ما الذي يمنع باسيل من إستغلال المعارضة في إسقاط فرنجية وطرح نفسه مرشحاً جديا؟
هل ولد اجتماع المعارضة ميتاً؟
توقّف سياسي مخضرم عند محطات ثلاث لا يجب تجاوزها في زمن الاستحقاق الرئاسي الحالي، لأنها ذات مدلول تاريخي يعكس ما يحصل اليوم، وهي إن دلّت الى شيء فإنما تدل الى «انّ المجتمع المسيحي في لبنان هو رهينة تقتضي الإفراج عنها»، بحسب تعبيره.
ففي عام 1988 ترشّح الرئيس سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية طارحاً شعار «عَفا الله عمّا مضى»، فاجتمع قائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون والرئيس امين الجميل وقائد «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع واتفقوا على تعطيل نصاب الجلسة الانتخابية المنعقدة في «قصر منصور»، وتجاوزوا جميعاً خلافاتهم ووضعوها جانباً عندما لمعَ اسم فرنجية.
وفي العام 2016 تقدمت حظوظ سليمان فرنجية الحفيد بدعم اميركي ـ سعودي ـ اوروبي، فاجتمع عون وجعجع بعد مسلسل من المواجهات الدموية والعداوات اللامتناهية، وحصل «اتفاق معراب» وانتخب ميشال عون رئيساً للجمهورية.
واليوم في العام 2023، وبعد 6 سنوات من عهد عون حيث كانت الخلافات «القواتية» ـ «العونية» على أشدّها، وكانت فعاليتها تتجاوز فعالية راجمات الصواريخ، فإذا بهما يتناسيان التراشق والعداوة والحملات الاعلامية والشتائم المتبادلة ويضعان نصب أعينهما قطع الطريق امام فرنجية.
وهذه المحطات الثلاث، يقول السياسي المخضرم، تختصر حالة الوجود المسيحي في لبنان، فالمسيحيون اللبنانيون اليوم رهينة ثنائية الواحدة منها سبب لوجود الأُخرى، فإن اعتَلّت احداهما تذهب الأخرى الى مداواتها حفاظاً على سبب وجودها الذاتي. وفي خضم كل هذا يذهب المسيحيون من حزب الكتائب الى تيار «المردة» الى حزب الوطنيين الاحرار الى المستقلّين ضحية هذا السلوك.
أما اليوم فإنّ ما يحصل هو انّ ترشيح فرنجية قد أخذ مداه المحلي والاقليمي والدولي وذلك نتيجة سلوك الرجل السياسي المراكم للايجابيات، فتعاطى معه الغرب على انه في موضع واضح غير مخفي ويعتمد الصراحة مبدأ في تعاطيه مع الخصم، ما جعل هذا الغرب يرتاح الى العلاقة مع الخصم الصريح بدلاً من الحليف الكاذب. ومن ثم جاء الموقف السعودي الايجابي تجاه فرنجية نتيجة الصراحة عينها وليس نتيجة اي شيء آخر، فكان ان جمع المتضررون أنفسهم حول مائدة «الغبن المسيحي».
الا ان ما يجب إلقاء الضوء عليه، يضيف السياسي المخضرم، هو تفصيل ممارسات هذه المعارضة بسلوكها وتناقضاتها التي يستخلص منها «انها ولدت ميتة»، وذلك للاسباب الآتية:
ـ أولاً، ان كافة اركان المعارضة، باستثناء جعجع ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، يعتبرون ان التلاقي مع باسيل مضرّ جداً، سواء على المستوى المحلي المسيحي او على المستوى الدولي الذي يجد في باسيل «حالة سياسية فاسدة» وهذا ما يتجلى في عقوبات ماغنسكي التي طاوَلته. كما ان هناك شريحة مسيحية كبيرة تعتبر ان باسيل قد اساء من خلال عهد عون للبنان نتيجة الانهيار الاقتصادي الكبير.
