفرض فرنجية مرشّحاً توافقياً، وهذا الأمر لن يحصل كما أنّ فرض رئيس بمواجهة الحزب لن يحصل أيضاً ولن يكون في مواجهته حزب الله فقط، بل وكتلتا وليد جنبلاط والاعتدال الوطني اللتان ستذهبان إلى الاقتراع بورقة بيضاء تمهّد للخيار الثالث المقبل حتماً على متن مسار عربي دولي.
جوزفين ديب- اساس