غادة عون القاضية اللبنانية الأكثر إثارة للجدل!
لم يسبق لقاضية لبنانية أن خلقت جدلاً حول شخصيتها كما فعلت غادة عون، فالسيدة التي ينظر إليها قسم من الرأي العام اللبناني على أنها أحد “أعمدة العدالة المفقودة”، ورأس حربة في محاربة الفساد، يصنفها آخرون “قاضية البلاط” بفعل صلاتها مع تيار رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، وانخراطها المباشر في معارك العهد ضد خصومه.
محطات كثيرة طبعت مسيرة القاضية غادة عون، يقودنا الخط الزمني للأحداث إلى الانطلاق من أقربها زمنياً، فقد فرض قرار “الطرد التأديبي” من القضاء نفسه على ما سواه. في الثالث من مايو (أيار) الجاري، أصدر المجلس التأديبي قراراً بطرد القاضية غادة عون بعد 40 عاماً من العمل القضائي، ولكنها ما لبست أن استأنفت القرار خلال مهلة الـ15 يوماً للمراجعة أمام مجلس القضاء الأعلى برئاسة الرئيس الأول لمحكمة التمييز سهيل عبود.
ترفض أوساط مجلس القضاء الأعلى التعليق على القرار التأديبي في حق القاضية غادة عون، متسلحة بسرية التحقيقات، وعدم جواز الإفصاح عنها لأنها غير نهائية، وتحتمل المراجعة. وتشير إلى أن الفريق القانوني للقاضية عون هو من نشر القرار في الإعلام، علماً أنه سبق أن صدرت قرارات التأديب في حق 13 قاضياً، وبقيت طي الكتمان.
من جهة أخرى، تكشف مصادر قضائية عن أن أسباب التأديب مختلفة، وليس إخلالها بموجب التحفظ السبب الوحيد، كما تتدرج العقوبات من التأنيب، وصولاً إلى إنهاء الخدمات مع الحفاظ على كامل الحقوق المالية والتقاعدية، والطرد من السلك من دون أي تعويضات. وهو ما يقودنا إلى فهم مكامن القرار في حق القاضية عون، فهو جاء ثقيلاً على مسيرة القاضية التي “استشرست” في محاربة “خصومها”. فالقرار لم يشكك في الصدقية أو النزاهة المالية، وكان أول تعليق لها بعد القرار التأديبي أن أعلنت خلو خزائنها من المال، وهو أمر يؤكده بعض القضاة المتقاعدين، ممن عرفوا السيدة في أروقة العدلية. ولكنه جاء نتيجة “خرق موجب التحفظ”، فبحسب التقاليد القضائية يمارس القضاة أعمالهم بصمت وحكمة في ظل قوس المحكمة، ولا يجوز لهم إفشاء تفاصيلها أو مداولتها إلى العلن. وليس من قبيل المبالغة القول إن استخدام الإعلام تحول إلى عبء في مسيرة القاضية، وهو لا يقل سلبية عن تحفيز المناصرين للمشاركة في “غزوات القاضية” ضد المدعى عليهم.
قائمة طويلة من المعارك
في عام 2017 دفع “التيار الوطني الحر” إلى تعيين القاضية غادة عون في موقع المدعي العام الاستئنافي في جبل لبنان، ومع تسلمها زمام المبادرة خاضت غمار مجموعة من المنازلات التي سبقتها عرقلة التشكيلات القضائية، والتي أدت إلى آثار سلبية في عمل العدلية، وسيادة صيغة قضاة التكليف، على حساب أولئك الأصليين، ناهيك بتكريس التداخل بين القضاء والسياسة، في وقت تتصاعد فيه المطالبات بإقرار قانون استقلالية القضاء عن السلطة السياسية في لبنان.
وقد تزامن ادعاؤها على الرئيس نجيب ميقاتي، وشقيقه طه ميقاتي، ونجله ماهر، و”بنك عودة” بجرم الإثراء غير المشروع على خلفية حصولهم على قروض مدعومة للإسكان بقيمة 30 مليون دولار، مع اندلاع انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وهو ما وضعه ميقاتي في خانة تصفية الحسابات السياسية، والانتقام.
وفي نهاية عام 2019 ادعت القاضية عون على رئيسة هيئة السير هدى سلوم على خلفية الإثراء غير المشروع في ملف النافعة. وفي حينه، تسرب فيديو لمشادة كلامية في مكتبها مع النائب السابق هادي حبيش الوكيل القانوني للمدعى عليها.
