بورصة الرئاسة: عروض لا تجد من يشتريها!!”
في نهاية تموز تنتهي ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ويبدأ البحث جدّياً في تداعيات الفراغ الرئاسي، فإمّا الذهاب إلى تسوية تتقدّمها قطر بالتنسيق مع الأميركيين والسعوديين في حراك عربي مشترك لإنقاذ لبنان بتوازناته الحاليّة على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”، وإمّا استمرار الفراغ بانتظار من يشتري في سوق الشروط المعروضة التي لا أسواق لها ولا من يشتريها.
باريس.. لا مرشّح للتحدّي
يخرق الاصطفافات الحادّة فريق بدأ يتكوّن ويعلن عن نفسه ويجاهر بأنّه لم يعد يريد البحث بأيّ اسم رئاسي يحصل على 65 صوتاً، لأنّه أصبح على قناعة بأن لا رئيس يُنتخب في لبنان في هذا الظرف بالذات بالنصف زائداً واحداً، وأنّ جلسة انتخاب سليمان فرنجية الجدّ لا يمكن أن تتكرّر اليوم لانتخاب سليمان الحفيد أو غيره. خير الأمور أوسطها، وهو ما سيبدأ الكلام عنه في خطاب عدد من القوى المحلّية والإقليمية على حدّ سواء.
أمس استقال وليد جنبلاط من رئاسة الحزب التقدّمي الاشتراكي تاركاً الحزب أمام ورشة عمل سيخوضها مجموعة من الشباب بقيادة النائب تيمور جنبلاط. وتحت عنوان هذا الانتقال التزام رئاسي بعدم الاقتراع لصالح أيّ مرشّح تحدٍّ. رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل أعلن ذلك أيضاً من باريس يوم الأربعاء في مقابلة مع “الحدث”، قائلاً إنّ المطلوب رئيس لا يتحدّى المعارضة ولا يتحدّى الثنائي، متحدّثاً عن خروج لبنان من الاصطفافات والالتحاق بالتسوية الإقليمية الحاصلة.
من جهته يصل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى باريس مدعوّاً من الإليزيه، حيث سيقول الكلام نفسه أمام مضيفيه: لا إمكانية لانتخاب رئيس تحدٍّ لأيّ فريق في لبنان. سيلتحق كثيرون تباعاً بهذه القناعة، وستنضج ظروفها في المرحلة المقبلة بانتظار اللحظة المناسبة التي سيختارها الثنائي لإعلان ذلك.
عروض لا تجد من يشتريها
في نهاية الأسبوع يُفترض أن يصل موفد قطري إلى لبنان لاستكمال جولته. أصبح معروفاً أنّ الموفد يطرح همساً رئاسة قائد الجيش جوزف عون. غير أنّ الذهاب إلى هذا الطرح يحتاج إلى أرضية ليست موجودة بعد. فالتسويات المقبلة على المنطقة ما تزال في بدايتها، ولا ينفكّ الحزب ينتظر شكل تداعياتها عليه. بدأ الكلام عن حراك عربي باتجاه لبنان على قاعدة أن لا غلبة لأحد، وسيكون عنوان المرحلة الاتفاق بين القوى الإقليمية التقليدية تمهيداً للتوافق على تسوية بين اللبنانيين.
وفق مصادر مقرّبة من الحزب، لن يذهب هذا الأخير إلى تسوية إلا بشروطه، وسبق أن بدأ ببعث رسائله بدءاً من الجنوب في المناورة العسكرية. إلا أنّ ما يصطدم به الحزب حتى الساعة هو غياب العروض حتى الآن. لا أحد يريد التفاوض حتى الساعة لأنّ موجة الاتفاق الحاصل قبل وبعد القمّة العربية أكبر من البازار اللبناني. وإذا أراد الحزب انتظار تواصل أميركي إيراني يتعلّق به في لبنان، فهذا ليس متوافراً اليوم. من هذا المنطلق، تدعو بعض الأوساط الدبلوماسية الجميع في لبنان إلى التواضع، والذهاب إلى الوسط حيث يمكن انتخاب رئيس بشروط دولية تتيح للبنان الخروج من أزمته. وإذا كانت اللعبة هي لعبة عضّ أصابع، فالمجتمع الدولي لا يأبه لما يحصل للبنان ما دام الوضع على ما هو عليه. بل إنّ الاتجاه، بحسب المعطيات الناتجة عن القمّة العربية في جدّة، هو أنّ لبنان الذي غاب عن الأولويّات حضر على هامش القمّة ملفّاً لن يصعب التوافق عليه على قاعدة الانسجام مع متغيّرات المنطقة.
استياء فرنسيّ من السعوديّة!
تزامناً مع هذه المتغيّرات، يدور في كواليس الإدارة الفرنسية كلام عن توتر العلاقة مع السعودية بسبب سياسة المملكة في المنطقة. فباريس أوّلاً لم تتقبّل بعد فكرة دعوة الرئيس السوري بشار الأسد و”التطبيع مع النظام السوري” والتقارب السعودي الإيراني في المنطقة، ولا سيما أنّ هذا لم ينسحب على لبنان.
تضيف المصادر إنّ هذا الموقف يعبّر عن “تعارض في موقف المملكة”. لكنّ فرنسا، وإن كانت مستمرّة في تمسّكها بخيار فرنجية، فإنّها تعلن أمام زوّارها أنّها منفتحة.
الانقطاع عن التواصل السعودي الفرنسي جعل باريس تتجاهل ما أعلنه السفير السعودي في بيروت أن بلاده تضع فيتو على أي من المرشحين واستقبال الدبلوماسي السعودي لفرنجية خير دليل على ذلك.
غنّى زياد الرحباني مرّة عن “الشرّاية والبيّاعين”، وعن أنّ “العالم كلّها شرّاية بس مش كلّها بيّاعين”. الواقع اللبناني على اختلاف تناقضاته معاكس اليوم، إذ لا “شرّاية” في البازار اليوم، بل اتجاه واحد في مسار عربي مشترك لا بديل عنه، رغم كثرة “البيّاعين”.
جوزفين ديب- اساس