كيف سيبني برشلونة على تتويجه بلقب الدوري الإسباني؟

حسم برشلونة لقب الدوري الإسباني للمرة الـ 27 في تاريخه والأولى منذ أربع سنوات، إذ فاز مساء أمس الأحد على جاره اللدود إسبانيول بنتيجة (4-2) ضمن الجولة الـ 34 من البطولة ليرفع العملاق الكتالوني رصيده إلى 85 نقطة من 34 مباراة وبفارق 14 نقطة عن ريال مدريد صاحب المركز الثاني وهو فارق لا يمكن تعويضه في آخر أربع جولات.

وكانت المرة الأخيرة التي حقق فيها برشلونة لقب الدوري الإسباني في موسم (2018 – 2019) ثم ذهب اللقب في الموسم التالي إلى ريال مدريد ثم جاره أتلتيكو مدريد في (2020 – 2021) ثم إلى ريال مدريد في الموسم الماضي.

وسيتعين على برشلونة الانتظار حتى يوم السبت المقبل للاحتفال باللقب بين جماهيره حين يستضيف ريال سوسيداد صاحب المركز الرابع في استاد “كامب نو”.

وكان تحقيق لقب الدوري الإسباني هدفاً لا يمكن لبرشلونة التنازل عنه في الموسم الحالي نظراً إلى ما يمثله من دفعة كبرى لمشروع النادي الذي يقوده الرئيس خوان لابورتا ويديره فنياً المدرب الشاب تشافي هيرنانديز الذي يعد أحد أهم أساطير برشلونة كلاعب قبل التحول إلى التدريب، إذ شارك خلال مسيرته الذهبية كلاعب وسط في 767 مباراة بقميص البلاوغرانا، وسجل 85 هدفاً وصنع 185 وفاز بـ 25 لقباً.

واستعانت الإدارة الحالية لبرشلونة بالمدرب تشافي في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 خلفاً للهولندي رونالد كومان سعياً وراء قيادة مشروع إعادة إحياء الفريق الذهبي القادر على استعادة الهيمنة في إسبانيا والتألق في المحافل الأوروبية والدولية بعد سنوات من التعثر.

وعلى رغم بوادر النجاح التي ظهرت على الفريق الكتالوني تحت قيادة تشافي لكنه فشل في العودة لمنصات التتويج، سواء في الموسم الماضي أو الحالي إلا في بطولة كأس السوبر الإسباني (2022 – 2023)، ولذلك كان الفوز بلقب الدوري هذا العام اعترافاً بعودة برشلونة للبطولات الكبرى ولو جزئياً مما يجعله خطوة أولى في طريق إعادة البناء.

وتحول الاحتفال بلقب الدوري الإسباني إلى حدث مفعم بالعواطف نظراً لكونها البطولة الأخيرة للقائد سيرجيو بوسكيتس الذي زامل المدرب تشافي وسط ملعب برشلونة لسنوات طويلة، والآن أعلن نهاية مسيرته الذهبية مع النادي بعد 15 عاماً.

وهذا اللقب التاسع لبوسكيتس في الدوري ورقم (32) بشكل عام في مسيرته بالنادي، ويشمل سجله الرائع ثلاثة ألقاب بدوري أبطال أوروبا وسبعة في كأس الملك وثلاثة بكأس العالم للأندية.

وقال بوسكيتس لمحطة “موفيستار بلوس”، “أنا سعيد وأعتقد أننا خضنا موسماً رائعاً وحسمناه اليوم بانتصار كبير، والفريق متماسك وتشكيلتنا صلبة ونحظى بدفاع قوي وهكذا يكون بناء الأبطال، أنا فخور بما حققناه طوال الموسم فقد تمتعنا بالصلابة والثبات وفزنا بمباريات كان يجب الفوز بها ولم نهدر نقاطاً كثيرة، وكان موسماً مميزاً وأنا سعيد جداً بإنهاء مشواري هنا بهذه الطريقة”.

وبالفعل كان دفاع برشلونة الصلب هو نواة مشروع الفريق الحالي الذي يقوده المدرب تشافي مبدلاً إرثاً تاريخياً للبارسا الذي لطالما عرف بأسلوبه الهجومي الكاسح.

وربما لم يكن تغيير العقلية مريحاً تماماً لتشابي الذي قال إن أسلوب برشلونة “لا مساس به” عند تعيينه قبل عام ونصف العام.

وبدا محبطاً في معظم الوقت في المقابلات مع التحلي بالواقعية، إذ حاول الدفاع عن فريقه حتى بعد الانتصارات كما لو أراد شرح اضطراره إلى إعطاء الأولوية للدفاع بسبب التعجل في عودة النادي للإنجازات.

وفي فترة لعبه كان تشابي نفسه رمزاً للكرة الهجومية الممتعة حين كان لاعب وسط لامع حقق كل الألقاب الكبرى مع ناديه ومنتخب إسبانيا.

وقال تشابي عقب الفوز (1-0) على الغريم التاريخي ريال مدريد في معقله بملعب “سانتياغو برنابيو” في مارس (آذار) الماضي بعد أداء دفاعي قوي أمام النادي الملكي الذي استحوذ على الكرة بنسبة 65 في المئة لكنه عجز عن اختراق الدفاع، “ليست خيانة لأي أسلوب لعب، وأنا لست راضياً عن عدم امتلاك الكرة، أحياناً بسبب المنافسين أو تجبرك الظروف على ذلك، لكن الدفاع جزء من اللعبة”.

