سلامة… كبش محرقة الطبقة السياسية؟
أصدرت القاضية الفرنسية المكلّفة التحقيق في أموال وممتلكات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في أوروبا، أود بوروزي، مذكرة توقيف دولية بحقه، بعد تغيّبه عن جلسة استجوابه أمامها في باريس، بحيث أن القضاء اللبناني لم يبلغه وفق الأصول وجوب مثوله أمام القضاء الفرنسي. في حين اعتبر سلامة أن القرار الصادر بحقه “يشكّل خرقاً لأبسط القوانين”، كاشفاً أنه سيعمد إلى الطعن في القرار”الذي يُشكّل مخالفة واضحة للقوانين”.
وينتظر أن يتبلغ القضاء اللبناني بواسطة الانتربول الدولي مذكرة التوقيف الدولية اعتباراً من الأسبوع المقبل، كذلك، يرتقب أن تعمّم الشرطة الجنائية الدولية (الانتربول) مذكرة القاضية بوروزي على جميع الدول المنضوية تحت لوائها، وعددها 195 بلداً.
المذكرة التي صدرت قبل فترة قصيرة من انتهاء ولاية الحاكم في تموز المقبل، دفعت العديد من الجهات السياسية الى اعتبار أنه لم يعد بالامكان انتظار انتهائها من أجل تعيين حاكم جديد، وأن استقالته أصبحت ضرورية لتستعيد الحاكمية مسؤولياتها ودورها في ظل الأزمة المالية الصعبة كما أنّها ضرورية للحدّ من التأثير على سمعة لبنان المالية والقطاع المصرفي، على أن تتم إدارة الشغور في حاكمية مصرف لبنان ضمن الآليات المعتمدة في القانون نفسه حتى أن البعض طالب الحكومة، وعلى الرغم من كونها حكومة تصريف أعمال، أن تلجأ فوراً إلى تعيين حاكم جديد يعيد الثقة اللبنانية والدولية بهذا الموقع، مع التحذير من تعيينات الأزلام في موقع بهذه الحساسية والأهمية.
لكن، ماذا يقول الدستوريون في هذا الاطار؟ وما هي الآليات التي تتبع بعد صدور مذكرة التوقيف الدولية؟ وهل يحق لحكومة تصريف الأعمال أن تعيّن حاكماً جديداً أو أن الاصول الدستورية تقتضي تسلم نائب الحاكم زمام الأمور أقله في الفترة القليلة المتبقية من ولاية سلامة؟ وهل بات الحاكم ملزماً بتقديم استقالته بعد مذكرة التوقيف؟ وهل هذا الأمر سيؤثر فعلاً على سمعة لبنان المالية بعد كل ما حصل على المستوى المالي وفي القطاع المصرفي على مدى السنوات القليلة السابقة؟
رأى نقيب محامي الشمال السابق محمد المراد في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “المطالبة باستقالة سلامة أو اقالته في ظل هذا الجو وهذه الاجراءات الصادرة عن القضاء الفرنسي، واعمالاً بمبدأ درء الشبهات، من المستحسن أن تتخذ الاجراءات والتدابير القانونية أي استلام نائب الحاكم هذا الموقع في حال الشغور أو يصار الى تعيين حاكم أصيل لمصرف لبنان”، مشيراً الى أن “عملية التعيين، تخضع لآلية في مجلس الوزراء، ويعود أمر التقدير له اذا كان هذا الأمر ضمن صلاحياته لأن الحكومة مستقيلة، وهي لا تجتمع الا في الحالات الضرورية والطارئة، وقد يكون هذا الموضوع من القضايا الطارئة”.
واعتبر أن “دعوة الحكومة الى تعيين حاكم جديد يأتي ضمن الأصول القانونية، اذ يتشاور رئيس الحكومة مع الوزراء في المسألة إن كانت ملحة أو غير ملحة، وفي حال تم تقويمها على أنها طارئة وملحة، تدرج على جدول أعمال مجلس الوزراء للبت فيها خلال جلسة حكومية. ومن الممكن ألا يتم اللجوء الى هذه الصيغة، وهنا يعود القرار الى رئيس الحكومة والوزراء اما الطلب من سلامة الاستقالة أو اقالته وتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان.”
