حدثان مهمّان يخلطان الأوراق بعد القمة: الأسد من ورائكم.. ومناورة الحزب من أمامكم!

حدثان مهمّان كفيلان بفرض توازنات جديدة وإعادة خلط الأوراق:

1- مناورة حزب الله العسكرية ببعدها السياسي.

2- وعودة سوريا إلى رحاب العرب للعب دورها في المنطقة انطلاقاً من لبنان.

ليس معلوماً بعد كيف دخل النصّ المتعلّق بتحرير مزارع شبعا في مسوّدة البيان الختامي للقمّة العربية ولماذا أُعيد حذفه من النصّ النهائي المعلن على الرغم من وروده في المقرّرات. فقد ورد ما حرفيّته “التأكيد على حقّ اللبنانيين في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية والجزء اللبناني من بلدة الغجر، وحقّهم في مقاومة أيّ اعتداء بالوسائل المشروعة”. تضمّنته لكنّ هذا النص حُذف في البيان الختامي. لكن سواء بقي أو تمّ حذفه فالأمر سيّان في حسابات الحزب الذي سارع إلى الاحتفال بذكرى التحرير بمناورة بالذخيرة الحيّة، قاصداً أن تحمل رسائل بعيدة المدى. وقد جاءت على مسافة ساعات من عودة سوريا إلى الجامعة العربية واستقبال الزعماء العرب للرئيس السوري بشار الأسد.

ليس صدفة أن تتزامن المناورة مع عودة الأسد إلى الحضن العربي أو عودة العرب إلى الاعتراف بالرئيس السوري. الحقيقة واحدة وهي أنّ سوريا عادت من بوّابة السعودية وأُعيد الاعتبار لرئيسها عربيّاً على الرغم من الحصار الدولي وقانون قيصر.

لن يكون لبنان بمنأى عن تأثيرات هذه العودة وانعكاساتها. فهي تكريس واضح لدور سوريا في المنطقة، وعبر لبنان على وجه الخصوص. فكيف إذا تزامنت هذه العودة مع الفراغ الرئاسي والانقسام السياسي الحادّ والأزمة العميقة سياسياً واقتصادياً.

ردّاً على سؤال عن احتمال عودة الدور السوري إلى لبنان غداة عودة دمشق إلى الجامعة العربية، قالت مرجعية سياسية لها وزنها وتأثيرها على الساحة المحلية إنّ “سوريا لم تخرج كي تعود. فقد بقيت ومخابراتها حاضرة وموجودة في الحكم والحكومة معاً”.

برأي هذه المرجعية أنّ سوريا موجودة من خلال الحزب الذي أوصل حليفها الجنرال ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية ويصرّ اليوم على ترشيح حليف ثانٍ لها هو سليمان فرنجية.

تقول وجهة نظر أخرى إنّ سوريا كانت موجودة بشكل غير مباشر. كلّ من راجعها في أمر ما كان يُنصح بمراجعة الأمين العام للحزب. وعودتها مجدّداً كدولة معترف بدورها عربياً تعني كسر أحادية الحزب بالقرار السياسي اللبناني. فالحزب الذي اعتاد ألّا يكون له شريك في ما يقرّره قد لا يكون مناسباً في ضوء التفاهمات التي تحكم المنطقة ألّا يتماهى معها بدليل الحضور الإيراني في سوريا وتراجعه في ضوء التفاهم السعودي السوري. حتى صور قائد قوّة القدس في الحرس الثوري الإيراني السابق قاسم سليماني وقادة المقاومة اختفت من شوارع دمشق أخيراً وانحسر حضور الحرس الثوري في مناطق معدودة بعيدة عن العاصمة.

بدايةً من مناورة عرمتى

لم تكن المناورة العسكرية التي دعت إليها العلاقات الإعلامية في الحزب احتفاءً بالذكرى الـ23 للتحرير بأهدافها ورسائلها واضحة لدى الكثيرين، بُعيد الاتفاق الإيراني السعودي وتزامناً مع عودة العلاقات العربية مع سوريا وعودتها إلى حضن الجامعة العربية.

“سنعبر” قال الحزب على مرأى ومسمع العالم وعلى مسافة رمية حجر أو أقلّ من الحدود الفلسطينية المحتلّة. وتحديداً من بلدة عرمتى في قضاء جزّين، والتي تقع شمال نهر الليطاني. إنّها وما تلاها من عبارات حمّالة أوجه تعبّر عن فائض قوّة اليوم وفي المستقبل لصاحب الوعد الصادق.

من الصعب أن تجد من اقتنع بخطوة الحزب، وإن كان من بين الحلفاء المتباهين ضمناً بقوّته العسكرية. لم يكن عيد التحرير مبرّراً وحده لمناورة بالذخيرة الحيّة على مرأى ومسمع ما يقارب 600 صحافي عربي وأجنبي.

ربّ قائل إنّ الحزب استظلّ ما ورد في مقرّرات القمّة العربية التي أعطت لبنان الحقّ في تحرير أرضه. في غمرة النقاش الرئاسي والخلافات قفز الحزب إلى مناورة يستعرض من خلالها بعض قوّته وإمكاناته العسكرية ليبعث 3 رسائل:

-الأولى على المستوى الداخلي تؤكّد أنّ الحزب هو صانع السياسات.