توسع عمل غادة عون ليشمل ملف الفيول المغشوش. ففي عام 2020 ادعت على شركة “سوناطراك” التي كانت تربطها عقود مع الدولة اللبنانية، حين أكدت أن ملف توريد الفيول شابه الفساد، مما كلف الدولة اللبنانية مبلغاً مقدراً بـ10 مليارات دولار أميركي.
أكسبت مداهمات شركات نقل الأموال غادة عون “نجومية” كبيرة، والتي ترافقت مع مواكبة أمنية، وضغط شعبي، وصولاً إلى ادعائها في أغسطس (آب) 2021 على “شركة مكتف” للصيرفة بشبهة التهرب الضريبي، وتحويل مبالغ مالية مقدرة بـ4.3 مليار دولار إلى الخارج لصالح مجموعة من كبار المودعين. وهو ما استتبع إصدار المدعي العام التمييزي غسان عويدات قراراً بكف يدها عن متابعة ملف تهريب الأموال إلى الخارج، ولكنها لم تلتزم مضمونه، ولكن ما لبست عون أن انتقلت إلى ملاحقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وشقيقه رجا بجرائم الاختلاس وتبييض الأموال. وأصدرت قراراً بمنع الحاكم من السفر، في موازاة المطالبة بتوقيف شقيقه، كما توسعت عون في التحقيق بجرائم اختلاس المال العام وتبييض الأموال في حق المصارف المستفيدة من الهندسات المالية لمصرف لبنان التي بلغت قيمتها 8.3 مليار دولار، ناهيك بلجوئها إلى قانون رفع السرية المصرفية من أجل مطالبة المصارف بالكشف عن حساباتها.
الكيل بمكيالين
في الزاوية الأخرى من المشهد كانت غادة عون أقل حماسة لملاحقة بعض الملفات، مما عرضها لاتهام “الكيل بمكيالين” من قبل قاضية محسوبة على الرئيس ميشال عون. ففي أعقاب “أحداث الطيونة” في أكتوبر 2021، تقدم مجموعة من الناشطين والأهالي بادعاء ضد الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، إلا أن القاضية لم تتحرك للملاحقة. والأمر نفسه بالنسبة إلى الدعوى الموجهة ضد إدخال الأدوية الإيرانية غير الخاضعة لأنظمة المواصفات الدولية إلى لبنان. ناهيك بالتأخير في ملاحقة قضية “القرض الحسن”، وهي مؤسسة مالية تعمل خارج النظام المصرفي وتابعة لـ”حزب الله”، ولا تخضع لرقابة السلطات المالية الرسمية أو شبكة التعاملات النظامية.
في المقابل، تعرضت عون لانتقادات شديدة بسبب بعض إجراءاتها الانتقائية، كتلك التي لاحقت بموجبها ثلاثة أطفال قاصرين، وقررت حبسهم بعد تمزيقهم لافتة في حمانا أمام مركز لـ”التيار الوطني الحر”، كما ادعت على مجموعة من الناشطين المطالبين بالتحقق من أهلية العماد ميشال عون لتولي منصب رئاسة الجمهورية.
مراجعة موجب التحفظ
تخالف غادة عون تقليداً قضائياً قائماً على التحفظ، وعدم التعبير عن مواقف سياسية واضحة. وهي تعتبر ناشطة على منصة “تويتر”، حيث لا تتردد في توجيه الانتقادات للخصوم، أو التعبير عن مواقفها المختلفة. وهو ما عرضها لانتقادات بخلفيات جندرية، تنطلق من الصورة النمطية للمرأة الشرقية.
في إحدى تغريداتها، عبرت عون بوضوح عن رفضها التفسير الكلاسيكي لموجب التحفظ، لأنه من غير المنصف حرمان “قاض يتعرض ليلاً ونهاراً للنعوت، والافتراء” من حق الرد، واضعة إياه في خانة “البدعة” التي تخالف حقوق الإنسان، وحق الدفاع المقدس.
وفي أعقاب صدور قرار الطرد في حقها وجهت انتقادات واضحة إلى مخالفيها في القضاء، إذ قالت إنها “أخطأت في نقطة واحدة في عدم تقدير حجم المنظومة الفاسدة”، وإن هناك من يحمي المنظومة في القضاء، كما بررت سحب الدعوى التي حركتها ضد النائب زياد حواط من زاوية الحرص على الاستقرار الاجتماعي، لأنها “تؤجج روح الانقسام بين حزبين لبنانيين وتفاقم الخصام”، وهي فضلت التضحية بحقوقها لأن “سلام الأمة والوطن يسمو على كل شيء”.
اندبندنت