محمد بن سلمان هو النجم الحقيقي للقمّة… قائد قطار 2030 العربيّ!
من شاهد قمّة جدّة على الشاشات فلا شكّ أنّه وجد فيها تماسكاً وصلابة ورؤية متقدّمة ومغايرة لكلّ ما سبقها، فكيف من كان حاضراً في قاعاتها وكواليسها وتسنّى له الكلام مع شخصيّات عملت على إنجاحها وجعلها قمّة استثنائية بكلّ المقاييس.
في جدّة وفي قمّتها التاريخية حضر رؤساء الدول العربية، وحضر رجل اسمه فولوديمير زيلينسكي، تحوّل من ممثّل كوميدي إلى قائد عسكري أوكراني يواجه الإمبراطورية الروسيّة، وحضر بشار الأسد، الذي غاب عن الجامعة لاثني عشر عاماً طويلة. ولكنّ النجم الحقيقي لهذه القمّة كان واحداً، بعيداً عن محاولات الإطراء والتزلّف المعهودة. فمن واكب قمّة جدّة لا يمكن إلّا أن يعترف بأنّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هو النجم الحقيقي لهذه القمّة.
الاستقرار العربيّ الشامل
العنوان هو الاستقرار من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر.
في الاستعدادات لهذه القمّة، حرص المنظّمون على أن يكون المركز الإعلامي المخصّص للطواقم الصحافية الآتية من الدول العربية والأجنبية مركزَ “مدينة نيوم” الشهيرة. وفي هذا المركز مجسّمات وُضعت لتحاكي مستقبل المدينة – الحلم التي ستصبح عند تحقيقها من أجمل المدن في العالم.
في اختيار هذا المركز دلالة واضحة على أنّ وليّ العهد السعودي أراد أن يقول للعالم إنّ رؤية 2030 تنطلق من المملكة، لكنّها ستشمل الدول العربية لتصبح مستقرّة مزدهرة ونامية.
لن يكون ذلك مهمّة سهلة بطبيعة الحال. ومن السذاجة اعتبار أنّ مشاكل الأمّة العربية محلولة لمجرّد وضع الرؤية. لكن يجب في المقابل الاعتراف بأنّ هذه الرؤية سبق أن بدأت واليوم تكرّست في مشهد القمّة في جدّة.
من هنا في جدّة، ترى القطار العربي ينطلق وعلى متنه من قرّر الصعود ليؤسّس لمرحلة الاستقرار المقبلة. في جدّة يتحاور المتنازعون في السودان وفي اليمن. ومن هنا صدر بيان جدّة حول سوريا. ومن هنا قرّر بن سلمان أن يكون وسيطاً لحلّ النزاعات، لكن ليست العربية منها وحسب، بل والدولية أيضاً. فاستقبل زيلينسكي الذي قال إنّ المملكة على مسافة واحدة من طرفَي النزاع الروسي الأوكراني. وبينما يكرّس نفسه وسيطاً دولياً للسلام، استقبل اليمن وسوريا والعراق ولبنان ليُلحقها بقطاره.
إعلان جدّة.. وزواريب لبنان
صدر عن القمّة إعلان جدّة، وصدر عن جامعة الدول العربية مقرّرات القمّة 2023. وفي تفاصيلها الكثير ممّا تجدر قراءته جيّداً وبهدوء وبعيداً عن العصبيّات اللبنانية الضيّقة لأنّ فيها عناوين المرحلة المقبلة في السياسة والاقتصاد.
أثناء تغطية وقائع القمّة، نتحدّث مع محلّلين ورؤساء تحرير صحف وصلوا للمتابعة. نتحدّث معهم عن مستقبل البلاد المتعبة المرهقة الفقيرة عسى أن يكون مستقبلها أفضل. وبينما يستمع المشارك في القمّة إلى عناوين القضايا الملحّة في العالم العربي، يؤلمه حين ينظر إلى هاتفه فيقرأ تغريدات لبنانية لم ترَ في هذه القمّة سوى ما يمكن استخدامه في زواريبها الضيّقة. يُدهش المرء من حجم السخافة التي تختزلها بعض التغريدات المبنيّة على انتصارات وهمية.
