باسيل يتريث ولا «يناور»: متى تدق ساعة الانتخاب وتجرّع «كأس» تأمين النصاب «المر» ؟
ثلاثة قادة في «المعارضة» يعيشون حالة انكار للواقع، ولا يزالون عاجزين عن مواكبة الاحداث المتسارعة في العالم والمنطقة، لكن كل واحد منهم اختار التعامل مع «الدينايل» على طريقته. رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط اختار «الحياد» وانتظار انقشاع المشهد، معترفا بعجزه عن «هضم» واستيعاب التطورات، وفي مقدمتها «الهرولة» العربية لاحتضان الرئيس السوري بشار الاسد. رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع لا يريد الاقرار بوجود «خذلان» سعودي بعد الليونة الواضحة في موقف المملكة من انتخاب رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، ويحاول اقناع نفسه بان السعوديين تبنوا «الحياد الايجابي» لمنعه من الوصول الى بعبدا، وهو بات يراهن على دخول اميركي على الخط يقلب «الطاولة» على الجميع، ويريحه من «كأس» تأمين النصاب «المر» حين تدق ساعة الانتخاب.
اما رئيس «الكتائب اللبنانية» سامي الجميل فاختار ان يؤدي دور «رأس الحربة» في منع وصول من يصرّ على تسميته مرشح حزب الله، ويريد صراحة «كسر» قضاء الحزب وقدره، في سابقة يريد لها ان تؤسس لمرحلة سياسية جديدة تسانده فيها «القوات»، لكنها تصطدم بمعطى جوهري يتجاوز هذه المرة التنافس على الساحة المسيحية، للاختلال الواضح في ميزان القوى، لكنه يرتبط بمعادلة منطقية تتردد في «معراب»، ومفادها ان لا شيء لدى الجميل ليخسره، بل تفيده الشعبوية، بينما «القوات» بوزنها وثقلها السياسي لديها حسابات داخلية وخارجية مختلفة، ولا يمكن ان يكون رئيس «الكتائب» هو من يشد «قاطرتها»!
القوى الثلاث الآنفة الذكر تجمعها مع «التيار الوطني الحر» متلازمة منع انتخاب فرنجية، لكنها لا تثق ابدا برئيس تكتل «لبنان القوي» جبران باسيل الذي يبادلها الامر نفسه وربما اكثر. الود المفقود له تبريراته الواقعية بعد تجربة مريرة خلال سنوات العهد السابق، لكن ازمة الثقة ترتبط ايضا «باليوم التالي» لايصال المفترض لمرشح تحد او مرشح وسطي، تحت عنوان الحاق الهزيمة «بالثنائي الشيعي» وبحزب الله على نحو خاص، كا تقول اوساط سياسية بارزة، وهو قرار لا يستطيع باسيل حتى الآن ان يتحمل وزره، لانه يقرأ جيدا التحولات من حوله، ولا يريد ان يقطع «شعرة معاوية» مع الحزب، كما لا يثق بالقوى الاخرى التي عملت على اضعافه، عندما كان يملك عناصر القوى المستمدة من رئاسة الرئيس ميشال عون، وتحالفه المتين آنذاك مع حزب الله. فكيف الحال راهنا بعدما بات وحيدا وستتعمق وحدته اذا اتخذ قرارا بالدخول بمواجهة مباشرة مع الحزب على الجبهة الرئاسية؟
ولهذا يتريث باسيل ولا «يناور» هذه المرة، لان خياراته «احلاها مر»، وهو يواجه نقاشات جدية داخل التيار، وكذلك في كتلته النيابية حول الخيارات المقبلة التي لن يكون التفرد باتخاذها صائبا، لان الكثير من العوامل تؤكد انها قد تؤدي الى ابتعاد عدد من النواب عن التكتل هذه المرة، خصوصا ان بعض «انتينات» هؤلاء بدأت تتلقى ذبذبات خارجية، لا يمكن تجاهلها سياسيا او حتى على مستوى المصالح الخاصة لهؤلاء.
ولهذا، لا يبدو القرار سهل ابدا، لان لكل خطوة اثمانا سيضطر «التيار الوطني الحر» الى دفعها عاجلا او آجلا، سواء اختار عدم التصادم اكثر مع حزب الله وأمّن التغطية في الشكل لانتخاب فرنجية عبر تأمين النصاب القانوني للجلسة النيابية، وهنا ثمن النزول عن «الشجرة» سيكون كارثيا على مستوى القاعدة الشعبية، خاصة اذا لم يحصل على الضمانات الاساسية للتعاون مع العهد الجديد. ومن جهة اخرى، لا مكاسب تذكر داخليا وخارجيا اذا اتفق مع «خصوم» حزب الله ضده، فلا ضمانة ان التعطيل سيؤدي الى ايصال مرشح «المعارضة»، وهو يعرف ايضا ان تقاطع المصالح مع هؤلاء لن يمنحه اي امتيازات، بل ستبقى الحرب مفتوحة وربما اكثر شراسة مع افتراض انه بات معزولا.
