سيناريو الفراغ: لماذا لم يَعُد بري «يمشي خلف البطريرك» في الموضوع الرئاسي؟
حدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري موعداً مبدئياً لوجوب انتخاب رئيس للجمهورية في 15 جلسة في حزيران/يونيو المقبل وأكد في أكثر من مناسبة دعمه ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية. وفي انتظار مثل هذه الجلسة فإن من يراقب مواقف الرئيس بري في هذا الاستحقاق الرئاسي يرى أنها تختلف عن مواقفه في الاستحقاقات السابقة وخصوصاً ما سُجّل بعد ولاية الرئيس اميل لحود وقبل انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً حيث اشتهر الرئيس بري في عهد البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير بعبارته الشهيرة «أمشي خلف البطريرك» وبقوله «سأنام في المجلس وسيكون هناك جلسة تلو الجلسة كل يوم حتى أصل إلى نتيجة».
فماذا تغيّر حتى لم يعد يكرّر الرئيس بري عبارة «أمشي خلف البطريرك» وحتى لا ينام في المجلس ويدعو إلى جلسة تلو الأخرى؟
يبدو الرئيس بري منزعجاً من مواقف البطريرك الحالي مار بشارة بطرس الراعي الذي حمّل النواب أكثر من مرة مسؤولية الشغور الرئاسي، مؤكداً «أن واجبهم يحتم الاجتماع وعدم الخروج من مجلس النواب قبل إنجاز مهمة انتخاب الرئيس، وان ما يقومون به يرقى إلى مصاف الخيانة الوطنية العظمى للوطن وللدستور». كما أن الرئيس بري الذي انتخب في ولايته الجديدة بـ65 صوتاً فقط لم يهضم امتناع الكتل المسيحية الرئيسية عن التصويت له في الرئاسة الثانية وامتناعها كذلك عن المشاركة في جلسات «تشريع الضرورة» واعتبار المجلس هيئة ناخبة لا اشتراعية ما أفقده القدرة على التحكّم بادارة البرلمان خلافاً لما كان عليه الامر منذ انتخابه في أول ولاية عام 1992.
وقد تركت هذه الأمور ندوبها على العلاقة بين الرئيس بري والقوى المسيحية، وجعلته يتشدّد في موقفه من الاستحقاق الرئاسي محملاً الموارنة مسؤولية عدم التوافق على رئيس، كما جعلته لا ينادي بالرئيس التوافقي ولو أنه دعا في بداية جلسات الانتخاب الـ 11 إلى حوار للاتفاق على رئيس من دون أن تلقى دعوته قبولاً من القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر ما غيّب جسور التواصل لتقتصر على زيارة يتيمة لأحد الموفدين إلى بكركي من دون أن تفضي إلى موافقة الثنائي الشيعي على توسيع الخيارات إلى جانب فرنجية.
وبالعودة بالسنوات إلى الوراء وإلى صيف عام 2007 كان الرئيس بري ينادي بالرئيس التوافقي المدعوم من فريقي8 و14 آذار الذي يفتح الطريق في رأيه لحل كل الأزمات، وهذا ما يعطيه القوة والمناعة والهيبة والمواصفات التي وضعتها بكركي في تلك الأيام، وعدا عن ذلك فمجرد أن يُنتخب الرئيس التوافقي كل الناس بحاجة لأن تعطيه وتسلّفه.
ومن المعلوم أن لرئيس مجلس النواب بشكل عام دوراً أساسياً في إدارة العملية الانتخابية، هذا ما فعله الرئيس كامل الأسعد في جلسة انتخاب الرئيس بشير الجميّل وهذا ما فعله الرئيس بري في جلسات الانتخاب والتمديد بعد الطائف، وهذا ما هو قادر على فعله في أي جلسة انتخابية مقبلة، ولو أراد الرئيس بري لترك جلسات الانتخاب مفتوحة حتى انتخاب الرئيس ولما سمح بتطيير النصاب في الدورة الثانية الذي ساهم فيه أيضاً نواب من «كتلة التنمية والتحرير» إلى أن تتبدّل الظروف وتسمح بترشيح وتزكية المرشح المفضل لدى الثنائي الشيعي وهو رئيس «تيار المردة». وهذا الأداء المجلسي هو الذي أدى للمرة الأولى منذ سنوات إلى خلاف وتراشق بين الرئيس بري والقوات اللبنانية التي كان يؤخذ عليها من التيار العوني أنها تصنّفه في خانة الأصدقاء، كما أن هذا الأداء التعطيلي هو الذي دفع القوى المعارضة إلى التلويح بالرد بالطريقة ذاتها وعدم القبول بتأمين النصاب لجلسة انتخاب مرشح الممانعة أو مرشح التحدي وعدم التوافق.
وفي هذا الإطار، حتى لو قرّر نواب «تكتل الاعتدال الوطني» حضور جلسة الانتخاب والتصويت لفرنجية يبقى الأخير بحاجة لنواب «اللقاء الديمقراطي» لبلوغ عتبة 65 صوتاً، ولكن يبقى السؤال عن قدرة داعمي هذا الخيار على تأمين نصاب الثلثين المحدد بـ 86 نائباً في ضوء عزم نواب القوات اللبنانية والكتائب والتيار الوطني الحر و«تجدد» وبعض النواب التغييريين والمستقلين على عدم الذهاب إلى الجلسة في حال ضمان فوز فرنجية في الدورة الثانية من الاقتراع إلا إذا تقرّر تخطي العرف والسير بنصاب النصف زائداً واحداً مع ما يعنيه ذلك من انقلاب ومن تحدٍ لإرادة المسيحيين وفرض مرشح عليهم.
واللافت أن قوى 14 آذار حتى لو كانت تملك الأكثرية لم تكن تستطيع في أي مرحلة الاتيان برئيس من صفوفها لأكثر من سبب. هذا ما حصل بعد انتخابات عام 2005 بسبب تعرّض نوابها وقياداتها للاغتيال لافقادهم الأكثرية، فتمّ بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري استهداف كل من وليد عيدو وبيار الجميل وانطوان غانم ما جعل النواب يقيمون في فندق فينيسيا ويخشون التوجه إلى ساحة النجمة لانجاز الاستحقاق الرئاسي في الجلسة التي كان الرئيس بري يزمع الدعوة إليها في 25 ايلول/سيتمبر 2007 لئلا يتم اصطيادهم على الطريق.
وما أشبه اليوم بالأمس حيث لا توجد أكثرية واضحة في مجلس النواب بل هناك قوتان أساسيتان وقوة وسطية تنتظر إما الايحاء من الخارج أو ما ستؤول إليه نتائج الاتصالات. وللمفارقة أن الرئيس بري قال قبيل استحقاق 2008 «من نِعم الله علينا في هذه الفترة ان لا 8 آذار تملك الثلثين ولا 14 آذار، فهم بطيبة خاطرهم ورغما عنهم مجبرون على أن يتفقوا» مشيراً إلى أنه «ستكون هناك انتخابات رئاسة جمهورية بالتوافق». وقد طالب بري يومها بـ «رئيس الرؤساء» أي ألا يكون الرئيس طرفاً وأن يكون علامة جمع لا تفرقة.
فهل يتكرّر في الأيام المقبلة مشهد التوافق الذي أفضى آنذاك إلى تسوية حول شخص قائد الجيش العماد ميشال سليمان أم يبقى كل فريق متمترساً خلف موقفه ويتكرّر سيناريو الفراغ ويطول على غرار ما حصل قبل انتخاب العماد ميشال عون عام 2006؟
سعد الياس- القدس العربي