نسأل هنا عن سوريا، فيقولون لنا: إقرأوا المقرّرات. عادت سوريا إلى الحضن العربي تحت سقف القرار 2254، وتحت سقف بيانَيْ جدّة وعمّان. لم تعد مجبرة بل مدعوّة بصدق إلى الالتحاق بقطار الازدهار العربي. ولكنّها عادت بشروط تريح العالم العربي والدولي على حدّ سواء. هذا من جهة، ومن جهة أخرى أُنظروا إلى مصر، بلد المئة مليون نسمة، التي صافح رئيسها الرئيس السوري بشار الاسد على الرغم من اعتراضه مع 4 دول أخرى على عودته إلى مقعد سوريا. صافحه نزولاً عند رغبة صاحب البيت.
قمّة جدّة التاريخية يقول عنها محلّلون هنا إنّها تأتي بعد اثنين وعشرين عاماً من قمّة بيروت التي كانت تاريخية أيضاً. ومن الأمس حتى اليوم، يتمسّك وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان بالمبادرة العربية للسلام بنداً أوّل وعنواناً أوّل في قمّته. لا سلام مع إسرائيل من دون حلّ عادل وشامل، ولا نجاح لكلّ الضغوط التي تعرّض لها بن سلمان من أجل التوقيع على التطبيع لأنّ وليّ العهد يدرك أنّه متى ما وقّع فسيقود العالم العربي إلى التطبيع، وهو أمر لن يقوم به إلّا تحت عنوان المغفور له الملك عبد الله بن عبد العزيز في المبادرة العربية للسلام .
القطار العربيّ… ولبنان؟
الرسالة واحدة: من يريد الالتحاق بالقطار فعليه أن يسلك مساراً واحداً. ليس هذا الكلام مبالغاً فيه. هو الواقع الذي تلمسه هنا في المدينة الساحلية التي تنمو اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً على ضفاف البحر الأحمر.
أمّا لبنان فمسكينٌ هو. يتلهّى أهله بمعارك زغرتا والضاحية ومعراب وعين التينة والرابية ووزارة الدفاع في اليرزة وغيرها. يتلهّون بالقشور والعالم أصبح في مكان آخر. في لبنان وسوريا والعراق واليمن بلغت نسبة الفقر درجات كبيرة مع تردّي الأوضاع السياسية والاقتصادية، وفي هذه البلاد أيضاً انتصارات دائمة.
كُتب في المقرّرات بند عن حقّ اللبنانيين في مقاومة الاعتداءات الإسرائيلية بالوسائل المشروعة. وكُتب عن التفريق بين الإرهاب والمقاومة في مواجهة إسرائيل. قرأه فريق لبناني انتصاراً له، بينما هو مجرّد انعكاس للتقارب السعودي الإيراني الذي جنّب لبنان تسجيل تحفّظه على البند المتعلّق بحزب الله الذي كان يحضر في سنوات الاشتباك. لا أبعاد أكبر. وفي بيان جدّة كُتب عن دعوة الأطراف اللبنانية إلى التحاور لانتخاب رئيس للجمهورية يرضي طموحات اللبنانيين وإعادة انتظام عمل المؤسّسات الدستورية وإقرار الإصلاحات المطلوبة لإخراج لبنان من أزمته. قرأ البعض في هذا الكلام انتصاراً له بينما هو مجرّد دعوة مستمرّة قديمة متجدّدة لن تتغيّر. انتخبوا رئيساً يمثّل المصلحة اللبنانية الحقيقية، ونفّذوا الإصلاحات لنساعدكم، ولا تسرقوا الأموال التي نأتيكم بها للمساعدة بل استخدموها لإنماء بلادكم وشعبكم. يصعب على من امتهن السرقة أن يصدّق هذه الدعوة، ويفضّل أن يرى فيها ما اعتاد عليه من فِخاخ سياسية. والأكثر حزناً في ذلك أنّه يصعب على شعب اعتاد الزبائنية أن يرى أنّ الأجدى هو حسن الاختيار بناءً على الكفاءة وحسن القيادة من أجل بناء بلد أفضل، ويفضّل أن يضع كلّ هذه الدعوات إلى بناء مستقبل أفضل في خانة المهاترات السياسية السخيفة التي تتغذّى عصبيّاته من خلالها.
ختاماً، لا بدّ للذين ما يزال في رأسهم عقل في لبنان أن يدركوا أنّ خلاصهم وازدهارهم وانتصارهم الحقيقي تكون فقط عندما يركبون قطار الـ2030، أي أن يدركوا أنّ الاستقرار والإصلاح هما عنوان الازدهار والنموّ، وأنّ المنطقة ذاهبة إلى حلّ صراعاتها، وبقاء اللبنانيين في خنادقهم يعني بقاء لبنان في حفرته.
جوزفين ديب- اساس