إسرائيل تجمع معلومات عن مواقع حزب الله ومخازن الصواريخ ومراكز التركيب… ولكن؟
أحدثت المناورة العسكرية التي أجراها حزب الله، في جنوب لبنان، يوم الأحد الفائت، الكثير من التوتر والانشغال لدى الإسرائيليين. لم يكن بالإمكان مرورهم على مثل هذه المناورة من دون جدالات ونقاشات داخلية، وإن لم ترق حتى الآن بالنسبة إليهم إلى مستوى الحدث. خصوصاً في ظل التخبط المستمر الذي تعيشه الحكومة الإسرائيلية. ومن أول ردود الفعل على ما جرى، كان تسريب معلومات عن عقد اجتماع للحكومة المصغرة لمناقشة تداعيات مناورة حزب الله، بالإضافة إلى التطورات على الحدود الشمالية للكيان مع سوريا ومع لبنان. جاء ذلك بالتزامن مع تصريحات تصعيدية قام بها مسؤولون عسكريون حول ضرورة المهاجمة قبل فوات الأوان. وهو تصعيد كلامي لا ينفصل عن تصعيد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
عصر الجنرالات
في موازاة هذه السجالات الإسرائيلية، يتنامى مناخ في إسرائيل عن أن المجتمع كله لم يعد مجتمع حرب، لا سيما مع إبراز قناعة أساسية بأن عصر الجنرالات المقاتلين في إسرائيل قد أفل، وإن العمل يتجه نحو البحث عن تسويات ومساومات لا أكثر، فيما أقصى الحروب التي يمكن للإسرائيليين أن يقوموا بها تتركز على غزة، كما حصل في السابق مع الجهاد الإسلامي، مع محاولة لتحييد الفصائل الفلسطينية الأخرى، على أن لا تكون تلك الحروب طويلة الأمد. بل تبقى في إطار الضربات الموضعية.
كما يبقى مجال لاستمرار تنفيذ عمليات أمنية وغارات في سوريا كساحة مفتوحة. أما الجبهات الأخرى، ولا سيما لبنان أو إيران، فهي ليست في حسبان نتنياهو ولا أي حكومة أخرى، حتى وإن كان على رأسها جنرالات. وهناك تجربة أساسية مع يائير لابيد ووزير الدفاع بني غانتس، إذ أن كل التهديدات التي أطلقت خلال مفاوضات ترسيم الحدود لم تصل إلى أي مكان، إنما كانت الغاية الاستعراض للوصول إلى تفاهم أو تسوية. وفي هذه المعادلة، تمكن حزب الله من إظهار أنه انتصر وفرض شروطه من خلال ترسيخ الاتفاق بعد إرسال المسيرات.
التشظيات السياسية
كل ردود الفعل الإسرائيلية السريعة على مناورة حزب الله، كان المراد منها استيعاب ردود الفعل في الوضع الداخلي، من خلال إظهار الحكومة لقوتها أمام الشعب، ولكنها لا تزال عاجزة عن ذلك. أولاً بسبب عدم القدرة على القيام بأي خطوة عسكرية، وثانياً بسبب التشظيات السياسية التي تعيشها وتعاني منها. وأكثر ما يؤشر إلى حالة الضعف الإسرائيلية هو وجود مساع لتكريس الستاتيكو القائم من دون الذهاب إلى خيار قلب الطاولة على الصعيد الدولي، خصوصاً أن اسرائيل لا يمكنها القيام بأي خطوة بمعزل عن الأميركيين، ومن دون دعمهم وتوفير غطائهم.
أقصى ما يمكن أن يركز عليه الإسرائيليون هو العمليات الأمنية وليس العسكرية، مع تثبيت معادلة أن ما قام به الجيش الإسرائيلي في غزة لا يمكنه القيام به في لبنان. علماً ان كل المعطيات والتقارير تفيد بأن الإسرائيليين يركزون أكثر على تجميع كم كبير من المعلومات، حول مواقع أساسية لحزب الله، ومخازن صواريخ، ومراكز تركيب وتجميع الصواريخ وتطوير الطائرات المسيرة، بالإضافة إلى البحث عن معلومات حول قيادات وكوادر في المقاومة.
تثبيت الواقع
وعادة ما تكون الغاية من جمع هذا الكم من المعلومات هو التخطيط لتنفيذ عمليات موضعية، إلا أن اسرائيل لا تتمتع بأي قدرة لوجستية لتوجيه ضربات أمنية أو عسكرية داخل لبنان، ولا للقيام بأي عمليات اغتيال، لا سيما أن قيادة حزب الله ملتزمة علناً بالردّ على أي ضربة أو عملية اغتيال. وهذا ما يكرس توازن القوى ويبقيه قائماً، وسط استبعاد إمكانية اندلاع أي حرب أو مواجهة مباشرة أو مفتوحة، إلا في حال بلوغ درجات الجنون الإسرائيلية مراحل متقدمة جداً.
ومن مقومات انعدام الحاجة إلى قلب الطاولة جذرياً، هو بقاء الوضع اللبناني كما هو عليه، واستمرار الوضع السوري بواقعه القائم، في ظل تهجير ملايين اللاجئين غير المتوفرة عودتهم حتى الآن. ما يعني تثبيت الوقائع.
منير الربيع- المدن