السعودية تستقبل زيلينسكي في قمة جدة لتخفيف الانتقادات بشأن حضور الأسد

وازنت السعودية بين حضور الرئيس السوري بشار الأسد القمة العربية في جدة ودعوتها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى افتتاح القمة وإلقائه كلمة فيها، في مشهد مخصص للرد على الانتقادات الأميركية والغربية لعودة سوريا إلى الجامعة العربية.

ومن دون إعلان مسبق، حضر الرئيس الأوكراني أيضًا القمّة، فسرق الأضواء من الأسد، الحليف المقرّب من موسكو التي تشنّ حربًا على أوكرانيا منذ العام الماضي.

وقال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في كلمته الافتتاحية “نجدد تأكيد موقف المملكة الداعم لكل ما يسهم في خفض حدة الأزمة في أوكرانيا، وعدم تدهور الأوضاع الإنسانية، واستعداد المملكة للاستمرار في بذل جهود الوساطة بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا، ودعم جميع الجهود الدولية الرامية إلى حل الأزمة سياسيا، بما يسهم في تحقيق الأمن”.

ويعتقد مراقبون أن حضور زيلينسكي قمة جدة هدفه تأكيد أن السعودية ليست في صف هذا الطرف أو ذاك، وخاصة روسيا، في ظل اتهامها من قبل الولايات المتحدة بأنها تقف إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتمول حربه في أوكرانيا من خلال خفض إنتاج النفط والحفاظ على الأسعار المرتفعة.

ومن شأن الحضور المتناقض للرئيسين السوري والأوكراني أن يظهر أن السعودية تقف على الحياد عمليا، وأن الأمر ليس مجرد شعارات.

وقد بلغت المفارقات في قمة جدة مستوى جديدا بمصافحة جرت بين الرئيس السوري بشار الأسد وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وهو ما يؤكد أن الدوحة ذهبت إلى ما هو أبعد من مجرد عدم الخروج عن الإجماع العربي وأنها ستجاري بقية الدول الخليجية في تفعيل علاقاتها مع دمشق.

وقبل الدخول إلى قاعة الاجتماعات صافح الشيخ تميم بشار الأسد، في خطوة تهدف إلى التهدئة ومخالفة أفق انتظار الذين توقعوا أن يتجنب أمير قطر مصافحة الرئيس السوري لما تتضمنه هذه الخطوة من إشارات سلبية تحبط المعارضة التي مازالت تعتقد أن الدوحة تقف في صفها.

وأعلنت قطر أنها لن تطبّع العلاقات مع حكومة دمشق، لكنّها أشارت إلى أنها لن تكون “عائقا” أمام الخطوة التي اتخذتها الجامعة العربية.

وغادر أمير قطر سريعا قبل أن يستمع إلى بعض الكلمات وخاصة كلمة الرئيس السوري، في حين يقول المراقبون إن الحضور المقتضب للشيخ تميم في قمة جدة يهدف إلى عدم إغضاب العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وكذلك ولي العهد خاصة بعد تحسن العلاقات بين البلدين إثر مصالحة قمة العلا.

وذكر الديوان الأميري القطري أن الشيخ تميم بعث برقية شكر للملك سلمان بن عبدالعزيز والأمير محمد بن سلمان على الحفاوة التي قوبل بها في أعمال القمة. كما تمنى أن تسهم نتائج القمة “في تعزيز العمل العربي المشترك لما فيه خير الشعوب العربية”.

ورحّب القادة العرب في مستهلّ القمّة بالأسد. وقال ولي العهد السعودي “يسرنا اليوم حضور الرئيس بشار الأسد لهذه القمة، وصدور قرار جامعة الدول العربية بشأن استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية”. وأضاف الأمير محمد بن سلمان “نأمل أن يسهم ذلك في دعم استقرار سوريا، وعودة الأمور إلى طبيعتها”.