واستقبل برشلونة 13 هدفاً فقط في الدوري حتى الآن، وهي أفضل محصلة دفاعية في مسابقات الدوري الأوروبية الكبرى بفارق كبير.

وعلى أرضه تبدو أرقامه الدفاعية أكثر إبهاراً، إذ استقبل هدفين فقط أحدهما من ركلة جزاء والآخر من نيران صديقة.

ويرجع فضل صلابة الخطوط الخلفية إلى ثلاثي قضى موسماً مذهلاً، مكون من الحارس الألماني مارك أندريه تير شتيغن وقلب الدفاع رونالد أراوخو والظهير جول كوندي.

وبالطبع لم يهمل برشلونة الجوانب الهجومية خلال 27 فوزاً حققهم من 34 مباراة، وعلى رغم أنه سجل ثاني أكبر عدد من الأهداف في الدوري برصيد 65 هدفاً خلف ريال مدريد (70 هدفاً)، لكن يمكن نسب جزء كبير من تفوقه الهجومي إلى الهداف البولندي روبرت ليفاندوفسكي الذي يحتل صدارة الهدافين برصيد 21 هدفاً متفوقاً على مهاجم ريال مدريد كريم بنزيما الذي سجل 17 هدفاً.

وكان آخر تتويج لبرشلونة في الدوري بموسم (2018 – 2019) حين كان الأسطورتان ليونيل ميسي ولويس سواريز يقودان الهجوم.

وبسبب قواعد اللعب المالي النظيف اضطر الاثنان إلى الرحيل مع وقوع النادي في أزمة مالية عميقة وتراجعت قوة الفريق.

وتعاقد المدرب تشافي مع ليفاندوفسكي وكوندي والجناح رافينيا وأعاد اكتشاف عثمان ديمبيلي ليعطي بريقاً إضافياً لتشكيلة مبنية حول الموهبتين الشابتين بيدري وغابي في وسط الملعب.

وعلى الصعيد المؤسسي ربما يكون تتويج برشلونة بالدوري حدثاً سعيداً وسط عاصفة من الأزمات التي ضربت النادي خلال السنوات الأخيرة اقتصادياً أو رياضياً.

وقدم مدعون إسبان شكوى في مارس الماضي ضد برشلونة بسبب مدفوعات مزعومة بإجمال 7.3 مليون يورو في الفترة من 2001 إلى 2018 إلى شركات مملوكة للمسؤول السابق بلجنة الحكام خوسيه ماريا إنريكيز نغريرا، ووافقت محكمة في برشلونة على فتح قضية.

وفي الشهر نفسه فتح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) تحقيقاً رسمياً خاصاً في مخالفات النادي والتدقيق في المدفوعات نفسها.

ونفى برشلونة ارتكاب أية مخالفة، وقال إنه دفع من أجل استشارات خارجية وتزويده “بتقارير فنية متعلقة بالتحكيم الاحترافي” وهو أمر تفعله كثير من الأندية.

لكن نغريرا كان نائب رئيس لجنة الحكام بالاتحاد الإسباني وهو من أرفع المناصب المتعلقة بالتحكيم في البلاد، من 1993 إلى 2018 ليغطي كل الفترة المثيرة للجدل.

وربما وجهت القضية ضربة قوية لصورة النادي وقد تستمر في تلطيخ سمعته مع استمرار الإجراءات القانونية المنفصلة من (يويفا).

وتفجرت القضية في وقت يعاني برشلونة بالفعل أزمات مالية ضخمة تتعلق بالأجور الباهظة ووباء “كوفيد-19” ومشروع تطوير النادي في مقابل 1.6 مليار يورو.

ويسعى برشلونة حالياً إلى إعادة التوقيع مع نجمه التاريخي وهدافه القياسي ليونيل ميسي الذي رحل في أغسطس (آب) 2021.

ووفقاً لرابطة الدوري الإسباني لا يزال برشلونة فوق الحد المسموح به بفارق 200 مليون يورو، ولا يزال عاجزاً عن تسجيل عقود جديدة للاعبين تعاقد معهم قبل أشهر، ويحيط الغموض بمستقبل الثنائي المؤثر المدافع رونالد أراوخو ولاعب الوسط غابي حتى يجد النادي وسيلة لإدراجهم ضمن موازنته.

وبخروجه الباكر من المنافسات الأوروبية في الموسم الماضي تعرض النادي لوضع صعب ولجأ مجلس الإدارة خلال الصيف الماضي إلى حل الروافع الاقتصادية ببيع نسب من أصول النادي في مقابل حوالى 667 مليون يورو.

ولم تتحسن أوضاع النادي على الصعيد القاري في الموسم الحالي، إذ ودع دوري أبطال أوروبا من دور المجموعات ثم خرج باكراً من الدوري الأوروبي.

لكن التتويج باللقب المحلي يظل بداية جيدة لإعادة برشلونة إلى الطريق الصحيح، وهو ما اعترف به المدرب تشافي إذ قال “الشعور ساحر بعد عمل استمر أكثر من 10 أشهر وتضحيات، كان جهداً هائلاً، وبالنسبة إلى الجماهير والنادي فقد كان الفوز محورياً من أجل استقرار المشروع ونريد الاستمرار في هذا الاتجاه، وهذا اللقب يعني أننا نمضي بشكل جيد وسيمنحنا الاستقرار على رغم أن المهمة لم تنجز على مستوى المنافسات الأوروبية”.

اندبندنت

مقالات ذات صلة