هل حقا محمد بن سلمان في خطر؟
هل حقاً أن الأمير محمد بن سلمان يستشعر الخطر؟!
لا بد أن تكون أكثر من جهة نقلت اليه مخاوفها من الأميركيين، الذين لا يستطيعون أن يتحملوا قائداً عربياً بالذات (فكيف اذا كان سعودياً ؟)، يسعى الى وقف الصراعات بين العرب والعرب، وبين العرب والمحيط، ما يمكن أن يهدد بتقويض الوجود الأميركي في المنطقة.
في باريس قال لي أكثر من باحث سياسي، ان الأميركيين يعتبرون أن ما يفعله ولي العهد السعودي يثير قلقهم أكثر مما أثار قلقهم آية الله خميني، أو أي ثائر آخر يحمل البندقية، أو يحمل الايديولوجيا في وجههم.
«حاخامات» الاستبلشمانت الذين كانوا يتوقعون سقوط سوريا اقتصادياً، بعدما أخفقوا في احتوائها عسكرياً، وتركها بين براثن فصائل همجية تأكل بعضها بعضا، دأبوا عبر العقوبات على محاولات عزلها، ودفعها الى الاختناق، دون أن يتمكن الروس الغارقون في النيران الأوكرانية، والايرانيون الذين بلغ بهم الاحتقان الاقتصادي حدود الانفجار، مساعدتها على الحد من تبعات الأزمة التي ضربت سائر مناحي الحياة فيها.
هؤلاء كانوا يتصورون أن المملكة ستبقى والى الأبد، ذراعهم في المنطقة وخارج المنطقة، ان بالأرمادا المالية أو بالدور الديني، وحيث تستنزف امكاناتها بطرق شتى وبذرائع شتى، ما أبقى المجتمع السعودي خارج الزمن، بحجة أنه مجتمع قبلي ولا مجال لتركيبته السوسيولوجية والتفاعل مع ديناميات العصر.
هالهم أن يظهر شاب في القصر وينظر الى البعيد، لاخراج بلاده من الظلمات. هذا ما تحقق في غضون سنوات قليلة. لم تعد مملكة أيام زمان. مملكة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بثقافة الخيزرانة ( واللحى العفنة)، وقد حلت محل ثقافة الحياة. ثمة ثائر لم يخرج من ليل الصفيح، بل من تحت الثريات ليعلق مصاصي الدماء بأرجلهم، وليستعيد ثروات ألف ليلة وليلة.
مثلما صدم الأميركيون بالاتفاق السعودي ـ الايراني، وبيدي شي جينبينغ، صدموا (ربما أكثر) بدعوة بشار الأسد الى قمة جدة، ليستقبل بحفاوة لافتة، وبالتأكيد على انقاذ سوريا من مصائبها. لنقرأ تعليقات الصحف الكبرى، ونلاحظ الى مدى انتهى الهذيان الأميركي. كان جو بايدن يتوقع للبقاء في البيت الأبيض أن تدق السعودية في عهده أبواب أورشليم، لا أن تدق أبواب دمشق…
كل ما حدث يشير الى أن المملكة تتجه لاخراج سوريا من كبوتها (هذا ما سمعه الرئيس السوري من ولي العهد السعودي)، ودون أن تستطيع الادارة الأميركية أن تفعل أي شيء لقطع الطريق على تلك السياسة، ولا الالتفاف حول المسارات الجديدة في المنطقة.
جيفري غولدبرغ (مجلة أطلانطيك) لاحظ أن الاختراق الديبلوماسي الصيني للشرق الأوسط، والى حد الايحاء بانقلاب المشهد رأساً على عقب، هو من حمل الادارة على اعادة النظر في طريقة تعاملها مع بكين. بعد كل ذلك الضجيج العسكري، ها هو جو بايدن يعلن «ان العلاقات مع الصين ستشهد تحسناً قريباً جداً» !
محمد بن سلمان رفض أن تبقى بلداننا أرضاً للصراعات (الصراع مع «اسرائيل» مسألة وجود أو لا وجود). كيف للولايات المتحدة، أو اي قوة عظمى، والحال هذه، وضع يدها على المنطقة، وهي التي بنت وجودها في الشرق الأوسط على تصنيع (وادارة) الصراعات على أشكالها.
واذا كانت هذه «فلسفة فوهة البندقية» التي تحكم العقل السياسي الأميركي، تبعاً لوصف الكاتب الشهير نورمان ميلر، فقد كرس ذلك رونالد ريغان بنظرية «حرائق الغابات»، أي الحروب أو الصراعات المبرمجة التي يتم اضرامها لغايات تكتيكية أو استراتيجية.
هل كانت دعوة فولوديمير زيلينسكي، كصنيعة لوكالة الاستخبارات المركزية، لاحتواء الجنون الأميركي الذي ظهر بعد الانفتاح السعودي على سوريا، وهدم ما بناه «الايباك» على مدى سنوات. بمعنى آخر(زيلينسكي مقابل الأسد)؟
لكن ظهور الرئيس الأوكراني كان الحالة الشاذة في قمة هي، بكل معنى الكلمة قمة القمم، وان كان هناك بين العرب من أزعجته المشاركة السورية، بعد ذلك الرهان (الباهظ التكلفة) على تفتيت سوريا إما لتتحول الى ضاحية للهيكل، أو الى دولة «اخوانية» بطربوش عثماني.
الأميركيون الذين اعتادوا أن يكونوا في شقوق الجدران في قصر اليمامة، يتوقعون وتبعاً لغولدبرغ، «تطورات مقلقة جداً» على امتداد الشرق الأوسط…
نبيه البرجي- الديار