وقال “يكفينا مع طي صفحة الماضي، تذكّر سنوات مؤلمة من الصراعات عاشتها المنطقة، وعانت منها شعوبها وتعثرت بسببها مسيرة التنمية”. وأعرب الرئيس السوري من جهته عن أمله في أن يكون الاجتماع “بداية مرحلة جديدة” للعمل العربي المشترك.

وقال في كلمته أمام الحضور “أتمنى أن تشكّل القمة بداية مرحلة جديدة للعمل العربي للتضامن في ما بيننا لتحقيق السلام في منطقتنا والتنمية والازدهار بدلاً من الحرب والدمار”.

ووصل الأسد إلى جدّة مساء الخميس. وكانت قمة سرت في ليبيا في مارس 2010 آخر قمة حضرها الأسد. وقبل بدء أعمال القمة الجمعة، التقى الأسد نظيره التونسي قيس سعيّد وبحث معه “العلاقات الثنائية”، وعقد لقاء آخر مع الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس دولة الإمارات الذي يترأس وفد بلاده إلى القمة، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء السورية الحكومية “سانا”.

وإضافة إلى تطبيع العلاقات مع دمشق، تتصدّر جدول أعمال القمة أزمتان رئيسيتان: النزاع المستمر منذ شهر في السودان، والنزاع المتواصل في اليمن منذ أكثر من ثماني سنوات.

وتنعقد القمة العربية وسط جهود حثيثة من السعودية لتعزيز موقعها الدبلوماسي في الشرق الأوسط وخارجه، وبعد تطبيع علاقاتها مع إيران بوساطة صينية في مارس، إثر قطيعة.

واستقطب وصول زيلينسكي المفاجئ إلى جدة الانتباه، في محطة تسبق توجهه إلى اليابان حيث سيشارك أيضا في قمة مجموعة السبع المنعقدة في هيروشيما. وهي الزيارة الأولى له إلى المنطقة منذ بدْء الغزو الروسي لبلاده قبل أكثر من سنة.

واتّهم الرئيس الأوكراني في خطاب ألقاه خلال القمة زعماء عربا بـ”غض الطرف” عن تصرفات روسيا في بلده، مطالبًا بموقف موحد “لإنقاذ الناس” من السجون الروسية.

وقال زيلينسكي الذي كان يرتدي بزّته الزيتية المعتادة “للأسف، هناك البعض في العالم، وبينكم هنا، يغضون الطرف عن (…) السجون والضمّ غير القانوني” للأراضي الأوكرانية، مضيفا “أنا متأكد من أننا يمكن أن نتّحد جميعا لإنقاذ الناس من أقفاص السجون الروسية”. ويبقى موقف قادة الدول العربية من الحرب في أوكرانيا ضبابيّا وغير موحّد، على عكس الأوروبيين والأميركيين.

ووصل زيلينسكي إلى جدة قبل وقت قصير من بدء أعمال القمة، على متن طائرة فرنسية، وفق ما أعلنه السفير الفرنسي لدى السعودية. وقال مسؤول في جامعة الدول العربية إن حضور زيلينسكي جاء “بدعوة من السعودية وليس من الجامعة العربية”.

وأفاد مسؤول سعودي وكالة فرانس برس بأن ممثلًا عن السفارة الروسية حاضر أيضًا في القمة العربية. وصوّتت السعودية لصالح قرارات مجلس الأمن المنددة بالغزو الروسي وضمّ موسكو مناطق في شرق أوكرانيا. لكنّها في الوقت نفسه واصلت التنسيق بشكل وثيق مع روسيا بشأن السياسات النفطية، بما في ذلك قرار خفض الإنتاج الذي اتّخذ في أكتوبر، مع محاولة الإبقاء على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، شريك المملكة الأمني منذ عقود.

وانتقدت واشنطن الرياض معتبرة أنها قدّمت إلى روسيا “دعمًا اقتصاديّا” وكذلك “معنويًا وعسكريّا”.

العرب

مقالات ذات صلة