الجميع يتفاجأ من الإغداق السعودي: خشية مسيحية وخيبة سنّية!
السعودية “تغدق” على خصومها: الخشية المسيحية والخيبة السنّية
يُقال دوماً، إن السعودية إذا أعطت أغدقت. لا بد من استعارة القول لتوصيف المسار السياسي القائم في هذه المرحلة. تسارع خطوات التقارب مع إيران وسوريا، قبل تحقيق المكاسب، يُطبّق القول بالفعل.
استقبال فرنجية
يأتي ذلك، بعدما كانت السعودية قد أحجمت سياسياً ومالياً، في لبنان وسوريا بالتحديد. وها هي تعود إلى الإغداق السياسي في التقارب مع طهران ودمشق. وهو ما يلاقي ترجمة في بيروت برفع الفيتو عن ترشيح رئيس تيار المردة، سليمان فرنجية. أثبت السفير السعودي بالفعل وليس بالقول رفع هذا الفيتو، من خلال استقباله لفرنجية في اليرزة. هي خطوة إيجابية يحققها الرجل على طريق ترشيحه. يكاد الجميع يتفاجأ من هذا الإغداق، الخصوم قبل الحلفاء.
ولكن لا بد من وضع كل المسار في نصابه وبهدوء. ربما يحتاج المرء إلى استعراض وجهات النظر المتعددة. فالداعمون لفرنجية والمتفائلون بإمكانية وصوله، يعتبرون ما جرى خطوة متقدمة على طريق الوصول إلى بعبدا. أما المعارضون فيضعون ما جرى بالخطوة الديبلوماسية التي لا بد منها، طالما أن الرجل هو الذي زار السفير وليس العكس، وعلى قاعدة أن السعودية لا تغلق أبوابها بوجه أحد.
غرّد فرنجية بعد اللقاء شاكراً السفير السعودي على الدعوة. عملياً، أوضح الرجل أنه هو الذي تلقى دعوة وليس هو من طلب اللقاء. ولهذا سياقات مختلفة. أولاً، أن قنوات عديدة عملت على توفير اللقاء، منها شخصيات لبنانية، أبرزها رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ومنها خارجية أبرزها من قبل الفرنسيين، الذين دعوا السعوديين إلى لقاء الرجل والسماع منه. في المقابل، فإن زيارته إلى منزل السفير السعودي متشابهة رمزياً مع زيارته إلى باريس ولقائه بالمستشار الرئاسي باتريك دوريل لتقديم الضمانات. وبالتالي، فلا بد له من أن يقوم بزيارة السعوديين ووضعهم في صورة برنامجه ومشروعه. البعض يفسّر ذلك بأنه المحاولة الثالثة على خط التقارب مع السعودية وطمأنتها، على وقع كل التطورات الإقليمية الحاصلة.
التحرر من الضغوط
في التفسيرات أيضاً، لو أن البخاري هو الذي زار فرنجية في بنشعي لكانت الترجمة السريعة تخلص إلى أنها زيارة دعم وتأييد. وبما أن السفير هو من استقبل المرشح لرئاسة الجمهورية، فذلك يعني رفع الفيتو عنه وحسب. يأتي ذلك في سياق الكثير من القراءات اللبنانية المختلفة. بعضهم يعتبر أن السعودية تريد أن تكسب استراتيجياً، وهو ما تسعى إليه مع إيران في سوريا واليمن، بينما لبنان لا يمثل مردوداً ثقيلاً. وبالتالي، لا حاجة للتورط بتكاليفه الكبيرة. تخلص هذه القراءة إلى القول إن السعودية قد لا تمانع حصول ذلك، ولو أدى إلى تكريس منطق اختيار حزب الله لرئيس الجمهورية. فيما هناك وجهة نظر مقابلة، تفيد بأن السعودية أرادت التحرر من كل الضغوط الخارجية، خصوصاً تلك التي تحملها مسؤولية تعطيل الاستحقاق من خلال رفض فرنجية والإلتزام بالمواصفات. فوجدت أنها بجولة السفير السعودي ومن ثم باستقبال فرنجية، تفتح الطريق من جانبها، فيما يبقى الاعتراض الداخلي قائماً، لا سيما مسيحياً.