وقال المراد: “طالما أن نهاية الولاية أصبحت قريبة، لا أعتقد أن هناك ضرورة ملحة للاستقالة أو الاقالة أما لو كانت الولاية ستستمر لفترة طويلة، فكان من الضروري اتخاذ الاجراءات المناسبة. ليس هناك من ضرر كبير يلحق بسمعة لبنان أو بحاكمية مصرف لبنان أو بالمصارف اللبنانية، جراء هذه المذكرة لأن سمعة لبنان وسمعة قطاعه المصرفي أصبحت سيئة”. وتساءل: “لماذا التسرع؟ اذا كانت هناك من معاملات معينة تتطلب توقيع حاكم مصرف لبنان شخصياً، وترفض الدول توقيعه، حينها تصبح المسألة ملحة وضرورية. واذا كان هناك اصطدام بين مصرف لبنان والمصارف الخارجية يؤثر على واقع مصرف لبنان، يصبح تعيين البديل أكثر من ضرورة”، مؤكداً أن “تعميم مذكرة التوقيف الصادرة عن القضاء الفرنسي على الانتربول الدولي لم يحصل بعد، وهذه المسألة تحتاج الى بعض الوقت.”
وأوضح أن “صدور مثل هذه المذكرة بالمعنى القانوني البحت، لا يعني الادانة انما هناك نوع من الشبهة القضائية بحق سلامة، وكما هو متداول أيضاً أن هذا التعميم لم يصدر الى الآن”.
أما رئيس مركز “ليبرتي للدراسات القانونية والاستراتيجية ” محمد زكور فقال: “مع تمسكي دوماً بوجوب قيام حكومة تصريف الأعمال بواجباتها في تسيير شؤون الناس الا أنني أرفض أن تقوم الحكومة المستقيلة بتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان لأن ذلك من صلب صلاحيات الحكومة الأصيلة، بالتعاون مع رئيس الجمهورية الذي يجب انتخابه في أسرع وقت”. واعتبر أن “الحالات الطارئة عندما نصل الى حائط مسدود، ولا نستطيع أن نلتمس حلاً بديلاً، انما في هذا الاطار هناك حل بديل وهو قيام نائب الحاكم بتسلم الدفة خلال الأيام القليلة المتبقية، وبالتالي، نحن أمام نصوص قانونية واضحة. اما اذا كانت هناك حسابات طائفية، تدفع نائب الحاكم الى رفض هذه المسؤولية، فيجب أن نتحمّل عبء تجاهلنا للنصوص القانونية الواضحة ووزرها”.
أضاف: “فات الطبقة السياسية والقضاء اللبناني أننا في معرض تحقيق أوروبي جدي جداً، وحكم القضاء الفرنسي على رئيس جمهورية فرنسا السابق نيكولا ساركوزي خير دليل، وبالتالي، هو لن يرحم من يظن أنه قد مسّ بمصالح بلده الاقتصادية أو ارتكب بعض الجرائم المالية على أراضي دولته”. ولفت الى أن “عدداً كبيراً من المسؤولين التزم الصمت تجاه سلامة في الفترات السابقة ظنّاً منهم أنه يمكن انقاذه، ونجد أن هذه الأبواق ارتفعت اليوم، وتطالب باستقالته”، مؤكداً أن “الاستقالة واجب على الحاكم لأن الأسواق المالية الخارجية، لن تتعامل مع حاكم مطلوب للعدالة الفرنسية”.
وتحدث عن “تعاون بين لبنان وفرنسا، يوجب على الدولة اللبنانية التعاون مع الدولة الفرنسية للقبض على الحاكم، لكن هذا لن يحصل لأن الحاكم لا يزال يحظى بغطاء الطبقة السياسية فهو يعلم الكثير وتلك الطبقة ستحاول التخفيف من تداعيات هذا القرار”، واصفاً سلامة بأنه “كبش محرقة الطبقة السياسية”. وأوضح أن “القضاء الفرنسي لا يعرف المراوحة والمراوغة. والقاضية الفرنسية هي قاضية تحقيق لا تستطيع أن تحكم بالادانة أو البراءة”.
وأشار الى أن “فريق محامي سلامة، يحاول جاهداً تجريد القضاء الفرنسي من اختصاصه في هذه القضية على اعتبار أن الشخص المعني لبناني، وعملياته المالية مرتكبة على الأراضي اللبنانية، لكن القضاء الفرنسي يعتبر أن جزءاً من تلك العمليات جرت على أرضه”.
هيام طوق- لبنان الكبير