وبرأي تلك الاوساط،لا تغيب ايضا حسابات التطورات الاقليمية والدولية عن بال باسيل، الذي يرى «بأم العين» ان المحور المؤيد لحزب الله يتقدم بخطوات ثابتة نحو فك عزلته من البوابتين الايرانية والسورية، ولن تتوقف الدول المطبعة مع محور المقاومة عند «خاطر» اي فئة لبنانية، عندما يتعلق الامر بمصالحها الاستراتيجية.
واذا كان باسيل يلوم حزب الله لانه لم يترك له هامشا للمناورة، وحشره بتأييد ترشيح فرنجية دون التوقف عند ملاحظاته، وموقفه الرافض لهذا الخيار، فان مصادر مقربة من الحزب تعتقد انه ورّط نفسه، ولم يورّطه احد، بعدما حشر نفسه في الزاوية عندما اختار على نحو خاطىء اجراء نقاش علني و»فظ» مع السيد حسن نصرالله، قاطعا الطريق على نقاشات كانت في بدايتها، ظنا منه انه «يحرق» ترشيح فرنجية بهذا الاسلوب، الذي زاد من تمسك الحزب بموقفه.
وفي هذا السياق، لا يبدو باسيل مقتنعا برهان «معراب» و»الصيفي» على تدخل اميركي محتمل لنسف اي تسوية – سورية- سعودية- ايرانية – فرنسية، وبرأيه فان التظاهر بأن التحولات لم تحدث ليس الا وهما، والاعتقاد ان الولايات المتحدة لا تزال القوة المهيمنة في المنطقة لا يتمشى مع الواقع. فكيف اذا كان الموضوع محصورا بالملف اللبناني، الذي لا يعني واشنطن الا بنقطتين مركزيتين: امن «اسرائيل»، وامن الغاز في المتوسط. وهذان الملفان بيد حزب الله حصرا، وعندما تضمن واشنطن الهدوء في الجنوب، وفق القواعد المعتادة لانها عاجزة عن تعديلها، وبعدما تم تجاوز ملف الترسيم البحري ووصلت الامور الى ما وصلت اليه من تفاهمات، لن تدخل واشنطن على خط «التخريب» خوفا من اهتزاز هاتين المعادلتين.
ولهذا، فان باسيل ليس غارقا في حالة الإنكار، ويريد التعامل مع الواقع. وهو يدرك انه لأول مرة منذ عقود، تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة الى التنافس على التأثير في الشرق الأوسط، بدلا من التعامل مع تفوقها كأنه أمر واقع. وهي وجدت نفسها مضطرة الى التعامل مع الدور المتزايد للصين، خصوصا دورها في التفاهم الايراني- السعودي، وهو ما يجعل الكثير من حلفاء واشنطن غير مرتاحين بل قلقين. ولكنه يبدو الثمن الذي ستدفعه واشنطن للخروج من الشرق الأوسط «التزامات أقل وتأثير أقل»، كما تقول صحيفة «واشنطن بوست» الاميركية. ولهذا لن يكون قرارا يسيرا.
يدرك باسيل انه امام «مفترق طرق»، ويخشى دفع الاثمان السياسية على المدى المتوسط والبعيد، لكنه يدرك انه لا يستطيع ان يبقى فوق «التل» طويلا، ينتظر مرور الوقت الذي بات ضاغطا على الجميع. عودة سوريا الى الجامعة العربية تحتل المشهد الاقليمي، والامر ليس تفصيلا صغيرا، قطر عبر المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية القطرية ماجد بن محمد الأنصاري نفت وجود اي اجتماع راهنا حول لبنان في الدوحة، اي لا ضغوط قريبة على باريس التي تغيرت ولم تعد «الام الحنون». لا ثقة بواشنطن ولا بحلفائها في بيروت، الرياض تركت الخيارات مفتوحة، فغادر عدد لا يستهان به من النواب المنطقة «الرمادية». اما «تعبيد» الطريق الى حارة حريك فدونه عقبات وضعها باسيل بنفسه، ولم يجد حتى الآن «خط الرجعة»، لكنه مضطر الى اخذ القرار عاجلا وليس آجلا، فاي ثمن سيختار دفعه؟
ابراهيم ناصر الدين- الديار