التحالف مع الأقوى
مسيحياً أيضاً، لا يمكن إغفال اعتبارات متعددة، أولاً الغضب المسيحي من فرنسا. إذ يحملها المسيحيون مسؤولية تبني خيار فرنجية، في تعارض حقيقي مع وجدانهم، ومع ما تمثله باريس بالنسبة إليهم تاريخياً. وهناك من يفسّر ذلك بأن باريس من مصلحتها التحالف مع الأقوى، وهي كانت تحتضن الموارنة عندما كانوا أقوياء، وبعدها نشأت علاقة بينها وبين السنّة عندما تحسنت ظروفهم السياسية إنطلاقاً من موازين قوى إقليمية. أما حالياً، فهي تلجأ إلى التفاهم والتقارب وتقاطع المصالح مع الشيعية السياسية، التي تمثّل قوة على الساحة اللبنانية، وامتداداً سورياً وعراقياً وإيرانياً، بما يتعلق بمشاريع وطموحات للأسواق ولخطوط النفط والغاز، والمزيد من الاستثمارات.
الوجدان المسيحي والسنّي
يحدث هذا فيما تتعالى أصوات القوى المسيحية المعترضة على هذا الخيار، وصولاً إلى حدّ التهديد بالطلاق أو الانفصال، أو الشعور بالغبن والقهر بنتيجة قدرة حزب الله على فرض مرشحه دوماً. وهذا ما يتوقع المسيحيون أن يكون له تداعيات خطرة، قد تؤدي إلى تشظيات كثيرة.
بقدر ما يبدو المسيحيون في حالة عتب على الفرنسيين، انطلاقاً من وجهة نظرهم بأن هذا الخيار يتعارض مع الوجدان المسيحي، ثمة من يفسّر الخطوات السعودية بأنها تتعارض مع الوجدان السنّي أيضاً، خصوصاً بالتقارب مع النظام السوري وإعادة العلاقات معه بعد تهجير ملايين السوريين وارتكاب مجازر بحق مئات الآلاف. هذا التعارض لا يقتصر على الوجدان السنّي في سوريا فقط، إنما في لبنان أيضاً لحسابات سورية ولبنانية.
الرئاسة والفخامة
في مقابل هذه التعارضات أيضاً، يفسر البعض بأن استقبال فرنجية يعني فتح الطريق له إلى رئاسة الجمهورية، ومنهم من يلجأ إلى التذكير باستقبال ولي العهد السعودي لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بناء على مساع فرنسية كثيرة. هنا أيضاً تتضارب التفسيرات، فالبعض يعتبر أن اللقاء مع ميقاتي كان إيجابياً، فيما آخرون يعتبرون أن آثاره غدت أكثر سلبية ولم تجلب له الدعم السعودي. ولكن هنا لا بد من الإشارة إلى نقطة أساسية، أن ميقاتي ينتمي إلى الطائفة السنية، التي لا تجد نفسها في الميزان لا في لبنان ولا في سوريا ولا حتى في العراق، وغير مدعوم من أي مجموعة قوية وحقيقية، لا في لبنان ولا خارجه. بينما وضع سليمان فرنجية يختلف، فأولاً هو ماروني، وثانياً هو مدعوم من حزب الله وحركة أمل، كما أنه يحظى بدعم إيران والنظام السوري والفرنسيين وروسيا.
وهذه عينة على حكاية لبنان المتوالية، بين أصحاب لقب الفخامة بلا الرئاسة، وأصحاب الرئاسة بلا الفخامة، وما بينهما خشية كبيرة من بحث عن رئيس بلا جمهورية.
منير الربيع- المدن