– ثانياً، يعتبر قسم كبير من هؤلاء المعارضين انّ قرار المعارضة لا يعود الى جعجع بمفرده وانما يعود الى مشورة الجميع مُعتبرين انّ انتماء باسيل الى محوره يشبه انتماء فرنجية للمحور عينه، وبالتالي من غير الجائز محاربة فرنجية الواضح بما يشبه فرنجية ولكن بطريقة مستترة.
– ثالثاً، يرى المعارضون عينهم انّ جعجع يكرر تجربة 2016 والتي كانت نتيجتها ايصال عون الى سدة الرئاسة وانهيار البلد خلال عهده، فما الذي يمنع اليوم من ان يستعمل باسيل كل هذه المعارضة ويأخذ منها شرعية المفاوضة مع «حزب الله» بعد إسقاط فرنجية وطرح نفسه مرشحاً رئاسياً جدياً؟ واين الضمانات التي يمكن لجعجع ان يعطيها للمعارضة كلها في هذا الصدد؟
– رابعاً، كيف يمكن لجعجع ان يسوّق مرشح باسيل الوزير السابق جهاد ازعور داخل حزبه وهو الذي خاض حرباً سياسية ضده على مدى 6 سنوات متهماً ايّاه بالطعن في الظهر؟ وأين هي الحجة في الذهاب الى مرشح باسيل، وإلا فإنّ عليه ان يُصارح حزبه بعجزه عن تغير الامور وسقوطه في الامتحان الاستراتيجي؟
– خامساً، كيف سيتم إقناع النائب نعمة افرام بالسير بمرشح باسيل الذي خاض حرباً ضروساً عليه متهماً ايّاه بالخيانة السياسية.
– سادساً، كيف يمكن إقناع النائب والمرشح الرئاسي ميشال معوض بالانسحاب لمرشح «غير سيادي»، بحسب المعايير التي وضعها معوض نفسه، إلا اذا اعتبر انّ ازعور هو مرشح سيادي، علماً ان جميع اركان المعارضة يعرفون انّ ازعور كان قد زار الضاحية الجنوبية لبيروت عارضاً على «حزب الله» الضمانات مقابل التأييد؟ وكيف ستستطيع المعارضة إقناع التغييريين الناقمين على «المنظومة» بمرشح كان وزير مال في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، بالاضافة الى ان هذا المرشح مرتبط بمَن كان سبب وجود هؤلاء، اي باسيل؟
– سابعاً، كيف يمكن نزع الاتهام السياسي المثبت بالمستندات الذي وجّهه «التيار الوطني الحر» عبر كتاب «الإبراء المستحيل» الى السنيورة ومعه ازعور بتبديد 11 مليار دولار. فالقول انّ هذا الملف قد اصبح لدى ديوان المحاسبة ولم يصدر قرار في شأنه حتى الآن، هو كلام مرفوض لدى المعنيين اذ انّ إحالة «الابراء المستحيل» الى القضاء لا تبرّىء المعنيين من الاتهام السياسي ولا تسقط صفة مقدّم الإخبار عن «التيار الوطني الحر».
– ثامناً، نسف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط خلال حواره المتلفز مساء امس مشروع باسيل وجعجع للاتفاق على مرشح موحد، فلم يدخل طرفاً في المواجهة، وحافظَ على التوازن الداخلي، وكان اللافت للانتباه انه لم يُرشح ازعور ولا الدكتور صلاح حنين.
وفي ضوء كل هذه المعطيات، يرى السياسي المخضرم «ان هذه المعارضة ستكون حالة من حالات الرفض غير الموضوعي وغير المَبني على برنامج واضح ليست غايتها سوى تعطيل نصاب جلسة انتخاب فرنجية، اذ انّ بلوغها الاكثرية المطلقة هو أضغاث أحلام».
طارق ترشيشي- الجمهورية