-الثانية على المستوى الإقليمي تؤكّد أنّ بإمكانه إعادة رسم الخرائط في المنطقة.

-الثالثة على المستوى الإسرائيلي تعلن أنّ الحزب يملك من القوّة ما يجعله الفريق الأكثر إيلاماً لإسرائيل. وإذا كان ما حصل الأسبوع الفائت مع حركة الجهاد الإسلامي في غزّة بمنزلة رسالة من الإسرائيليين المتطرّفين بقيادة بنيامين نتانياهو إلى الحزب، فإنّ ردّه على أيّ عدوان مماثل سيكون مدمّراً ومفصليّاً هذه المرّة بدليل عبارة “سنعبر” التي تعني في ما تعنيه أنّ الحرب المقبلة ستهدّد وجود الكيان الإسرائيلي من أساسه. وبدليل المناورة التي شهدت استعمال “سلاح” الدراجات النارية، ومحاكاة “العبور” إلى مستوطنة إسرائيلية وأخذ رهائن منها.

مثل هذه الرسائل قد لا يستوعبها بعض الداخل اللبناني الذي يُصاب أحياناً بداء عدم تحديد الأحجام والأوزان. فباستغراب حدّ التعجب استقبل مراقبون في الداخل المناورة.

احتفال الحزب بتطوّر قدراته العسكرية على مرأى ومسمع العالم لم ينفِ تساؤلات خصومه وحلفائه عن الأبعاد، خصوصاً غداة الاتفاق الإيراني السعودي وبُعيد الانفتاح العربي على سوريا وعودة العلاقات السورية السعودية وبُعيد ساعات من القمّة العربية في جدّة التي أكّدت على السلام بموازاة التأكيد على أحقّية القضية الفلسطينية.

عرف الحزب كيف يقتنص الفرصة، إذ أجرى المناورة بعد مقررات الجامعة العربية التي أقرّت بالحقّ في تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وجاءت في لحظة رفع فيها الجانب العربي نبرته تجاه إسرائيل، فليس تفصيلاً أن تعود القمّة العربية إلى الحديث عن حدود الرابع من حزيران وعن أنّ مزارع شبعا محتلّة، وقول وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إنّ “فلسطين هي القضية المركزية”.

هذا تشدّد عربي تجاه السياسات الإسرائيلية المتشدّدة، وهو ما لاقاه الحزب، لكن بلغة عسكرية.

في “التوقيت” و”التحضير”

يقول حلفاء المقاومة إنّ المناورة سبق أن خطّط لها منذ فترة طويلة ولم تكن بنت ساعتها، وهي رسالة وليست مجرّد إحياء مناسبة. وهي أتت في أعقاب الحرب على غزّة والاغتيالات التي نفّذتها إسرائيل بحقّ قادة من حركة الجهاد الفلسطينية لتقول إنّ الأوضاع ليست متشابهة، وإنّ مجرّد التفكير في عمل كهذا في لبنان أو بحقّ الحزب الله سيكون ثمنه باهظاً.

يتابع هؤلاء قولهم إنّ إسرائيل ستدقّق لأيام طويلة بالقدرات العسكرية التي أظهرها الحزب، وهي جزء ممّا تيسّر للعرض. وقد أظهر قطعاً متطوّرة كالسلاح الأسود الذي ظهر محمولاً بين يدي أحد المقاومين، وهو الأهمّ، والذي بإمكانه أن يتصدّى للمسيّرات ويُحدث تشويشاً عليها ويغيّر مسارها بما يخدم أهدافه “مع العلم أنّ هذا التشويش قد يطال رادار الطائرات المدنية ويعرّضها لخطر السقوط”. إذاً هي رسائل ردعيّة بكلّ ما للكلمة من معنى تقصّد الحزب أن يبعث بها إلى إسرائيل التي ستغرق في تحليلها ودراستها بعمق، والوحيدة التي ستدرك أهميّة ما عُرض لتبني على أساسه.

في العمق المحلّي ليس واضحاً كيفية “تقريش” المناورة في رئاسة الجمهورية. يقول مصدر في الممانعة: “الانقسام في الذهنية اللبنانية واقع من الأساس ولم يكن الأمر يحتاج إلى مناورة. خصوم الحزب سارعوا إلى الاستثمار في ما عُرض ورّفع الصوت ضدّه. “تقريش” المناورة بالرئاسة قد يجعلها لغير صالح مرشّح الحزب سليمان فرنجية من جهة إحراجه مسيحياً ودولياً، لكنّه أيضاً قد يصبّ في مصلحته لأنّه الوحيد القادر على طرح نقاش مستقبل سلاح الحزب وفتح الحوار بشأنه”.

لكنّ مصادر أخرى تقول إنّ المناورة جاءت بمنزلة الضربة القاضية لحظوظ فرنجية الرئاسية. أمّا عودة سوريا فلن تكون إلى سابق العهد وما فات: “فسوريا بالكاد تحلّ مشاكلها وتعيد ترتيب أوضاعها الداخلية”.

اساس

مقالات ذات صلة